أبناء البلقانيات يبحثون عن آبائهم العرب

كريم نصر الدين بابكر: لا أريد من أبي شيئا.. فقط أن أحضنه بقوة وأقبله

أبناء خالد النخلي
TT

تعاني كثيرات من النساء في البلقان من تركة ثقيلة، تركها العرب لهن وهي الأبناء. بعد أن انقطعت أخبار آبائهم منذ بداية الحرب البلقانية، في تسعينات القرن الماضي. ولم يكن أولئك الأطفال مجرد ذكرى بين أطلال الشباب فحسب، بل أثقال تنوء بها كواهل نساء ارتبطن بعرب، اختفوا من حياتهن بعد سالف الوصل. وتؤكد مشاهد تلك الأمهات مع أطفالهن السمر وشديدي السمرة أحيانا، بأن العرب مروا من هنا. ويوجد هؤلاء الأطفال في صربيا وكرواتيا ومقدونيا ورومانيا وبلغاريا، وكذلك في البوسنة وكوسوفو وألبانيا. وينتمي آباء أبناء البلقانيات العرب إلى مختلف الدول العربية تقريبا، سورية والعراق والسودان ومصر وغيرها.

وقصص أبناء العرب من البلقانيات كثيرة، وهي مختلفة من مكان لآخر، فليس كل الزوجات السابقات يرغبن في تواصل أبنائهن مع آبائهم، أو أسرهم. وإنما هناك حالات كثيرة، تم فيها طرد الأب كما حصل مع أحدهم في صربيا، حيث اتهمته زوجته السابقة زورا بمحاولة تجنيد أبنائه للقيام بعمليات انتحارية في العراق، للاحتفاظ بأبنائها، وذلك لإبعاده من حياتهم بطرده من صربيا. وهناك من رفضت تغيير أسماء أبنائها العربية، وحاولت البحث عن من يحتضنهم من العرب ويحافظ على هوية والدهم من دون جدوى، كما هو الأمر في عدد من الحالات في كرواتيا. وإن كانت هذه حالات قليلة، فإن معظم النساء والأبناء يرغبون في التواصل مع الأب أو أسرته في حال موته، كما هي الحال مع هذه القصص التي يرويها أبطالها لـ«الشرق الأوسط». وقالت منيرة زاغوراتس (48 سنة) والتي كانت، كما تقول، زوجة سوداني يدعى نصر الدين بابكر آدم، من بور سودان، ولها منه ابن في سن الخامسة عشر يدعى كريم، لـ«الشرق الأوسط»: «لا توجد في بلدنا سفارة سودانية، لأسأل عن نصر الدين حتى يتصل بابنه الذي يحتاج إليه في هذه السن». واشتكت منيرة من ضيق ذات اليد، حيث لا تعمل ولا يوجد من يساعدها على تربية ابنها الذي يتلقى تعليمه في السنة الرابعة الثانوية. وعن كيفية تعرفها على نصر الدين قالت: «كان ذلك سنة 1989م حيث كان طالبا بكلية الطب التي انضم إليها عام 1988م، وعندما بدأت الحرب سنة 1992م عاد للسودان، وتحديدا في 22 ديسمبر (كانون الأول) من ذلك العام، ولم يكن وحيدا، فأغلب الطلبة الأجانب عادوا لبلدانهم عندما بدأت الحرب في يوغسلافيا السابقة». وأكدت منيرة أنها كانت حاملا عندما سافر نصر الدين، وأنه كان يعلم بذلك. وأنها وضعت مولودها في 5 فبراير (شباط) 1993 م. وقال كريم: «أنا أريد أن أرى أبي، وأن أمشي معه في الشارع، لا أريد منه شيئا، فقط أن أحضنه بقوة وأقبله». وعما إذا كان غاضبا من أبيه قال: «لست غاضبا حتى الآن، ولكني لا أريده أن يتأخر أكثر مما فعل حتى الآن». وقال: «لدي رقم هاتف نقال (0038762482806) أريد أن أسمع صوته، وأن يبشرني بأنه سيأتي أو يطلب مني زيارته أينما كان، سواء في السودان أو أي مكان آخر في العالم». وتابع: «أريد معلومات عنه ممن يعرفه فربما هو في وضع لا يسمح له بالسؤال عني، أو يخبره أحد بأن له ابنا في البوسنة عمره 15 سنة». أما نرمين (31 سنة) فيذكر لـ«الشرق الأوسط» أن والده تونسي، كان مقيما في البوسنة، وشارك في الحرب حيث قتل في سنة 1992. ويدعى عبد الرحمن الزعبي من تونس العاصمة. وقال إنه يشك في أن عائلة الزعبي تعرف أنه قتل في البوسنة التي قدم إليها والده وعمره 21 سنة. وأعرب نرمين عن رغبته في معرفة أسرته في تونس (أسرة والده) لكنه لا يملك أي وثائق أو معلومات عنهم. وعما إذا كان يحتفظ بجواز سفر والده أو وثائق تثبت هويته، قال: «في أثناء الحرب كنت صغيرا، وجاء أناس إلى أمي وطلبوا جميع وثائق والدي على أساس أنهم سيسلمونها للسلطات التونسية، ويخبرون أسرته بمقتله، ولكني الآن أشك في ذلك، فمن جاء لاستلام الوثائق بما فيها جواز السفر ربما استخدموا تلك الوثائق لأغراض خاصة أو باعوها». وحول ما إذا بذل أي جهد في البحث الفردي عن أسرة والده، قال: «التقيت أناسا كثيرين، وبعضهم وعدني بالمساعدة، ولكن من دون جدوى»، واستطرد قائلا:«خطأ أمي أنها صدقت الذين أخذوا منا تلك الوثائق، وإلا لكان لنا اليوم سند يمكن أن يساعدنا في معرفة أسرة والدي». ويملك نرمين محلا لبيع المأكولات السريعة، ويتلقى راتبا من الدولة.

وعن كيفية قضائه فترة صباه بعد مقتل والده، قال: «قضيت طفولتي داخل ملجأ حتى بلغت 18 سنة، ولم أستطع إنهاء تعليمي الجامعي فاتجهت للتجارة، وأنا بخير اليوم والحمد لله». وعبر عن رغبة كبيرة في معرفة أسرة والده والاتصال بهم، على رقمه الخلوي (0038761950949). وأكد على أنه لا يريد من أسرة والده شيئا فهو بخير، وظروفه المادية جيدة: «لا أريد منهم شيئا، أرجو معرفتهم والتواصل معهم فقط».

أما جيينا ديديتش (31 سنة) فلها قصة مختلفة نسبيا، فزوجها مصري، خالد النخلي (39 سنة)، وقد انفصلت جيينا عن خالد بسبب ظروفه، لكنها مثقلة بأربعة أطفال هم محمد (14 سنة) ويدرس بالسنة الثامنة من المرحلة الأساسية، وأمينة (13 سنة) السنة السابعة، وعبد العزيز (11 سنة)، وإسماعيل (10 سنوات). وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «ليس لدي من يساعدني على تربيتهم، وقد اضطررت لخلع النقاب من أجل الحصول على عمل لإعالتهم». وعن مأساتها، قالت: «بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) وتحديدا في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2001 م، خرج خالد ولم يعد. وعن عدم اهتمامه بأبنائه، قالت «ابننا إسماعيل لا يعرفه ولا يعرف شكله، وقد ذهبت إلى مصر لرؤيته من دون الأبناء ووجدت وضعه النفسي صعب جدا، لذلك انفصلت عنه، ولم يكن وضعه الأمني فقط السبب الوحيد». وعن كيفية دخولها لمصر، قالت: «تقدمت بطلب إلى السفارة المصرية في سراييفو، والتقيت بالقنصل الذي طلب مني عدم مرافقة الأبناء، وقد استقبلني زوجي السابق بطريقة غير جيدة، شعرت فيها بأن الحب الذي كان بيننا قد انتهى». وأضافت: «أبنائي لا يأكلون ولا يلبسون مثل بقية الأطفال في حاجة للطعام وللشراب، وجميعهم يذهب للمدرسة، وأخشى أن لا أتمكن مستقبلا من إعالتهم فضلا عن دفع أقساط المدرسة وشراء الكتب المدرسية». وتمنت الحصول على مساعدة تستطيع من خلالها إعالة أطفالها وتمكينهم من مواصلة دراستهم الثانوية والجامعية، وأن يتواصلوا مع والدهم وأسرته في مصر، ويعتمدوا بعد ذلك على أنفسهم.