دعوة سعودية للهجرة العكسية من المدينة إلى الريف

الحاجة نحو التوسع العمراني العمودي والقضاء على مشكلة المياه بشكل جذري

الهرب من مشاكل المدن والسياحة الريفية تعيد ابناء الارياف المهاجرين وفي الاطار محافظ المندق عبدالعزيز بن الرقوش («الشرق الأوسط»)
TT

خلصت الدراسات التي قدمها عشرون باحثا ومختصا في اليوم الأول لندوة التنمية الريفية، التي عقدت في الباحة أمس، إلى الحاجة نحو التوسع العمراني العمودي في الأرياف، والقضاء على مشكلة المياه بشكل جذري، مع مراعاة ربط القرى بالمدن بطرق سريعة مزدوجة.

وكشف عبد العزيز بن رقوش، محافظ المندق، لـ«الشرق الأوسط»، أن جميع جلسات ندوة التنمية الريفية، هي جلسات تنظيرية ونظرية، ونأمل من خلال التوصيات التي ستتم في نهاية هذا الملتقى في تفعيل التوصيات مع الوزارات والإدارات المعنية، التي سنراها على أرض الواقع لقرارات بعد رفع التوصيات، وأفاد «التفاؤل والأمل يحدونا نحو بلورة هذا المشروع، الذي حين يشار فيه إلى التنمية الريفية، سينظر إلى التجهيزات الأساسية، والبنية التحتية والطرق وما إلى ذلك، ونحن ننطلق نحو تنمية الإنسان تنمية شاملة، ونحو تنمية الواقع في نفس الوقت». إلى ذلك، أوضح الدكتور جمعان الزهراني، نائب رئيس جامعة نايف الأمنية، لـ«الشرق الأوسط»، أن فكرة ندوة التنمية الريفية نبعت من رجال ذوي دراية ومعرفة من أبناء منطقة الباحة في الرياض، لإقامة لقاء علمي يتناول التنمية الريفية بأبعادها المختلفة، وهي التي قطعت شوطا لا بأس به، وأخذت نصيبها من تنمية الوطن، وكانت هناك بصمات واضحة في مجالات التنمية، ومنطقة الباحة ضمن هذه المنظومة الشاملة للتنمية، وخصص لهذه الندوة العديد من الإمكانات من قبل إمارة المنطقة ومحافظة المندق، وممثلة في برنامج المدن الصحية، وبحضور عدد كبير من رجال العلم والفكر والتربية وستتناول الجلسة العديد من الأبحاث والأطروحات وستستمر لمدة يومين.

وأضاف مساعد مدير جامعة نايف الأمنية، أن الهدف الحقيقي من وراء إقامة هذه المناسبة هو مشاركة أهل العلم ورغبتهم في تطوير العمل العلمي الذي تنفذه الدولة، مبينا أن الحراك السكاني بين مدن وقرى البلاد من الريف إلى المدن قد زادت وتيرته في المرحلة الأخيرة، وهدفنا من الندوة وضع توازن بين الريف والمدينة بإقامة العديد من المشاريع في المدن والأرياف؛ بهدف وضع بنية تحتية فاعلة في الأرياف، وهي ما ستدعم ما أسماها «الهجرة العكسية» من المدينة إلى الريف، التي تحتضن المناظر الجمالية والطبيعة الخلابة الجاذبة.

ولفت بالقول «لو نظرنا إلى الكثير من منجزات التنمية، سنشهد أنها في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز الزاهر، التي أولت المناطق الريفية جل اهتمامها من خلال إنشاء جامعات في كل المناطق والمدن؛ بغية تعزيز فرص التنمية، وتأهيل الكوادر البشرية، مما يدعم التوجه في تنفيذ التنمية الشاملة في المدينة والريف على حد سواء».

وقال الدكتور جمعان الزهراني، إن التجربة تكمن في وجود المتخصصين والأوراق العلمية المقدمة، ونقاشها مع المشاركين، وهي ما ستفضي عن توصيات ستكون جديرة بالاهتمام من قبل جميع المسؤولين في هذه البلاد الغالية، وستؤخذ بعين الاعتبار لخصوصيتها وأبعادها التنموية والسياحية.

من جانبه، كشف الدكتور عبد الله الزهراني، عميد كلية التربية في جامعة الباحة، لـ«الشرق الأوسط»، أن التنمية تعني النمو والانتشار، وتتناول قضايا ثقافية وقضايا تعنى بالثقافة الريفية والمجتمعية، وهي إحدى القضايا المهمة في التنمية، وتهدف إلى الموازنة بين المدن والأرياف والقرى، وهي ركيزة أساسية نحو التنمية الشاملة، وزاد «حينما تتوفر الاحتياجات الضرورية في الأرياف، فإنه تحد من الهجرة للمدن الكبرى، التي أصبحت تشتكي من كثرة أعداد القادمين إليها؛ مما يشكل ضغطا وعبئا على الخدمات الأساسية للتنمية».

وأشار بالقول، إنه لا بد من إقامة المصانع في المناطق الريفية؛ لجذب قاطني المدن نحو الأرياف، وحول مدى خطورة إنشاء مصانع في الأرياف وانعكاساتها على البيئة، قال «إن هناك بعض المصانع والصناعات التي لا تؤثر على البيئة، وبالإمكان المضي قدما في بلورتها»، مضيفا أن أوراق العمل التي سيتحدث عنها المشاركون ستكون في الحلول المقترحة، وسنصل إلى تبني بعض الأفكار التي تم استقراؤها من الواقع، ومن خلال الأدبيات العلمية في هذا المجال، مبينا أننا بلد يعيش التنمية بكل جوانبها، وستكون المناطق الريفية في القريب العاجل الانطلاقة نحو التنمية المتوازنة، وساق مثالا حول أبرز العقبات في التنمية الريفية وهي المياه، حيث تبذل الحكومة السعودية كل طاقاتها لإيصالها لكافة المواطنين والمقيمين، وهو ما سيحل مشاكل كثيرة تعتري هذا المجال، ومنها تخصيص خط تغذية المياه لمنطقة الباحة عن طريق الشعيبة، وبناء السدود؛ لتكون خزنا آمنا للمياه في القرى والأرياف.

من جانبه، أوضح حمود الفقيه، رئيس المجلس البلدي بمحافظة القرى بالأطاولة، لـ«الشرق الأوسط»، أن الندوة بمشاركيها اجتمعوا من اجل تنمية الريف السعودي، التي تحتاج إلى تشجيع وبذل المزيد من الجهود، ورأوا أن تنبع الفكرة من منطقة الباحة، لإعادة العمل في تنمية الريف من جديد ولرؤية الواقع الجمالي للمنطقة بمحافظاتها، وهي منطقة مكتملة في خدماتها، سواء كانت داخل القرى أو خارجها.

وزاد «لم تعد عندنا تلك القرى الوعرة، ولم يعد هناك نقص في الخدمات التعليمية أو الصحية، حتى أصبحت مدارسنا في قمم الجبال وبطون الأودية، ووصلت الطرق إلى كل مكان، والمواطن لم يعد ذلك المواطن العادي، الذي يطلب الخدمة المبسطة‘ فحين يطلب طريقا فهو يريده مزدوجا منارا ومرصوفا، فأصبح المواطن الآن لا يرضى بالقليل من الخدمات، ويفكر في نوعيتها وجديتها».

وأبان رئيس المجلس البلدي، أن مستوى الثقافة في الريف والمدينة لم يعد متباينا؛ لذلك أصبحت المطالب في فرص التنمية واحدة، ونتطلع إلى أن تخرج من هذه الندوة توصيات عالية جدا تحقق رغبات المواطن، ونحن نعرف أن الحكومة الرشيدة تنفق بسخاء في مشاريع التنمية، وهو ما يثبته عدد الجامعات الذي زاد من تسع إلى 21 جامعة، وتجد الوفرة العالية في الطرق، فأصبحت هناك طرق سريعة في جميع أنحاء البلاد ومن دون استثناء، مشيرا إلى أن الفرص أصبحت جاهزة ليقتنصها المستثمرون ورجال الأعمال للاستثمار في القطاع الريفي، فلم يعد لديهم العذر وينبغي في نفس الوقت تسهيل إجراءاتهم وتذليل العقبات التي تعترضهم، ولاستمالة هؤلاء الناس للوصول إليهم. إلى ذلك، أوضح حميد العتيبي، أمين عام الغرفة التجارية والصناعية بالباحة، أن الورقة بدأت بالحديث عن التنمية الريفية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التنمية بمفهومها العام، وقد أكدت الخطة الثامنة (1425-1430) في معرض حديثها عن المناطق الحضرية الكبرى، وما تمثله من عناصر جذب للسكان بأنه «لا يمكن تقليص التباينات بين المناطق برفع معدلات التنمية الريفية».

وطرحت الورقة سؤالا حول طوق النجاة لإيجاد تنمية ريفية فاعلة من خلال استعراض بعض المعوقات، التي تحول دون ذلك، ومنها خاصية الجذب التي تتمتع بها المراكز الحضرية، واتساع حركة الاستثمارات بها، وهو ما يجعل المدن مراكز للاستقرار السكاني، مضيفا أن عدم وجود رؤية وطنية شاملة لمعالجة أوضاع الريف، وضعف مستوى المشاركة الشعبية، وسيطرة المفهوم التقليدي القائم على مبدأ الاعتماد على الدولة كمحرك للتنمية الريفية، وانحسار مشاركة القطاع الخاص في تقديم الهبات والإعانات، بدلا من توظيفها في مشروعات وأعمال تدر مكاسب مالية لها صفة الاستمرارية، وعدم وجود دور حقيقي لصناديق التمويل في المناطق الطرفية، وضعف الأنظمة في حماية الأراضي الزراعية من الزحف العمراني.

وأشار إلى ضرورة إطلاق برنامج ريفي وطني، وتنظيم الدور الاجتماعي من خلال تحديد مفهوم المسؤولية الاجتماعية، التي توازن بين المصلحتين العامة والخاصة، وتشجيع قيام الجمعيات التعاونية في المجال الزراعي وتوفير القروض الصغيرة وتسهيل إجراءاتها؛ لدعم مشروعات الأسر المنتجة والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، مبينا أن التنمية الريفية تكون «تنمية موارد البيئة» و«تطوير المتجمعات الريفية» وإنها تهدف إلى عدم تركيز الحياة في المدن، وتطرقت لأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والأمنية والوطنية، التي تعطي في مجموعها دلالات واضحة ومباشرة للثقل الذي تمثله في التنمية الريفية قياسا على أهدافها ومنطلقاتها.

وأشارت ورقته إلى أهمية التنمية الريفية، وانه لا يمكن تفعيل التنمية المستدامة من دون تنشيط وتفعيل التنمية الريفية، كونها أيضا أداة فعالة لمواجهة ظاهرة الفقر ووسيلة لإعادة التوازن السكاني، مستعرضة الورقة المسؤولية التضامنية للمجتمع في مضمار التنمية الريفية، وتناولت دور الدولة والتجارب التي قامت بها في هذا الجانب، التي كان لها انعكاس غير مباشر على تنمية الريف. ومن أمثلة ذلك تأسيس الصندوق الخيري الوطني، الذي استحدث برنامجا للدعم التكميلي للأسر الفقيرة لسد الفجوة بين الدخل الفعلي واحتياجات كل أسرة. وتقديمه لقروض حسنة وميسرة لإقامة مشروعات صغيرة، وتطوير القائم منها بهدف تمليك الفقراء أصول إنتاجية تمكنهم من المشاركة في الدورة الاقتصادية المحلية.

وتطرقت الورقة كذلك لدور البنك السعودي للتسليف والادخار، وصندوق تنمية الموارد البشرية «هدف»، وغيرها من الصناديق الحكومية، كما تناولت الورقة دور القطاع الخاص في محاربة البطالة وتوطين الوظائف. وفي معرض الحديث عن دور غرفة الباحة في التنمية الريفية، أشارت الورقة إلى مفهوم المسؤولية الاجتماعية، التي سعت الغرفة إلى تأصيلها عبر وسائل مختلفة، منها تنظيم الملتقى الأول لمؤسسات تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إبرام اتفاقيه مع صناديق التمويل لافتتاح فروع لها بمنطقة الباحة، واتجاه الغرفة لتنفيذ برنامج تدريبي لتطوير مهارات الأسر المنتجة وتوظيف طاقتها في تحقيق دخل إضافي لها.

أما الدكتور عبد الرزاق فقيه، رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، فأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن علم الاجتماع يوجد به فرع يسمى علم الاجتماع الريفي، يسلط الضوء على المجتمع الريفي، والفرق بينه وبين المجتمع الحضري من حيث المهنة، خاصة مهنة الزراعة، التي يعمل بها معظم الريفيين، فكثير من علماء الاجتماع يضعون الفرق بين الحضر والريف بعدد السكان، وأقل عدد يسمى به حضر هو خمسة آلاف فما فوق، ويدرس علم الاجتماع العلاقة الريفية في نفس وسلوك من يقطنون هذه الأماكن، وهناك عالم فرنسي كان يقول، إن دافع العمل لا بد أن يكون المتعة، وهي فقط ما يتحقق في الزراعة، فالفلاح عندما يزرع فسيلة وتعطي ثمرا، فهي أشبه بمن ينجب ولدا، فيجد نتيجة عمله أمام ناظريه باستمرار، فكان الريف عنصرا جامعا للأسرة من خلال الزراعة وتربية المواشي، فيخلق أجواء المحبة والألفة، أما النقيض فيحدث عن الحضر الذين لا تجمعهم بالعادة سوى موائد الطعام.

وقال رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع، إن الريف كان عنصرا طاردا في الفترة الأخيرة لكثير من الناس، بحكم الجامعات والمستشفيات والحياة المدنية، مرجعا سبب نزوح المجتمع السعودي للمدن إلى الطفرة، التي مرت بها البلاد، وأن كثيرا من المشاكل التي يمر بها المجتمع هي جراء النزوح غير المتزن إلى المدن، وهو ما نتج عنه نقص في المياه وتردي في الخدمات، ومشاكل الكهرباء والاختناقات المرورية.

ومن التوصيات التي تم إقرارها، استمرار الندوة بعد تقويمها والتوسع في الجمعيات الخيرية، خصوصا المتخصصة وتوسيع النطاق العمراني والمخططات السكنية ومراعاة الفروق بين المدن والقرى، حيث إن الأملاك في القرى أراض مملوكة أبا عن جد، وكذلك السماح بالتوسع العمودي في البنيان، ودعم المنطقة بالقروض الزراعية والسكنية، وإقامة مشاريع سكنية وحل مشكلة المياه حلا جذريا، بحيث يكون مشروعا مستقلا، والعمل على إيجاد مستشفيات ومراكز صحية متخصصة وتطوير المنتجات الزراعية، وإنشاء مراكز بحثية للإنتاج الزراعي ودراسة منتجات المنطقة، وإنشاء طريق مزدوج يربط بين محافظة المندق والمحافظات الأخرى، وأيضا طريق مزدوج من المندق إلى بني مالك؛ لكي تتحقق التنمية الريفية الحقيقية.