اسكوتلندا ستطلق المقرحي الأسبوع المقبل بعد جهود ليبية وعربية

استندت لـ «بند الرأفة» تجنبا لتعقيدات قانونية.. واستعدادات ليبية لعلاجه كيميائيا

TT

أكدت مصادر اسكوتلندية وعربية لـ «الشرق الأوسط»، أن اسكوتلندا تعتزم إطلاق سراح المواطن الليبي عبد الباسط المقرحي، المدان في قضية تفجير لوكيربي، الأسبوع المقبل، وذلك بعد جهود ليبية وأخرى عربية جاءت خصوصا بعد مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الدوحة العام الحالي.

وقالت متحدثة باسم وزارة العدل الاسكوتلندية لـ«الشرق الأوسط» أمس «لم يتخذ أي قرار بعد. كل ما نؤكده هو أن وزير العدل الاسكوتلندي كيني ماكاسكيل لا يزال يبحث في كل الطلبات التي قدمها ممثلو الدفاع، ونأمل أن يتخذ قرارا (بشأن إطلاق سراح المقرحي) لداعي الرأفة خلال الشهر الحالي».

وكانت محطتا «بي.بي.سي» و«سكاي نيوز» البريطانيتان أول من ذكر الليلة قبل الماضية قرب إطلاق سراح المقرحي لأسباب صحية. ويعاني المقرحي، الذي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة لإدانته بالضلوع في تفجير طائرة بوينغ 747 تابعة لشركة «بان أميريكان» عام 1988 فوق بلدة لوكيربي الاسكوتلندية، من سرطان البروستاتا. وكانت زوجته عايشة مقرحي أعلنت مطلع العام الحالي أنه يعاني «من خطر الموت».

وقال سعد جبار، عضو فريق المحامين الذين يمثلون الطرف الليبي في قضية لوكيربي، لـ «الشرق الأوسط»، إن تدهور الوضع الصحي للمقرحي، بشكل سريع وكبير، هو الذي دفع الاسكوتلنديين، ومعهم الحكومة البريطانية، نحو بحث الإفراج عنه الأسبوع المقبل «حتى لا يموت في السجن». وأضاف أن الاتصالات الكثيفة التي قامت بها الحكومة الليبية ومعها اتصالات عربية نجمت عن القمة العربية التي عقدت في الدوحة في مارس (آذار) الماضي لعبت دورا رئيسيا هي الأخرى. وأشار إلى أن قطر كانت قد أوفدت بعد القمة العربية، وزيرها للدولة للتعاون الدولي، خالد بن محمد العطية، إلى اسكوتلندا لمناقشة قضية المقرحي، مضيفا أن العطية التقى السجين الليبي خلال زيارته تلك.

وكانت الحكومة الاسكوتلندية أعلنت الشهر الماضي أنها تلقت طلبا من أجل إطلاق سراح الليبي لأسباب صحية، وفي مطلع العام الحالي، طلب المقرحي استئنافا جديدا للحكم الصادر بحقه بعدما خسر استئنافا أول قدمه عام 2002. وفي مايو (أيار) الماضي، طلبت طرابلس نقله إلى ليبيا بموجب معاهدة تبادل السجناء التي وقعتها لندن وطرابلس. لكن تلك الاتفاقية تدعو إلى السماح بتسليم السجين ليكمل محكوميته في البلد الآخر في حال كان الحكم الصادر بحقه نهائيا، وهو ما لا يتطابق مع حالة المقرحي. وأوضح سعد جبار أن السلطات الاسكوتلندية تريد إبعاد حالة المقرحي عن اتفاقية تبادل السجناء، تفاديا للتعقيدات القانونية المدرجة فيها. واعتبر أن السلطات الاسكوتلندية تريد إطلاق سراح المقرحي في إطار بند يسمح بالإفراج عن السجناء الذين تتدهور حالتهم الصحية ويصبحون معرضين لخطر الوفاة في غضون ثلاثة أشهر. وقال جبار أيضا إن السلطات الليبية بصدد تخصيص فريق طبي لتقديم العلاج، بما في ذلك العلاج الكيماوي، للمقرحي، بمجرد إطلاق سراحه. واعتبر جبار، الذي يعد واحدا من ممثلي الحكومة الليبية في قضية لوكيربي، أن القرار في حال اتخاذه سيكون «شجاعا».

ويتوقع كثيرون في ليبيا أن تكون هناك صلة بين الإفراج عن المقرحي ومستقبل استثمار الشركات البريطانية في ليبيا. وشركة «بي.بي» البريطانية للنفط هي بالفعل مستثمر كبير، إذ خصصت مليار دولار للتنقيب عن النفط والغاز في ليبيا. وقال جبار لـ «الشرق الأوسط»، إن البريطانيين يريدون إطلاق سراح المقرحي «خشية أن يموت وتسوء العلاقات» بين بريطانيا وليبيا.

وقتل في التفجير 259 راكبا كانوا على متن الطائرة و11 شخصا كانوا على الأرض بعد سقوط حطام الطائرة عليهم. وكان معظم ركاب الطائرة أميركيين عائدين إلى بلادهم لقضاء عطلة عيد الميلاد. وقال جيم سواير الذي قتلت ابنته فلورا في التفجير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي» «لا أعتقد أن الحكم صحيح. سيكون إجبار هذا الرجل على الموت في السجن قسوة بغيضة». أما باميلا ديكس التي قتل شقيقها في الهجوم فرأت أن من الضروري السماح باستمرار النظر في الاستئناف المقدم من المقرحي أمام المحاكم الاسكوتلندية لمعرفة ما حدث بالفعل. وأضافت لهيئة «بي.بي.سي» «لست مقتنعة تماما بإدانة المقرحي ولا ببراءته. ببساطة نحن في هذه المرحلة لا نعلم ما يكفي... لنتمكن من إصدار هذا الحكم». غير أن أقارب أميركيين لبعض الضحايا قالوا إنه لا شك في أن المقرحي مذنب ويجب أن يبقى ليقضي بقية الحكم بالسجن مدى الحياة في اسكوتلندا. وقالت كاثلين فلين، التي قتل ابنها في التفجير، لقناة «جي.إم. تي. في» البريطانية «ليس هناك أي شك في ذهني أن هذا الرجل مذنب».

ومن جانبه، قال أوليفر مايلز، سفير بريطانيا السابق لدى ليبيا، إن أنباء الإفراج المحتمل عن المقرحي ربما سربت لقياس الرأي العام قبل اتخاذ قرار أخير. وأضاف «ربما تجري السلطات اختبارا لترى ماذا سيكون رد الفعل. هذه الأمور يمكن أن تتغير وأعتقد أن رد الفعل الجماهيري ربما يغير القرار».

وسلمت ليبيا المقرحي عام 1999 إلى الأمم المتحدة بعد مفاوضات دبلوماسية طويلة ليخضع للمحاكمة إلى جانب متهم ليبي آخر هو أمين خليفة فحيمة الذي تمت تبرئته. وكان المقرحي يعمل عند وقوع العملية رئيسا لقسم أمن طائرات شركة الخطوط الجوية الليبية في مالطا، لكن المحققين الأميركيين أكدوا أن منصبه في شركة الطيران شكل غطاء لنشاطاته المرتبطة بأجهزة الاستخبارات الليبية، الأمر الذي نفاه المتهم. ووجه إليه الاتهام بناء على شهادة تاجر في مالطا تعرف إليه على أنه اشترى منه ملابس عثر عليها في الحقيبة التي وضعت فيها القنبلة.

وأكد المقرحي باستمرار براءته، وفي ختام محاكمته الأولى وصفت محاميته مارغريت سكوت الحكم بأنه «خطأ قضائي».