3 عقود من «الاستمتاع» بطرقات الحمير والماعز

«نادي الدروب القديمة» في لبنان

في وادي الليمون في الجنوب اللبناني («الشرق الأوسط»)
TT

«نادي الدروب القديمة»، أو «القادوميات»، أو «طرقات الرِّجل» كما يسميها عامة اللبنانيين، أمضى نحو ثلاثة عقود في تغذية روح المشي في الطبيعة واكتشاف مكنوناتها من دون أن توقفه عن ممارسة نشاطاته سوى سنوات الحرب التي كانت تقطع كل الطرقات والدروب.

وهناك فريق من اللبنانيين يدمن ترصد الإعلانات التي يوجهها النادي أسبوعيا تقريبا إلى هواة المشي من أجل دعوتهم إلى المشاركة في اكتشاف لبنان الحقيقي، لبنان الثمر والحجر، لبنان الشطآن والقيعان، لبنان السهل والجبل، لبنان النسر والحجل، والذي يخفي وراء كل صخرة حكاية وفوق كل تلة قصة، وعلى كل قمة مأثرة.

وإذا كان هذا النادي لا يلبس اللباس الطائفي، فهو بالأحرى لا يميز بين الجنسين، لا على مستوى الرئاسة ولا على مستوى المنتسبين، وتكاد الرئاسة تكون مداورة بين النساء والرجال من دون إلزام قانوني. وتروي رئيس النادي الحالية السيدة زينة شهاب لـ«الشرق الأوسط» قصة هذا النادي الذي لم يتعب أعضاؤه من السير في حنايا لبنان واكتشاف خباياه، فتقول: «هذا النادي ليس ابن اليوم وإن كان في الأساس وليد المصادفة، عندما كان المؤسسون الثلاثة، المحاميان أنطوان علام ورزق الله خياط، والموظف في القطاع الخاص إيلي خياط، يمارسون هواية المشي في الطبيعة، وبعد فترة من هذه الممارسة قرروا تأسيس النادي مع رفاق لهم، ووضعوا له أسس الانتساب وشروط الممارسة. ولم يبقَ في الساحة من (الفرسان الثلاثة) سوى إيلي خياط، أما شقيقه رزق فقد تعرض لعارض صحي من دون أن يقعده عن المشي المحدود، وأما علام فقد انتقل إلى باريس». وهنا تجدر الإشارة إلى أن علام كان يملك مجموعة من الحجارة المنتقاة من الطبيعة، وهي أشبه بالتماثيل المنحوتة، منها شبيه برأس الجنرال ديغول، وآخر شبيه بالجمل الرابض على الأرض، وغيرهما من الأشكال الرائعة التي أبدعتها يد الخالق عز وجل.

أما كيف تحصل آلية المشي فتقول شهاب: «نحدد الموعد أولا، ومع تحديده نحدد المكان الذي سنمارس هوايتنا فيه. وينتقل الجميع بالسيارات إلى النادي، ثم يتشاركون في الانتقال نحو القرية المقصودة، حيث يتم توقيف السيارات، ويتأبط كل فرد حقيبته التي تضم بعض الماء والفاكهة، مع اشتراط انتعال حذاء خاص، وعادة ما تستمر الرحلة بين 4 و6 ساعات يوميا مع توقف ساعة لتناول الغداء. علما بأن هناك مستويات من 1 إلى 15 في المشي بحسب طاقة كل هاوٍ. وفي بعض الأحيان ننظم رحلات عائلية مع الأولاد لساعتين أو ثلاث ساعات على أبعد تقدير، وهناك أجنبيات يرافقننا عادة مع أطفالهن فيحملنهم على ظهورهن في حقائب خاصة، وهو ما لم تعتد عليه السيدة اللبنانية».

وتعترف رئيسة النادي بأن ممارسة المشي في الطبيعة لا تتم بشكل عشوائي، بل اعتمادا على خرائط الجيش، «حيث نختار (القادوميات) أو (طرقات الرجل)، ونتسلل فيها باتجاه الجوانب المخفية من لبنان، علما بأن اللبنانيين، وخصوصا القرويين منهم، يرددون أن الحمير والماعز هي التي شقت هذه الدروب، مع اختلاف واضح بين الدرب التي يشقها الحمار والأخرى التي تشقها الماعز، فالأولى واسعة ومتعرجة بحيث لا تتعب (مهندسها) ومنفذها، أما الأخرى فضعيفة وفق حجم رأس الماعز، وبالغة الحدة في الصعود والانحدار لكون هذا الحيوان يتسلق الأرض والأشجار مهما كانت صعبة ووعرة». ولا يكتفي المشارك بالاستمتاع بالهواء النقي والاكتفاء بالنشاط الجسدي، بل ينكبون على اكتشاف كنوز الطبيعة، ولا سيما غير الظاهر منها. وهنا تقول شهاب: «لقد اكتشفنا قصرا رومانيا على سبيل المثال في منطقة راشيا لم يصل إليه الزفت يوما، كما اكتشفنا في بلدة جون الشوفية ضريحا لليدي استير استانهوب، السيدة الإنجليزية التي عاشت في لبنان ردحا من الزمن وأقامت علاقات مع علية القوم، في حين كان ينظر إليها البعض على أنها جاسوسة. وأستطيع أن أقول إنني اكتشفت أطيب ثمرة برية هي ثمرة القطلب الشبيهة بثمرة الفريز (الفراولة)، والتي يهز الخنزير البري شجرتها ليتلقف ثمارها الطيبة، على غرار ثمار الزعرور وثمار العليق. وقد يكون من أبرز ما اكتشفناه في عالم النبات هو ما يقال له (البربريس)، يسميه الإنجليز بلوميري، والذي نلجأ إليه إذا دهمنا العطش لما يحويه من مذاق عذب على شكل حبات العنب الأسود. وتشبه نبتة البربريس نبتة البلان الشوكية التي كانت تستعمل مكانس في بيادر القمح والحبوب. وقد عثرنا على البربريس في جبل الكنيسة واللقلوق في جرد جبيل».

ولا يكتفي المشاركون في الرحلات بالاستمتاع بالأشكال، بل يلجأ الكثيرون إلى ممارسة هوايات رديفة كالتصوير الفوتوغرافي، أو جمع الحشائش البرية التي اعتاد اللبنانيون على البحث عنها للتلذذ بها كالصعتر والقرصعنة، والـ«مخو بعبو»، وحشيشة الجبل، والقرة، والزوفى، والهندباء البرية، والحميضة العريضة التي تعد للفطائر، والقصعين والخزافى والخطمية وسواها. ويقول أحد المشاركين إن النادي يحظر على الجميع التعدي على الحقول وقطف الثمار من الحقول، وحتى يحظر قبول الضيافات.