التطرف الأصولي يحد من سرعة عجلة الإصلاح في المغرب

الدولة تعكف على تغييرات وعينها على المخاطر

TT

يُنظر إلى دولة المغرب منذ وقت طويل على أنها دولة إسلامية في طريقها نحو التمدن والتحرر ومنفتحة على الغرب، وجسر محتمل لمنطقة شرق أوسطية أكثر هدوءا يمكن أن تعيش في حالة من السلم مع إسرائيل. ولكن، تحت ضغوط الراديكالية الإسلامية، اضطر الملك محمد السادس إلى تقليل وتيرة التغيير، وما زالت السلطة مركزة في النظام الملكي، وتبدو الديمقراطية متنفسا للعواطف أكثر من كونها ديمقراطية حقيقية. ومع تأكيدهم على أن الملك ملتزم بإجراء إصلاحات أوسع، يتحدث مسؤولون بارزون عن الإبقاء على توازن بين الحرية والتماسك المجتمعي. ويناقش الكثيرون تهديد التطرف القادم من داخل الجزائر المجاورة. ومنذ قيام راديكاليين إسلاميين بتفجيرات ضخمة استهدفت فنادق ومناطق تجارية في الدار البيضاء عام 2003، ومحاولة أخرى تم إجهاضها كانت تهدف إلى تنفيذ سلسلة من التفجيرات عام 2007، يتم اتباع إجراءات صارمة كبرى بصورة مستمرة تستهدف المشتبه في أنهم متطرفون. وفي عام 2003، كان يمكن أن يتم إلقاء القبض على أي شخص يطلق لحيته. وحتى في الوقت الحالي، يوجد داخل سجون المغرب نحو 1000 سجين يُنظر إليهم على أنهم راديكاليون إسلاميون. وأخيرا ألقي القبض على ستة سياسيين إسلاميين (ومراسل لقناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني)، واتهموا بالتواطؤ من أجل تنفيذ مؤامرة إرهابية كبرى. وكانت القضية تتضمن الكثير من التجاوزات وتعتمد بالأساس على أدلة عرضية، حسب ما قاله محامي الدفاع، عبد العزيز النويضي، وأعلنته منظمة «هيومان رايتس ووتش». وفي مقابلة نادرة مع محمد ياسين المنصوري، رئيس الاستخبارات المغربية، قال إن السياسيين الذي ألقي عليهم القبض «استخدموا أنشطتهم السياسية كغطاء لأنشطة إرهابية». وأضاف «لم يكن هدفنا هو إيقاف حزب سياسي معين، فهناك قانون يجب أن يتبع». ويرى المنصوري أن هناك شيئين يهددان المغرب هما السلفية المحافظة، والمذهب الشيعي الذي تنشره إيران. وقال: «نرى أن كلا منهما عدواني، فالإسلام الراديكالي لا يزال يمثل تهديدا».

وما زال «تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي»، وهو تنظيم نشط ولاسيما داخل الجزائر، يمثل مشكلة كبيرة أمام دولة المغرب، حسب ما قاله المنصوري. وأضاف مسؤولون إن تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» يجد قبولا بين الشباب، وتمكن من إيجاد طريق للتدريب إلى أفغانستان عن طريق باكستان، كما أنه تبنى تفجيرا انتحاريا نُفّذ في موريتانيا. ويقول وزير الخارجية المغربي، الطيب الفاسي الفهري «نعرف مكان المخاطر التي تهدد استقرارنا، ونعرف أن الأطفال يستمعون إلى هذه النغمة الإسلامية، ولذا علينا أن نتحرك سريعا».

وقد تعهد الملك محمد السادس، الذي احتفل بمرور عشرة أعوام على توليه العرش العام الجاري، بأن يساعد الفقراء، وأن يقضي على المناطق العشوائية، واصفا إياها بأنها «مفرخ» للراديكالية. ويجري حاليا تطوير منطقة عشوائية بالدار البيضاء يطلق عليها «سيدي مؤمن»، وهي المنطقة التي عاش فيها مفجّرون انتحاريون. وتمت إزالة نصف تلك المنطقة العشوائية بالفعل، ونقلت نحو 700 من العائلات إلى ضواحي المدينة حيث حصلوا على قطع صغيرة من الأرض مقابل سعر رخيص كي يقوموا ببناء منزل جديد. ولد حميد الغوت، 34 عاما، في سيدي مؤمن، وقام ببناء الكوخ الخاص به هنا. ويقول الغوت إن الكل تقريبا في الحي قضوا فترات في السجن، وتعقد التنظيمات الإسلامية السياسية اجتماعات في السر بانتظام. وأضاف «في بعض الأحيان نتحدث، حوالي 12 أو 14 منا، عن حياتنا»، ولكنه قال بحرص «لا يوجد تفكير راديكالي هنا في الوقت الحالي».

ويقول عبد الخبير همة، 36 عاما، إنه قيل له إنه إذا لم يرحل مع عائلته بنهاية العام، فإنهم سوف يرحلون قسرا. ويضيف أنه رغم أن الكثيرين يحترمون الملك فالقليل هم من يثقون في السلطات الأخرى. وينظر إلى الملك على أنه إصلاحي ومحدّث، وقد ألقى بثقله في مجال التنمية الاقتصادية، وخفف من القيود على وسائل الإعلام الإخبارية، وأعطى المزيد من الحقوق للمرأة، وألقى الضوء على بعض أسوأ الممارسات ضد حقوق الإنسان التي حدثت في الماضي. وتعد هذه خطوات مهمة في منطقة تحكمها أنماط لنظم حكم لا تعرف المساومة. ولأنه ينظر إلى الملك، وهو سليل النبي محمد، على أنه «أمير للمؤمنين»، فإنه يتم التعامل مع التحديات التي تقف أمام الإسلام المغربي بجدية. وفي مارس (آذار) الماضي، قام الملك محمد السادس بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، واتهم طهران «بتدخل لا يغفر في شؤون داخلية» عن طريق السعي لنشر المذهب الشيعي في المغرب، وتجنيد مغاربة في أوروبا، ولاسيما في بلجيكا، للمشاركة في أعمال إرهابية، حسب ما قاله المنصوري. وحاول الملك أن يكون أكثر شمولا، وسافر على سبيل المثال إلى شمال المغرب، وهو المكان الذي رفض والده (الملك الراحل الحسن الثاني) الذهاب إليه.

ويعد الشمال مفرخا للتطرف، وموطنا للكثير من مفجري «القاعدة » الذين قاموا بتفجيرات مدريد. وعقد الملك أخيرا احتفالا تقليديا يطلق عليه حفل الولاء أو البيعة في تطوان (شمال)، وأشار إلى الإنفاق الكبير على التنمية هناك. بيد أن رد فعل المغرب كان أيضا هو الحد من الإصلاح، بما فيه الإصلاح ذو الصلة بالقضاء أو القوانين التي تحكم حقوق المرأة، حتى لا يستثير ذلك الرؤى التقليدية والمحافظة للإسلام، ولاسيما داخل المناطق الريفية وبين الفقراء حيث ينشأ المتطرفون. ولهذا السبب أيضا لم يجعل الملك من المغرب وسيطا بين إسرائيل والفلسطينيين مثلما فعل والده. ووجهة النظر هنا، هو أنه على إسرائيل والدول العربية المتشددة الأخرى أن تتحرك أولا، حتى لا يكون المغرب مكشوفا للنقد.

وقد أضرت الإجراءات الصارمة بسجل حقوق الإنسان في المغرب، حيث يتم التعامل بشدة مع السجناء داخل السجون، وفي بعض الأحيان يتم وضع الزجاجات في دبر السجناء، حسب ما قال عبد الرحيم مهتاد، وهو سجين سابق كسرت يداه خلال استجوابه. ويدير مهتاد منظمة حقوقية تدعى «النصير» تدافع عن السجناء الأصوليين، الذين عندما يخرجون من السجن يحصلون على مساعدات بسيطة من المساجد أو من «النصير». ويقول مهتاد «يشعر الكثير منهم بالصدمة لأن بلدهم عاملهم بهذه الطريقة، وعندما توضع الزجاجة يتذكر السجين ذلك في كل مرة يذهب فيها إلى المرحاض، ولذا فإنه يفكر في الانتقام».

إلى ذلك، هناك قيود على الحزب الإسلامي الرئيس في البلاد، حزب العدالة والتنمية، ويريد المسؤولون ضمان أنه لن يمتزج مع الاشتراكيين. ولذا فإنه خلال الانتخابات الأخيرة، أنشأ الحكم حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يديره فؤاد عالي الهمة، البالغ من العمر 46 عاما، والذي اختير عندما كان شابا مع آخرين مثل المنصوري، وأطفال آخرين من بيئات مختلفة للدراسة مع الملك الشاب. وكان الهمة، وزير دولة في الداخلية. ويهدف ذلك (تأسيس الحزب) إلى توفير بديل، يوافق القصر عليه بصورة غير رسمية، مع السعي إلى تعبئة المغاربة، الذين لا يرون أن مشاركتهم لها تأثير على حكومات ضعيفة، كي يدلوا بأصواتهم. وفاز الحزب الجديد بنسبة 22 في المائة من الأصوات، التي مثلت 52% من أصوات من لهم حق الإدلاء بأصواتهم. وينظر إلى الهمة على أنه رئيس الوزراء المقبل. وفي مقابلة أجريت معه، تحدث الهمة بحرارة عن التزام الملك بمساعدة الفقراء والقيام بالإصلاح في البلاد. ويقول: إن المغرب كان دائما بلدا متحولا ومتحركا ووضعنا الأساس لذلك في ملكيتنا التعددية.

ومع ذلك، يرى بعض المنتقدين أن محيط القصر المشكل من مجموعة من الأصدقاء منغلق ومعارض للديمقراطية. ويقول أبو بكر الجامعي، رئيس التحرير السابق لمجلة «لوجورنال إيبدومادير»، إن الملك «ركز الكثير من القوة الاقتصادية داخل القصر، ومن غير المطروح حاليا اتخاذ خطوات من أجل إحداث نظام أكثر ديمقراطية مع منح مقدار أكبر من السلطات للبرلمان أو إيجاد ملكية دستورية». ويقر المسؤولون بأن الفقر والأمية والفساد لا تزال تمثل تحديات خطيرة، ويقولون إن الملك جعل من الإصلاح القضائي هدفا رئيسيا. وفي خطاب وطني متلفز بمناسبة مرور عشرة أعوام على ارتقائه العرش، تحدث الملك محمد السادس عن الفقر والتنمية. ولكنه لم يستخدم كلمة «فساد»، وتحدث مرة واحدة عن تحقيق «عدالة مجتمعية».

* خدمة «نيويورك تايمز»