الشيكولاته.. كثير من الربح الملوث بأعمال الرق في مزارع الكاكاو

نرويجي ينشر كتابا ترجم إلى العربية بعد رحلة إلى مزارعها في غرب أفريقيا

النرويجي يستهلك 8.3 كيلوغرام من الشيكولاته سنويا (أ ف ب)
TT

في الصفحة الأولى من كتابه «شيكولاته» يقرر كاتب نرويجي أن هذا المنتج اللذيذ له تاريخ ثقافي لكنه يسجل أسفه وشعوره بالفجيعة حين علم عام 2001 بجانب من تفاصيل أعمال الرق في مزارع الكاكاو في الغرب الأفريقي وبخاصة في ساحل العاج التي تنتج 40 في المائة من إجمالي إنتاج الكاكاو في العالم.

ويرسم سيمن ساتره في الفصل الأول صورة لموسى دومبيا الذي هرب في السادسة عشرة من إحدى القرى في مالي حالما بحياة فوق خط الفقر وقابل رجالا يبحثون عن عمال للعمل لمدة سنة في ساحل العاج مقابل 181.3 دولار في السنة. لكنه بعد مضي عام كان يضع على كتفه ضمادة جروح من أثر الأحمال الثقيلة في حقول الكاكاو وبدت على وجهه علامات الضعف والإذلال إذ كان يعمل نهارا ويحبس ليلا مع زملائه وحاول الهرب وأرغم على العودة وتعرض لعقاب قاس ثم نجح في الهرب مع آخرين.

ويصدم المؤلف محبي الشيكولاته برصد ما يتعرض له العمال في حقول الكاكاو من «تمييز عنصري أو من عدم احترام إنسانيتهم» فمعظم الذين يذهبون من مالي للعمل في ساحل العاج لتحسين ظروف معيشتهم يصابون بخيبة أمل ويمضي عام كامل من دون الحصول على أجورهم فإذا طالبوا بها تعرضوا للعقاب.

ويضيف أن منتجي الشيكولاته ظلوا ينكرون وجود المشكلة «وكانوا على علم بأن الشيكولاته التي ينتجونها ليست خالية من الرق» ولكن جهودا لصحافيين ومنظمات إغاثة دولية ساعدت على اتخاذ بعض التدابير كما «حاول السناتور الديمقراطي توم هاركين وعضو مجلس الشيوخ ايليوت نجيل إرساء نظام يسمح بوضع علامة تحمل عبارة.. شيكولاته خالية من الرق». ويقول ساتره انه انشغل بهذه القضية فقام برحلة إلى الغرب الأفريقي عام 2002 وكتب رسالة ماجستير عام 2003 كما أجرى 84 مقابلة مع شخصيات من ستة بلدان لكي يخرج بهذا الكتاب الذي يحمل عنوانا فرعيا هو «خبايا صناعة الشيكولاته بين الأخلاق والربح».

وترجم الكتاب إلى العربية نبيل شلبي وصدر في 178 صفحة كبيرة القطع في القاهرة عن «دار الشروق» التي ذكرت على الغلاف الأخير للكتاب أنه ترجم إلى عدة لغات وأن المؤلف تنقل وراء الشيكولاته في رحلة تمتد من حقول الكاكاو في أفريقيا حتى وصولها إلى مستهلكيها ليظهر خفايا منها «عمالة الأطفال التي تشبه سوق الرقيق» والشركات المتحكمة في هذه الصناعة والتي شبهها بالمافيا.

ويقول مؤلف الكتاب ساتره، 35 عاما، كما جاء في تقرير وكالة رويترز من القاهرة، انه قرأ عددا من الكتب عن هذا المنتج الذي «أصبح جزءا لا يتجزأ من كياننا» مثل «أحلام الشيكولاته» و«كتاب الشيكولاته الكبير» و«السعادة التي تجلبها الشيكولاته إلى النفوس» وكلها تقول إن الشيكولاته مفيدة للصحة. ويعلق قائلا.. «يا له من هراء» مشددا على أن هذا الأمر قلما عولج بنظرة نقدية وأن كتابه ينسف هذه الحقائق المسلم بها.

فيسجل «إننا النرويجيين نحشو أنفسنا بنحو 8.3 كيلوجرام من الشيكولاته سنويا» وأن استهلاك الأطفال للدسم «وصل إلى حد خطير» ولكن لجماعات الضغط التابعة لصناعة الأغذية تأثيرا في رجال السياسة والباحثين في مجال الأغذية لتوفير مناخ موات لمنتجاتهم وزيادة أرباحهم.

ويقول إن ساحل العاج بعد استقلالها عن فرنسا عام 1960 كانت تعد «لؤلؤة أفريقيا» أو الأرض الموعودة الحافلة بفرص العمل لكنها تعرضت لعدم الاستقرار السياسي منذ اندلاع الحرب الأهلية في سبتمبر (أيلول) 2002 «وتروى قصص عن حشد الأطفال الذين كانوا يعملون سابقا في مزارع الكاكاو للعمل كجنود أطفال. هذه هي الأحداث التي تعيش فيها تلك المناطق التي يأتي الكاكاو منها كي نستخدمه في صنع الشيكولاته التي نسعد بتذوقها الحرب. عمل الأطفال. استغلال العمال القصر والعمال الأجانب وتعرضهم للتمييز العرقي» مضيفا أن هذه الصناعة تتجنب تسليط الأضواء على هذه الأمور حيث تتفادى الشركات الدعاية السيئة التي ربما تؤدي إلى مقاطعة المستهلك لمنتجاتها.

ويضيف أن هؤلاء المنتجين بدأوا حوارا مع المنتقدين مثل منظمة تحرير العبيد وأعلنوا الالتزام باتخاذ موقف «ضد أكثر أشكال عمل الأطفال سوءا» وتعهدوا بتمويل مشاريع تهدف إلى تحسين ظروف معيشة فلاحي الكاكاو وتدريبهم على استخدام تكنولوجيا الزراعة.

ولكن المنتقدين يرون أن هذه التدابير نوع من إبراء الذمة أمام المستهلكين إذ يفقد الأطفال الذين يرسلون للعمل في سن مبكرة حلقة مهمة من حلقات تطورهم الطبيعي وهي الطفولة.

ويستشهد ساتره بموسى دومبيا ورفاقه الذين قابلهم ومنهم كريم بنجالي حيث توجد في سيقانهم ندوب «قبيحة الشكل وعميقة» أصيبوا بها نتيجة استخدامهم فؤوس الأدغال، إضافة إلى ما أصابهم من تشوهات نفسية إذ ما زالوا يعانون الكوابيس والذكريات المؤلمة.

ويقول المؤلف إن المعهد الدولي للزراعة الاستوائية ومقره نيجيريا أظهر عام 2002 في استقصاء أن نحو 625.100 طفل دون الثامنة عشرة كانوا يعملون في مزارع الكاكاو في ساحل العاج منهم 140.800 طفل تراوحت أعمارهم بين السادسة والتاسعة وأن 129.400 طفل شاركوا في رش مواد سامة وأسمدة صناعية وأن 1485 طفلا ليست لهم حرية مغادرة أماكن العمل وأن 88 في المائة من هؤلاء الأطفال لم يذهبوا إلى المدارس.