أفغانستان.. الوجه الآخر الحلقة (1) ـ وزير التعليم الأفغاني: رصيدنا 7 ملايين طالب و13 ألف مدرسة.. بعضها في خيام وتحت الأشجار

الدكتور فاروق ورداك لـ«الشرق الأوسط»: طالبان أحرقت وخربت 700 مدرسة وشردت الآلاف من الطلبة الأفغان

د. فاروق ورداك
TT

أدى الصراع والاضطراب السياسي اللذان داما 30 عاما إلى تدمير النظام التعليمي الأفغاني. ففي عام 2001، وبعد سقوط طالبان، قدر صافي معدل القيد في المدارس بنسبة 43 في المائة للأولاد و3 في المائة للبنات. وبلغ عدد المدرسين نحو 21 ألف مدرس (معظمهم غير مدربين تدريبا كافيا) لمجموعة سكانية في سن التعليم قدر عددها بنحو 5 ملايين شخص. وكانت الإناث قد مُنعن من الانتظام في المدارس أو من التدريس إبان حكم طالبان الذي استمر خمس سنوات. وخلال التسعينات، تعرض التعليم في أفغانستان، بسبب عقد من النزاعات المدنية والقمع الديني، للركود. وفر العديد من المدرسين من البلاد، بينما علمت العديد من أسر الطبقات المتوسطة أولادها في الخارج. وبالنسبة إلى الذين بقوا في الداخل، ولا سيما في المناطق الريفية، فإن التعليم العام أصبح مستحيلا، ولا سيما بالنسبة إلى البنات. وفي بعض المناطق بلغت نسبة الفتيات اللائي يتعلمن واحدا في المائة فقط.

وفي عهد حكم الحركة الأصولية التي بسطت نفوذها على معظم أفغانستان منذ عام 1996 وحتى سقوطها نهاية عام 2001، منعت تعليم البنات وفرضت قيودا صارمة على الحياة بشكل عام، ومنذ ذلك الحين أصبحت الدراسة الدينية هي المحور الذي يدور حوله التعليم على حساب المواضيع الأخرى, لكن في القرى التي لا تخضع للسيطرة المركزية، كان بإمكان التلاميذ تعلم القراءة والكتابة والرياضيات بالإضافة إلى الدين الإسلامي. ويقول أحد التلاميذ إنه كان يرعى أغنام والده قبل أن تفتح المدرسة أبوابها، لكنه الآن يدرس في المدرسة التي يعتبرها شيئا ثمينا. وفي المدارس التي زارتها «الشرق الأوسط» على أطراف العاصمة كابل تحضر الفتيات الدروس بشكل معتاد, وكثير من الطلبة الأفغان اليوم يتلقون العلم تحت الأشجار أو في مبان آيلة للسقوط أو في الهواء الطلق, تقسَّم أفغانستان، من الناحية التعليمية، إلى مناطق باردة ومناطق دافئة. ففي المناطق الباردة التي يقع معظمها في الأقاليم الوسطى والشمالية، تبدأ الدراسة في المدارس والجامعات في مارس آذار وتنتهي في نوفمبر (تشرين الثاني)، بينما تبدأ السنة الدراسية في الأقاليم الجنوبية الأكثر دفئا في شهر سبتمبر (أيلول) وتمتد لتسعة أشهر.

ووفقا لوزرة المعارف على لسان المتحدث باسمها آصف نانج, هو من خريجي جامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1997 ويتحدث العربية بطلاقة، وهو بشتوني العرق من باكتيا عمل من قبل في القصر الجمهوري في إدارة الرئيس كرزاي قبل أن ينتقل مديرا لمكتب وزير التعليم الدكتور فاروق ورداك البشتوني هو الآخر الذي عمل من قبل مستشارا لكرزاي, أن هناك 7 ملايين طالب في المراحل من الابتدائية إلى الثانوي، وهناك نحو 13 ألف مدرسة, و170 ألف مدرس يشاركون في المنظومة التعليمية، الأمر الذي اعتبره فاروق ورداك وزير التعليم الأفغاني خلال لقائه مع «الشرق الأوسط» إنجازا يضاف إلى حكومة الرئيس كرزاي. وقال مسؤولو وزارة التعليم الأفغانية لـ«الشرق الأوسط» إن هناك أكثر من 350 مدرسة أغلقت أبوابها في الأقاليم الجنوبية خلال عام 2006 بسبب العنف الذي تولده أعمال التمرد وغيره من المشكلات. وتبقى أفغانستان التي مزقتها عقود من الحرب إحدى الدول التي تعاني من أعلى نسب الأمية في العالم، حيث أفادت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بأن نسبة الأمية بين النساء تصل إلى 90 في المائة في حين لا تقل عن 60 في المائة بين الرجال.

وتعليم الأطفال يُعتبر قصة نجاح غير عادية في هذه الديمقراطية الناشئة. وخلال عامين من إسقاط نظام طالبان عام 2001، كان المسؤولون يفاخرون بوجود 5.1 مليون طفل وطفلة في المدارس العامة, واليوم يؤكد المسؤولون الأفغان أن هناك أكثر من 7 ملايين في المدارس بمراحلها المختلفة, وأن ذلك يُعتبر من إنجازات حكومة الرئيس حميد كرزاي المنتهية ولايته، ويشمل ذلك مئات من المدارس المقامة من الخيام وأخرى في مبان آيلة للسقوط أو تلقي التلاميذ التعليم في العراء تحت الشمس الحارقة أو الأمطار. غير أن هذه الموجة الإيجابية توقفت في عدة أقاليم، حيث تواجه قوات الناتو والقوات الأميركية قوات طالبان، كما أنها انخفضت بصورة كبيرة في عدة مناطق أخرى من البلاد. ويقول المراقبون في العاصمة كابل لـ«الشرق الأوسط» أكثر من 200 ألف طفل أفغاني قد أُجبروا على ترك الدراسة هذا العام بسبب تهديدات وهجمات طالبان. وقال فاروق ورداك وزير التعليم الأفغاني لـ«الشرق الأوسط» إن حركة طالبان أحرقت 200 مدرسة خلال 3 سنوات، وأحرقوا هذا العام 20 مدرسة, في قندهار وهلمند وزابل وأرزوجان ولوغار وباكتيا. ويواجه سكان الجنوب والجنوب الشرقي في البلاد، أكثر التهديدات، إلا أن المدارس في مناطق أخرى تعرضت أيضا لهجمات. وطبقا لوزارة التعليم فقد دمر المتمردون من جماعة طالبان 120 مدرسة وأجبروا نحو 700 مدرسة على إغلاق أبوابها حتى بداية العام الجاري، بعدما وجهت تهديدات إلى المدرسين والتلاميذ. وبالإضافة إلى التهديدات وتعرض المدرسين والتلاميذ للضرب، فقد تعرضت المدارس لهجمات مسلحة. وفي واحدة من مثل هذه الهجمات، أطلق مسلحو طالبان صاروخا على مدرسة ابتدائية في أسعد آباد عاصمة إقليم كونار في شهر يونيو (حزيران) الماضي، أدى إلى مقتل 6 تلاميذ وإصابة 14 بجراح.

وذكرت وزارة التعليم الأفغانية أن أكثر من 40 تلميذا قتلوا نتيجة لهجمات المتمردين في المدارس عام 2006. وألقى المهاجمون قنابل يدوية عبر نوافذ المدارس وهددوا بإلقاء مواد حمضية على الفتيات. وترددت معلومات حول مقتل 17 مدرسا وموظفا في وزارة التعليم في عامَي 2005 والنصف الأول من العام الحالي. ويشير خبراء التعليم الأفغان إلى أن حدة الهجمات زادت 10 مرات منذ بداية العام الحالي. وأصبحت أكثر انتظاما وأكثر حدة في الجنوب. وبالنسبة إلى التلاميذ والتلميذات الأفغان، فإن الهجمات على مدارسهم ليست أكثر من محاولة من جانب المتمردين على إبقائهم أميين. إلا أن هناك خلفية سياسية لحملة الهجوم على المدارس، ولا سيما في الجنوب. فالمتمردون الأفغان يتحدَّون سلطات حكومة كرزاي عن طريق شن هجمات على المدارس في المناطق الريفية. والحملة لاستهداف المدارس تهدف إلى إضعاف سلطات حكومة كابل في الريف، في الوقت الذي تعزز فيه حكومة كرزاي سلطاتها بفتح مدارس في المناطق النائية في الريف. «الشرق الأوسط» توجهت إلى وزير التعليم الأفغاني فاروق ورداك الذي شغل من قبل منصب وزير الشؤون البرلمانية ومستشارا سياسيا لكرزاي وهو طبيب تخرج في الجامعات الهندية يحظى بقبول كبير من المؤسسات المانحة لدعم أفغانستان والمنظمات غير الحكومية. وجاء الحوار على النحو التالي:

* كيف تقيمون مستوى التعليم في أفغانستان في الوقت الحالي؟ وما الخطوات والإجراءات التي تخطط الحكومة أن تتخذ بغية تخفيض مستوى الأمية في البلاد؟

ـ ازدادت نسبة التمكن من التعليم في أفغانستان خلال السنوات الثماني الأخيرة بشكل ملحوظ وارتفع عدد التلاميذ 700%. يدرس حاليا أكثر من 7 ملايين طالب وهناك نحو 13 ألف مدرسة, و170 ألف مدرس يشاركون في المنظومة التعليمية، وافتتحت 7600 مدرسة منذ عام 2002. وكذلك ازداد عدد المدرسين ثماني مرات. وتعمل في البلد 511 مدرسة إسلامية يتلقى 106 آلاف تلميذ التعليم الإسلامي. وأُعدت خطة تعليمية جديدة تقبل في المدارس الثانوية وتجري التدريبات لـ33 ألف طالب و41 في المائة منهم بنات من 34 محافظة لأفغانستان، ونحو 1600 أستاذ يعمل في المحافظات لزيادة مستوى التعليم ومعرفة المدرسين كيفا وكمّا لزيادة كيفية التدريس في المدارس الثانوية.

تم إعداد مشروع التعليم الجديد الذي يستخدم اليوم في المدارس الابتدائية. وفي عام 2008 أصدرت الوزارة نحو 62 مليون كتاب مدرسي لكل الفصول، تم توزيع 39 مليون منها في 34 ولاية، ونحو 4500 مبني مدرسي قد رمم ويتم إنشاء نحو 900 مدرسة في الوقت الحالي. ومع ذلك أعدت وتطبق اليوم وزارة التعليم لأفغانستان الخطة الاستراتيجية لخمس سنوات حول تسهيل التمكن من التعليم وتحسين مستواه. والأهداف الرئيسية لهذه الخطة هي تسجيل نحو 75 % من البنين و60 % من البنات في المدارس.

* كم عدد المدارس التي حرقت من قِبل طالبان هذا العام؟ ـ حُرق هذا العام أو دُمر وخُرب وتعطل نحو 42 مدرسة للبنين والبنات, ولا يمكن القول إن طالبان هم الذين فعلوا بذلك بل أعداء الحرية والديمقراطية لهذا البلد. وعندما توليت منصب وزير التعليم في أفغانستان قبل تسعة شهور وكان عدد المدارس التي خربتها وعطلتها طالبان نحو 673 مدرسة، وكان اهتمامي منصبّا منذ اليوم الأول الذي توليت فيه هذه المسؤولية على إعادة افتتاح أكبر عدد من هذه المدارس، بحرمان الأطفال الأبرياء مما حلله عز وجل في التعلم ممثلة في أول آية نزلت على النبي الكريم في سورة «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ». ونجحت منذ بداية عملي حتى اليوم في إعادة افتتاح 217 مدرسة من التي خربتها طالبان, بمساعدة كبار السن من رجال القبائل والمشايخ والملالي الذين لديهم تقدير واحترام من المجتمع الأفغاني.

* ما تفسيركم لسعي طالبان أو من تسميهم أعداء الوطن لتخريب وتدمير المدارس وتشريد الطلاب؟

ـ إنهم يكرهون هذا البلد، وأعتقد أنهم ليسوا أفغانا، وهم مخربون أشرار، لأنهم يعرفون أن المنظومة التعليمية هي العمود الفقري لأي رخاء أو استقرار وأمن وأمان. وهم مملوؤون بالحقد على هذا البلد, لأنهم لا يريدون لأفغانستان أن تقف على قدميها بعد أكثر من 30 عاما من الحروب الدامية, وكذلك أيضا لأن المدارس أهداف سهلة لا تحميها الشرطة ولا الجيش، وهم يستهدفون مبانيها أو خيامها ويشردون أطفالها.

* ما عدد الطلاب والمدرسين الذين أصيبوا أو قُتلوا خلال هجمات طالبان؟

ـ قُتل وأصيب حتى نهاية العام الماضي 255 طالبا ومدرسا، والعام الحالي حتى شهر أغسطس قتل وأصيب في مديريات الجنوب 103 من الطلبة والمعلمين.

* كيف تؤثر عادات وتقاليد أفغانستان على تعليم البنات؟ وما تأثير الحركات الأصولية بمثل طالبان على تعلم البنات في المدارس؟

ـ يمكن القول إن عدد البنات الذاهبات إلى المدارس يبلغ مليونين ما يشكل نحو 40 في المائة لإجمالي المتعلمين مقابل صفر في المائة قبل ثماني سنوات حينما تم فرض الحظر على تعليم البنات. ونحو 29 في المائة من المدرسين نساء. وسبب قلة البنات المتعلمات في المدارس هو العدد غير الكافي للمدرسات في المدارس والتمركز غير الملائم للمدارس وانعدام الأمن في مؤسسات التعليم والظروف السيئة فيها، العوائق الثقافية مثل الزواج المبكر والفقر وحرمانهن من التعليم في الماضي.

وانعدام الأمن يؤثر سلبيا على التمكن من التعليم. ومع الأسف فإن نحو 700 مدرسة قد حُرقت أو أُغلقت فلم يتسنَّ لـ400 ألف تلميذ أن يواصلوا تعليمهم. وفي المناطق غير الآمنة يخاف التلاميذ والمدرسون على حياتهم من الذهاب إلى المدارس بسبب المخاطر والتهديدات التي يمثلها المتمردون. ففي قندهار معقل الملا عمر حاكم الحركة الأصولية التي سقطت نهاية عام 2001 رش المتمردون الحامض على وجه البنات الذاهبات إلى المدرسة.

* هل هناك استراتيجية خاصة للنهوض بمستوى التعليم في أفغانستان؟ ـ هناك خطة خمسية موضوعة للنهوض بالعملية التعليمية، تتماشى مع خطة التنمية في أفغانستان، وبحلول عام 2020، ستكون أفغانستان قادرة على توفير فرص التعليم لنحو 16 ألف طالب, من سن السابعة حتى سن 18 عاما من العمر، ونسعى لتطوير المناهج التعليمية وتوفير مبانٍ تعليمية وترميم المدارس الآيلة إلى السقوط, ونأمل في المستقبل أن يكون هناك مدرس مؤهل علميا لكل 35 طالبا, وفي أفغانستان اليوم نحو 11 مليون أميّ، بدأنا في إعداد خطط وبرامج تهدف إلى محو أمية نصف مليون أفغاني سنويا.

* ما سبب عدم اهتمامكم بتعليم اللغة العربية في المدارس كما كان في السابق؟ ـ في العملية التعليمية نقاط ضعف، وعدم الاهتمام بالعربية إحدى نقاط الضعف في المنظومة التعليمية، والسبب يمكن أن يعود إلى أن المنح التي قُدمت إلينا لتطوير التعليم من المجتمع الأوروبي والغربي كانت لتدريس اللغات الأجنبية وعلوم الكومبيوتر والتكنولوجيا لا لتطوير التعليم الديني أو اللغة العربية. والكرة الآن في ملعب إخواننا العرب لأن يمدوا أيديهم إلينا لافتتاح مدارس تعلم العربية أو تقدم مناهج تعلم العربية لغة القرآن الكريم. إن مناهجنا القديمة وأجيالنا, ومن هم في عمري من قدامى المجاهدين جميعا تعلموا في مدارس دينية عظيمة أحيت التراث الإسلامي وحفظت القرآن الكريم في قلوب وصدور هؤلاء الرجال حتى اليوم, ونقول لإخواننا العرب أيدينا ممدودة إليكم من أجل رفعة هذا الدين والحفاظ على لغة القرآن من الاندثار في قلوب الأفغان, ونحن جاهزون للمساعدة واستقبالكم, وإذا دقوا على بابي مرة واحدة فلن أتوقف من الدق على أبوابهم أو الاتصال بهم من أجل المساعدة, وإذا دعاني المجتمع الأوروبي مرة، فإنني جاهز للطواف على العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى من أجل مصلحة شباب وطني في تعلم العربية.

ويجب أيضا أن أنوه إلى أننا كأفغان نعرف أن العربية ليست لغة أجنبية لأنها لغة ديننا الحنيف، إنها لغة القرآن, ولغة الجنة والإيمان بالله, وأول إنجاز يضاف إلى رصيدي كوزير للتعليم هو افتتاحي معهدا أزهريا تابعا لجامعة الأزهر لتعليم الطلاب العلوم الدينية بعد أن ذهبت إلى القاهرة العام الماضي واتفقت مع الشيخ سيد طنطاوي الإمام الأكبر على افتتاح المعهد الأزهري في منطقة كوسييه اند رابييه بالعاصمة كابل، وهناك اليوم 45 مدرسا أزهريا من القاهرة يعلّمون أولادنا العلوم الدينية.

* ما مرتب المدرس الأفغاني اليوم؟

ـ متوسط أجر المدرس في هذه الأيام نحو 4500 من العملة المحلية الأفغانية، أي ما يوازي نحو 90 دولارا, ونسعى في الوقت الحالي إلى تحسين حالة 170 ألف مدرس أفغاني، وشعاري الذي أرفعه هو تحسين مستوى التعليم من جهة المناهج ورفع مستوى المدرسين من جهة التخصص والتأهل, ولكن اليوم يجب أن نعترف أنه لدينا اليوم الآلاف من المدرسين غير المؤهلين وفي حاجة إلى برامج تعليمية لرفع كفاءتهم.