تركيا وأرمينيا تضعان حداً لعداء قرن.. إثر مباراة كرة ووساطة سويسرية

اتفقتا على إعادة العلاقات وفتح الحدود ومناقشة «البعد التاريخي» للخلافات * ترحيب دولي بالخطوة

TT

قررت تركيا وأرمينيا وضع حد لخلافاتهما المستمرة منذ نحو قرن، واتفقتا، وسط ترحيب دولي، على تبادل العلاقات الدبلوماسية وفتح الحدود بينهما.

فقد أعلنت وزارتا خارجية البلدين في بيان مشترك الليلة قبل الماضية أن ارمينيا وتركيا اتفقتا على بدء «استشارات سياسية داخلية» حول بروتوكولين، احدهما يتعلق بإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين والآخر بتطوير علاقات ثنائية. وذكر البيان أن «المشاورات السياسية ستنتهي في غضون ستة أسابيع، بعدها سيوقع البروتوكولان وسيعرضان على البرلمانين التركي والأرميني للمصادقة عليهما».

وفيما أكدت وزارة الخارجية الأرمينية أن الحدود بين البلدين ستفتح «في غضون شهرين» من تاريخ دخول البروتوكولين حيز التنفيذ، ذكر وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو أمس أن اتفاق إقامة علاقات دبلوماسية لن تكون نتيجته المباشرة فتح الحدود بين البلدين المتجاورين. وأضاف لشبكة التلفزيون التركية «ان تي في» انه «حاليا فتح الحدود غير مطروح وليس أولوية». لكنه قال أيضاً إن تركيا تأمل فتح حدودها مع أرمينيا بحلول نهاية العام الحالي بموجب بروتوكول إقامة العلاقات الدبلوماسية.

وأكد الوزير التركي أن تطبيع العلاقات مع يريفان يندرج في إطار «الرؤية الإقليمية لتركيا لإحلال السلام في القوقاز». وأضاف في تصريحات أدلى بها الليلة قبل الماضية أن الاتفاق الذي توصل إليه البلدان يشمل أيضا إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين تكلف إلقاء الضوء على المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن في عهد السلطنة العثمانية (1915-1917). وأكدت هذا الأمر وزارة الخارجية الأرمينية التي قالت إن الاتفاق يتضمن استحداث لجنة مشتركة مكلفة النظر في «البعد التاريخي» للخلافات بين أرمينيا وتركيا.

ومنذ استقلال أرمينيا عام 1991، لا تقيم أنقرة ويريفان علاقات دبلوماسية بسبب خلاف بينهما على مسألة مقتل الأرمن في ظل السلطنة العثمانية بين العامين 1915 و1917. ويؤكد الجانب الأرميني أن المذابح وعمليات الترحيل في تلك الفترة أدت إلى مقتل مليون ونصف مليون ارمني، في حين تتحدث تركيا عن 300 ألف و500 ألف قتيل، رافضة وصف ما جرى بالإبادة، في حين يصر الأرمن على هذا التوصيف الذي اعترفت به أيضا فرنسا وكندا والبرلمان الأوروبي. وإضافة إلى ذلك، أقفلت تركيا حدودها مع أرمينيا في عام 1993 دعما لأذربيجان في الخلاف بين باكو ويريفان على السيطرة على جيب ناغورني قره باخ، الذي تقطنه أكثرية أرمينية ويقع داخل الأراضي الأذربيجانية.

ومن شأن إعادة فتح الحدود وإقامة علاقات مع أرمينيا تحسين نفوذ تركيا في المنطقة ومساعدة مسعاها للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي. ويطالب الاتحاد منذ فترة طويلة تركيا المرشحة لعضويته بتحسين العلاقات مع جارتها ويقول محللون إن إعادة العلاقات الدبلوماسية سيكون مفيدا للأمن الإقليمي. وستتيح العلاقات الدبلوماسية لأرمينيا التي لا تطل على بحار وتعاني من آثار الأزمة المالية العالمية الوصول إلى الأسواق التركية والأوروبية.

وكانت الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس التركي عبدالله غل إلى أرمينيا في سبتمبر (أيلول) 2008 بمناسبة مباراة لكرة القدم بين الفريقين الوطنيين مهدت لبدء تقارب بين البلدين. وبعد الزيارة تضاعفت الاتصالات بين البلدين خصوصا على المستوى الوزاري وأدت مباحثات بين تركيا وأرمينيا بوساطة سويسرية في ابريل (نيسان) الماضي إلى اتفاق حول «خريطة طريق» لتطبيع العلاقات بينهما.

وتلقى الرئيس الأرمني سيرج ساركيسيان دعوة من نظيره التركي لحضور مباراة لكرة القدم بين تركيا وأرمينيا في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل إلا انه أعلن انه لن يذهب إلى تركيا طالما بقيت الحدود بين البلدين مغلقة.

وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أعلن في مايو (أيار) الماضي أن تركيا لن تفتح حدودها مع أرمينيا طالما لم تسحب يريفان قواتها من جيب ناغورني قره باخ الأذربيجاني الانفصالي. وكانت أذربيجان الغنية بالمحروقات ألمحت إلى أنها ستقطع إمدادات الغاز عن تركيا في حال لم تطرح أنقرة قضية ناغورني قره باخ خلال المفاوضات مع أرمينيا.

ولقي الاتفاق التركي الارمني ترحيبا دوليا، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية يان كيلي «إن الولايات المتحدة ترحب بحرارة بالبيان المشترك الذي نشر من قبل تركيا وأرمينيا» بشأن اتفاق مرتقب بعد عقود من الارتياب والانتقادات المتبادلة. وأضاف المتحدث «إن موقف الولايات المتحدة كان دائما ويظل أن تطبيع (العلاقات بين البلدين) يجب أن يتم من دون شروط وفي فترة زمنية معقولة».

كذلك، سارعت فرنسا إلى الترحيب بالإعلان التركي الأرمني وهنأت البلدين على اتفاقهما ودعتهما إلى التوقيع عليه سريعا. وقال الاليزيه في بيان إن «فرنسا تهنئ السلطات الأرمينية والتركية وتشجعها على مضاعفة جهودهما من اجل التوصل سريعا إلى التوقيع على اتفاق». وأضاف البيان أن الرئيس نيكولا ساركوزي يعتبر أن «تطبيع العلاقات بين أرمينيا وتركيا سيكون حدثا ذا بعد تاريخي من شأنه أن يساهم في الاستقرار الإقليمي».