هارفارد تتراجع عن سياسة إعلامية جديدة

اتُخذت بسبب ما أدلى به طلاب حول تأثير شركات الأدوية على التعليم الطبي

نصت السياسة في شكلها السابق على أنه ينبغي تنسيق جميع التفاعلات بين الطلاب ووسائل الإعلام مع مكتبي رئيس شؤون الطلاب والشؤون العامة (أ.ف.ب)
TT

شرعت كلية الطب التابعة لجامعة هارفارد في التراجع عن سياسة طلابية جديدة كان من المقرر أن تقيد التفاعل مع وسائل الإعلام بعدما شكا الطلاب من أن السياسة الجديدة ستقلص قدرتهم على الحديث حول القضايا الراهنة على الصعيد الطبي، حسب ما أفاد مسؤولون بالكلية في تصريحات لهم، أول من أمس الثلاثاء.

في هذا السياق، قالت الدكتورة نانسي إي. أوريول، مسؤولة شؤون الطلاب، التي ساعدت في صياغة السياسة، إن السياسة الجديدة سعت لمساعدة الطلاب، وليس تقييد ممارستهم لحرية التعبير أو السيطرة على الآراء التي يدلون بها حيال القضايا المثيرة للجدل.

في المقابل، أعرب الكثير من الطلاب عن اعتقادهم بأن السياسة لم تكن سوى محاولة للإبقاء عليهم هادئين إزاء قضايا مثل تعارض المصلحة الطبية.

على سبيل المثال، قالت نيت فافيني، الطالبة بكلية الطب في جامعة هارفارد، ورئيسة «الهيئة الاستشارية التابعة لمجلس الطلاب»، في رسالة بعثت بها عبر البريد الإلكتروني، الثلاثاء: «تعد هذه واحدة من السبل الكثيرة التي يعمد التعليم الطبي من خلالها إلى تلقين الطلاب أنماطا من السلوك تختلف عن القيم التي نأمل في أن يعززها الأطباء. بدلا من تقييد الطلاب، ينبغي أن نحثهم على التفكير الجريء والسماح لهم بالدعوة إلى الإصلاحات التي يحتاجها بشدة نظام الرعاية الصحية لدينا». وقالت فافيني، وبعض طلاب كلية الطب في جامعة هارفارد، إن روحهم المعنوية ارتفعت بصدور قرار، الثلاثاء، بالتراجع عن السياسة. من جهتها، قالت، أول من أمس، الثلاثاء، الدكتورة مارشا أنجيل، المحاضرة بجامعة هارفارد ورئيسة التحرير السابقة لدورية «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين»: «كانت السياسة بالغة السوء».

تنص السياسة على أنه: «ينبغي تنسيق جميع التفاعلات بين الطلاب ووسائل الإعلام مع مكتبي رئيس شؤون الطلاب والشؤون العامة. وينطبق هذا الأمر على المواقف التي يجري خلالها الاتصال بالطلاب من جانب وسائل الإعلام والحالات التي قد يسعى فيها الطلاب إلى كسب دعاية لصالح مشروع أو برنامج يتعلق بهم». في إطار مقابلة أجريت معها الثلاثاء، قالت أوريول: «تنطوي الصياغة على مشكلات ولا تعكس هدفنا في حقيقة الأمر».

لم تنف أوريول أن طرح هذه السياسة نبع في جزء منه من التعليقات التي أدلى بها طلاب في وقت سابق من هذا العام حول تأثير شركات الأدوية على التعليم الطبي، لكنها استطردت قائلة: «يمكنني أن أسرد عليك قائمة طويلة من الدوافع».

وأشارت أوريول إلى أنه من بين الدوافع الأخرى، القلق حيال خصوصية المرضى وتنامي انتشار استخدام موقع «تويتر» على شبكة الإنترنت. إلا أنها اعترفت بأن السياسة تنطبق على «وسائل الإعلام»، وليس وسائل الإعلام الحديثة مثل «تويتر».

من ناحية أخرى، قال ديفيد تيان، وكريستين أوستاد، وهما طالبان ناشطان بكلية الطب التابعة لهارفارد، في رسالة بريد إلكتروني بعثا بها، إن: «من العسير تخيل عدم ارتباط هذه السياسة بصورة ما بالجهود التي بذلها الطلاب سابقا في مناصرة قضايا معينة. إن السبب وراء انتقادنا علانية لتعارض المصالح سعينا لتعزيز رفاهية المريض باعتبارها الشاغل الأول للطب، وذلك في مواجهة ممارسات مؤسساتية يمكنها الإضرار برعاية المريض».

جدير بالذكر أن السياسة حظيت بالموافقة في 2 فبراير (شباط)، طبقا لوثيقة صادرة عن جامعة هارفارد، بعد وقت قصير من عقد صحيفة «نيويورك تايمز» مقابلة مع تيان وأوستاد وطلاب آخرين في إطار مقال حمل عنوان «ترقيع جرح». ولم يتم الإعلان عن السياسة حتى الأسبوع الماضي، وأضيفت إلى الكتيب الخاص بالطلاب للعام الدراسي 2009/2010، طبقا لما ورد برسالة بريد إلكتروني بتاريخ 25 أغسطس (آب) موجهة إلى الطلاب والكلية. وأوردت الرسالة السياسة من بين مجموعة من السياسات الجديدة الأخرى المتعلقة بقضايا مثل درجات الطلاب، وتعليقات الطلاب على الأساتذة.

من جهته، قال بريان فتشيز، طالب بكلية الطب بجامعة هارفارد، الثلاثاء: «في الحقيقة لم أسمع بأمر هذه السياسة». يذكر أن فتشيز سبق له التحدث إلى مراسلين صحافيين حول تأييده وجود علاقات بين الجامعة والصناعة الطبية. وأضاف: «قد لا يكون الأمر حتى دستوريا. إنها قضية كبرى بالفعل».

ويشاركه الرأي بعض الخبراء القانونيين، منوهين بأنه في الوقت الذي لا ينطبق «التعديل الأول» في الدستور الأميركي مباشرة على الجامعات الخاصة مثل هارفارد، تبقى على عاتقها مسؤولية السماح للطلاب بممارسة الحريات الأكاديمية وحرية الحديث.

وأكد هارفي سيلفرغليت، المحامي المعني بالحقوق المدنية، الذي ساهم في إنشاء «مؤسسة الحريات الفردية في التعليم»، وطعن في القيود الجامعية المفروضة على حرية التعبير، أنه لا دراية له بمثل هذه السياسة.

وخلال مقابلة أجريت معه قال: «لا يثير دهشتي أن أول حالة على هذا الصعيد أسمع بشأنها صدرت من هارفارد، وذلك لأن فريق العاملين المعنيين بالشؤون العامة في هارفارد عكفوا طوال سنوات حتى الآن، بنجاح متنامٍ، على السيطرة على مسألة الاتصال بالعالم الخارجي».

يذكر أن الكليات الأخرى داخل نظام هارفارد الجامعي لا تتبع، على ما يبدو، سياسة محددة إزاء التفاعل مع وسائل الإعلام الإخبارية، وينطبق الأمر ذاته على كليات الطب بجامعات «ييل»، و«جونز هوبكينز»، و«ستانفورد»، حسب ما صرح مسؤولين بهذه الكليات، الثلاثاء. في رسالة بعثت بها إلى فافيني، الثلاثاء، قالت جينا فيلد، مساعدة رئيس شؤون الاتصالات والعلاقات الخارجية: «نقر أنه تبعا لصياغتها الحالية، قد تكون السياسة الإعلامية محط سوء فهم. قطعا سنعمل على تعديلها ونتطلع للقيام بذلك بمشاركة طلابية، لضمان أنها تعكس احترامنا المطلق لحق الطلاب في التعبير علانية عن تأييد التغيير واستكشاف أفكار جديدة».

وأثناء مقابلة معها، قالت فيلد إنها ستحاول إزالة السياسة على الفور من النسخة الإلكترونية من كتيب الطلاب.

* خدمة «نيويورك تايمز»