أفغانستان.. الوجه الآخر ـ الحلقة (2) ـ «تولو تي في» انفجار في سماء الإعلام الأفغاني

سعد محسني مالك المحطة لـ«الشرق الأوسط»: إرسالنا يغطي كل أفغانستان.. وأغلبية الأفغان تحبنا.. وقلة من الأصوليين تكرهنا

النسخة الخامسة من افغان ستار اكاديمي («الشرق الاوسط»)
TT

بعد ثماني سنوات على الإطاحة بنظام «طالبان» الذي منع الموسيقى والشاشة الصغيرة من دخول المنازل الأفغانية، يحقق برنامج «أفغان ستار» للعام السادس على التوالي، المنسوخ عن برنامج «ستار أكاديمي» العالمي نجاحا باهرا بين الشباب والأفغان بصورة عامة. واستطاع النجوم الشباب، ومنهم سيار ولي زاده، من كسب إعجاب الجمهور بفضل تمايلهم على وقع الأنغام الحديثة والأغاني التي أدوها مثل «حبك يصيبني بالدوار، أيها الطير الأبيض الصغير، عد إلى عشي». وتتمتع قناة «تولو» التي تعنى باللغة الأفغانية (الفجر) بشعبية كبيرة في أفغانستان، مع تنامي أعداد مشاهدي التلفزيون منذ الإطاحة بحكومة حركة طالبان في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، وتستحوذ هذه القناة على نحو 90 في المائة من سوق الإعلانات التلفزيونية الأفغانية. وتسعى إلى زيادة حدود مساحة الحركة التي تتعامل من خلالها، بما في ذلك الترويج للثقافة الشبابية وتناول الكثير من القضايا التي تعتبرها الثقافة التقليدية في أفغانستان من المحرمات.

تمكنت الجماهير الأفغانية في المقاهي والمنازل والمولات الحديثة من متابعة المشاهد الغنائية التي كانت من سابع المستحيلات منذ بضع سنوات في ظل نظام «طالبان» (1996-2001) في قاعة سينما في كابل, ومن المقرر بحسب مالك المحطة سعد محسني الذي التقته «الشرق الأوسط» في مقر المحطة بشارع مغلق بالمتاريس الأمنية بحي وزير أكبر خان، أن تنطلق النسخة السادسة من برنامج المسابقات الغنائي شهر أكتوبر «تشرين الأول» المقبل. وهناك قناة شقيقة لـ«تولو» اسمها «لامار» تنطلق من نفس المؤسسة. وسعد محسني في الأساس رجل أعمال ومصرفي عاش وتربى في أستراليا، وجاء بعد سقوط «طالبان» ليشارك في النهضة الثقافية والاجتماعية لبلاده, ذهبت إليه «الشرق الأوسط» بعد يومين من الانتخابات الرئاسية التي جرت في أفغانستان يوم 20 أغسطس (آب) الماضي, وعندما شاهدت حبر التصويت ما زال عالقا على إصبعه سألته إن كان قد صوّت للرئيس المنتهية ولايته حميد كرزاي أو زعيم المعارضة عبد الله عبد الله, ولكنه رفض أن يجيب، وقال: «حتى زوجتي لن تعرف مرشحي المفضل». وقال إن «تولو» تبث برامجها في الغالب بالداري أو الفارسي في حين أن «لامار» تبث باللغتين الرئيسيتين اللتين يتحدث بهما الأفغان, بالإضافة إلى محطة إذاعة أفغانية على الـ«إف إم» انطلقت عام 2003، أي قبل «تولو» بعام واحد، ثم قناة انطلقت «لامار» هي الأخرى عام 2005.

وأوضح أنه انطلق في دهاليز الإعلام تدريجيا لأن خلفيته كرجل أعمال ومصرفي كانت تتطلب منه التريث، لكن والحمد لله نجح مع شركائه في تحقيق الكثير من النجاحات الواحدة تلو الأخرى من جهة الجذب الإعلاني وتقديم برامج كانت قفزة غير مسبوقة وحديث المجتمع الأفغاني، «والأغلبية من الشعب الأفغاني كانت تقف إلى جانبنا تنصرنا وتحبنا وتؤيدنا، وقلة فقط من الأصوليين لم تتعاطف معنا».

وأوضح محسني أن هناك 20 محطة تلفزيونية على الأقل تعمل في محيط البث الأفغاني، بعضها محلي لا يتعدى بثه مزار شريف أو كابل أو قندهار, وهناك اليوم خمس محطات يغطي إرسالها عموم الأراضي الأفغانية، من بينهما محطتا «تولو» و«لامار». وقال إنه لم يصدق حجم النجاح الذي حققه برنامج «ستار أفغان أكاديمي» عند عرضه للمرة الأولى على شاشة «تولو», وأضاف: «بلا استثناء، كل الذين ظهروا في البرنامج من فتيات وشبان أفغان باتوا اليوم نجوما معروفين». وأشار إلى أنه «على الطرف الآخر هناك برامج ومسابقات دينية، ومنها برنامج مسابقات في تجويد وحفظ القران خلال الشهر الكريم, وهو نوع من إحداث التوازن داخل مجتمعنا المتدين حتى لا يقال إننا ننحاز إلى البرامج الغنائية الشبابية، وهناك برامج دينية أخرى سمحة تلتزم بالمنهج الوسطي في الدعوة والإرشاد, وبرامج دينية أخرى تتحدث عن الدين الحنيف في ماليزيا والسعودية ومصر وإندونيسيا، وهو يعطي جرعة سياحية عن كيفية انتشار الدين الإسلامي وتأثيرها في حياة الأفراد. وتزور الكاميرا منازلهم, ويمكن مثلا أن يكون هناك رجل أعمال أو مصرفي أو طبيب ناجح أو إعلامي ولكنه يحافظ على الأركان الخمسة للدين ويعلمها لأولاده. وأريد أن أؤكد لـ(الشرق الأوسط) أن نجاحات برنامج (أفغان ستار أكاديمي) لم تؤثر في قناعاتنا الإسلامية ولم تجعل القائمين على هذه المحطة ينسون دينهم الحنيف، لأننا في الأساس موجهون إعلاميا نحو الشعب الأفغاني المسلم».

وعن سبب الاستحكامات الأمنية خارج بوابات «تولو» في حي وزير أكبر خان، قال سعد محسني مالك المحطة: «تلقينا بعض التهديدات، ليس من (طالبان) ولكن من مجاهدين ورجال دين لم تعجبهم برامجنا في البداية، ولكن بعد ذلك خفت تلك التهديدات. والخطر موجود في شوارع كابل بصفة عامة, وما نقدمه اليوم من برامج شائع ومعروف ومقبول أيضا من قبل أغلب الأفغان. إننا محطة تليفزيونية عامة نقدم برامج مختلفة تهم العائلة، نقدم أيضا الأخبار والتحليلات السياسية الجادة, وكذلك البرامج الغنائية والدراما التركية المدبلجة ومسلسلات هندية من بوليوود وكوميديا أفغانية, ولهذا فإننا اليوم نتصدر الساحة الإعلامية». ومحسني لم يعاصر حروب المجاهدين أو الحركة الأصولية, فمع سنوات الغزو الروسي هاجر مع عائلته إلى أستراليا حيث تربى ودرس إدارة الأعمال وعمل في المصارف قبل أن يعود مرة أخرى إلى أفغانستان بعد سقوط «طالبان» بداية عام 2002. وعن برنامجه المفضل من «تولو» الذي يشاهده في المنزل، قال إن نجومه من مقدمي البرامج التليفزيونية هم نجوم كبار في الساحة الأفغانية، مثل مجاهد كاكر مقدم البرامج السياسية، والنجمة فرزانا سميمي مقدمة برامج المرأة، والكوميدي حنيف هامجيم.

ومنذ أن انطلقت «تولو» أحدثت انقلابا في عادات المحطات الأفغانية التقليدية حين بثت شرائط مصورة (فيديو كليب) لمغنيات يكشفن عن محاسنهن، مما أثار غضب رجال الدين المحليين. وقد أصبحت هذه المحطة بسرعة إحدى المحطات الأكثر شعبية في البلاد، إذ يصل عدد مشاهديها المحتملين إلى 15 مليون شخص، ليس فقط في أفغانستان، بل أيضا في المنطقة من خلال محطتها الفضائية.

وفي النسخ السابقة تنافس 12 أفغانيا، عشرة شبان وفتاتان، يبلغون من العمر بين 18 و24 عاما، أمام لجنة الحكم ومئات الأقارب والكاميرات خلال حفلة «البرايم»، وهي المحطة الأسبوعية الأبرز لبرنامج «أفغان ستار» الأكثر نجاحا على «تولو تي في»، أول شبكة تلفزيونية أفغانية.

ويتوالى هؤلاء الطامحون إلى النجومية أمام المشاهدين ليؤدوا الأغاني الشعبية التي كانت رائجة في الستينات والسبعينات والثمانينات قبل اندلاع حرب الإخوة المجاهدين ما بين (1992-1996)، ومن ثم وصول «طالبان» إلى الحكم, وفيما يقبل الشباب على الصرعات الحديثة في الأغاني والرقص والتهام ثقافة بوليوود في صورة أقراص مدمجة، يتنافس المجاهدون اليوم على البزنس في محيط العاصمة كابل وبناء القصور الفخمة والفنادق وشركات السياحة والطيران.

وتقول إحدى منتِجات برنامج «أفغان ستار أكاديمي» لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نعرف أن هناك طلبا على هذه النوعية من البرامج. لقد أحدثت الحروب خلال الـ30 عاما الماضية فراغا نريد أن نملأه». وأضافت: «لكن النجاح فاق توقعاتنا». وفي بداية أكتوبر (تشرين الأول) شهدت كابل وهراة ومزار شريف وجلال اباد وحتى قندهار من حيث انطلقت حركة طالبان، توافد أكثر من ألف شاب وشابة راغبين في المشاركة بالبرنامج، علما بأن في هذه المدن الكبيرة يغرق غالبية السكان في الفقر والأمية.

ويقول سعد محسني لـ«الشرق الأوسط»: «لا نقدم فقط مسابقات الأغاني التي يقبل عليها الشباب، وهناك برامج دينية ومنافسات في تجويد وحفظ القران الكريم خلال الشهر الفضيل, وكذلك منافسات شعرية بين طلاب الثانوية. ولم يكن أحد يتصور قبل 8 سنوات تقريبا أن يدور جدل في أفغانستان بشأن أداء قناة تلفزيونية تبث من داخل البلاد حيث كانت حكومة (طالبان) تفرض قيودا صارمة على المشهد الإعلامي، حيث لم يكن موجودا أيام الملا عمر حاكم الحركة الأصولية سوى برامج إذاعة الشريعة بالبشتو والداري، حيث كانت تبث بيانات الحركة الأصولية وفرماناتها ومواعيد تنفيذ الحدود الشرعية في استاد كابل بعد صلاة كل يوم الجمعة. وفي الوقت نفسه فإن الجدل الذي أثارته وتثيره قناة تلفزيونية خاصة يكشف الكثير من جوانب المشهد السياسي والإعلامي في هذه الدولة التي ما زالت تعاني الحرب المستمرة عبر أكثر من 30 عاما».

من جهته أشار محسني، الذي أطلق قناة «تولو»، إلى أنه يحاول عبر «أفغان ستار» أن يعيد إحياء التراث الثقافي بالبلاد، مؤكدا أنه بهذا يشجع على إحداث تغيير اجتماعي، وموضحا أنه لا يريد أن يؤثر على الناس بطريقة لا يرغبونها، خصوصا أن محطته التلفزيونية هي تجارية بالدرجة الأولى. وحول الرواج الشديد لـ«أفغان ستار» ذكر محسني أن «الشباب الأفغان يشبهون أقرانهم حول العالم، فهم لم يأتوا من المريخ»، مضيفا أن «الفن يجري في عروق الأفغان منذ قرون، ولا يزال كذلك».

وكان «أفغان ستار» قد تعرض لحملة من قِبل مجلس العلماء المسلمين بالبلاد، الذين اعتبروا البرنامج الترفيهي «لا يمت بِصلة» إلى الثقافة الأفغانية، ليقوم محسني بعد لقائه بوفد من المجلس بإطلاق برنامج «قرآن ستار» يتبارى فيه الشباب حول مدى حفظهم وإتقانهم للقرآن. المفاجأة أنه في نهاية البرنامج فازت عذرة محمدي (16 سنة) بالمسابقة وهي ترتدي حجابها الأسود التقليدي، لتحصل على جائزة بمقدار 3500 دولار.

وبالنسبة إلى محسني فإن قناة «تولو» لا تزال مستفيدة من الوضع الراهن، إذ حقق «قرآن ستار» و«أفغان ستار» نسبة عالية من المشاهدات، فيما رأى خبراء أن الحالة تدل على أن هناك صراعا «ثقافيا» بين القيم وسط المجتمع الأفغاني. ويبلغ متوسط مشاهدي «أفغان ستار» 11 مليون مشاهد, ويعتبره الكثيرون برنامجا يشجع على إحداث تغيير اجتماعي.

وتعتبر قناة «تولو» المستفيدة من البرنامجين، وذلك بعد أن حقق البرنامجان نسبة مشاهدة عالية جدا فيما يعتقد البعض أن الحالة تدل على صراع ثقافي بين القيم وسط المجتمع الأفغاني. جدير بالذكر أن محطة «تولو تي في» الأفغانية تعد أكثر المحطات التلفزيونية الأفغانية شعبية، حيث تذيع بعض أغاني البوب المصورة بالإضافة إلى برامج الترفيه والأخبار. لم يكن أحد يتصور قبل ثماني سنوات تقريبا أن يدور جدل في أفغانستان بشأن أداء قناة تلفزيونية تبث من داخل البلاد حيث كانت حكومة «طالبان» تفرض قيودا صارمة على المشهد الإعلامي. وفي الوقت نفسه فإن الجدل الذي أثارته وتثيره قناة تلفزيونية خاصة يكشف الكثير من جوانب المشهد السياسي والإعلامي في هذه الدولة التي ما زالت تعاني الحرب المستمرة عبر أكثر من عشرين عاما. ويلفت الانتباه عدد الذين حضروا للمشاركة في الموسم الخامس من «أفغان ستار»، الذي أثار عاصفة من الاعتراضات في الأوساط المحافظة، وهو الأمر الذي يدل، بحسب بعض الآراء، على مدى شعبية البرنامج الترفيهي.

وانقسم مشاهدو قناة «تولو» الأفغانية إلى فريقين، أحدهما يشجع برنامجا للمواهب الغنائية بعنوان «أفغان ستار»، بينما يشجع الجانب المتدين برنامج «تراتيل» أو «قرآن ستار» الذي يتبارى فيه المتسابقون بجودة ترتيلهم وحفظهم للقرآن الكريم. و«تولو» إحدى المحطات الوليدة بعد سقوط «طالبان» نهاية عام 2001، وكانت حكومة حركة طالبان قد حظرت البث التلفزيوني، كما أن حكومة المجاهدين التي سبقت حكومة «طالبان» كانت قد حظرت ظهور النساء كمغنيات أو مقدمات برامج، إلا أنه في ظل قيادة الرئيس حميد كرزاي الذي يحظى بدعم من الغرب، ازدهر التلفزيون مع ظهور 20 محطة خاصة في السنوات الست الماضية، 11 منها مقرها كابل. كما تقدم الكثير من شركات التلفزيون الكابلي مزيجا من الأخبار والبرامج الموسيقية الشعبية والمسلسلات المستوردة والمسلسلات الشعبية، وهي تحظى بشعبية كبيرة وتجذب الآلاف إلى المقاهي ومحلات بيع الآيس كريم، كما أن البرامج التلفزيونية التي تتطلب اتصال المشاهدين تحظى بشعبية كبيرة أيضا.

تمكنت محطات التلفزيون من تثبيت أقدامها في الساحة السياسية، لا عن طريق إذاعة تحقيقات إخبارية ولكن أيضا باتخاذ جانب في الجدل العرقي واللغوي، الذي يعكس الانقسامات في أفغانستان. وضمن الجدل الذي أثارته المحطة الأفغانية ليس الغناء فحسب، بل إجراء مقابلات مع قادة حركة طالبان الأفغانية التي تقود تمردا مسلحا ضد القوات الأجنبية في أفغانستان والحكومة الأفغانية الموالية لها، تتم دائما بطريقة مفاجئة، ولكن ما يثير قلق مراسل القناة بالفعل هو رد الفعل على تلك المقابلات في العاصمة كابل. وقال مذيعون بالمحطة لـ« الشرق الأوسط»: «بالنسبة لنا المشكلات التي تسببها حركة طالبان ليست ذات بال، المشكلات الحقيقية تتمثل في الضغوط التي تمارسها الحكومة علينا».

لقد أدرك القائمون على قناة «تولو» التلفزيونية المناطق الحساسة لدى المواطنين الأفغان ويضغطون عليها، ففي البداية أثار القائمون على القناة غضب رجال الدين في أفغانستان بسبب بث الأغنيات المصورة (فيديو كليب) وظهور مقدمي البرامج الشبان يرتدون الملابس الغربية. أما اليوم وبعد أن أصبحت قضية الأمن والاستقرار تحتل قمة أولويات الأفغان وليس نمط الملابس ولا الموسيقى والأغاني اتجهت القناة إلى تغطية تحركات مقاتلي «طالبان»، الذين صعدوا عملياتهم العسكرية خلال الفترة الأخيرة. وفي الوقت الذي يحاول فيه العاملون في قناة «تولو» الوصول إلى أعماق حركة التمرد المسلح الذي تقوده حركة طالبان، فإنهم يواجهون تحديات متزايدة من جانب الحكومة المركزية في كابل. ويقول المحللون ومحررو قناة «تولو»: «إن تغطية عمليات وأنشطة حركة طالبان يعني بصورة من الصور المساعدة في معرفة أسباب التمرد المسلح، كما تكشف عن الكثير من ممارسات الفساد وإساءة استخدام السلطة من جانب جهات محسوبة على الحكومة الأفغانية، بالإضافة إلى اختبار مدى جدية حكومة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي في الالتزام بالديمقراطية».

* غداً.. وزير الحج الافغاني: الغزو الثقافي ينخز في عظام شبابنا