تداخل بين الإرهاب وأساليب مهربي المخدرات

المهربون يطورون «الكبسولة الحساسة» ويلجأون لإخفاء الكوكايين في البطون

TT

لاحظ خبراء ومراقبون في شؤون مكافحة الارهاب التداخل بين تجارة المخدرات وحركات الإرهاب، من ناحية التمويل أحيانا، أو استنباط بعض اساليب تهريب المخدرات في العمليات الانتحارية التي لجأت اليها "القاعدة". ويشير الخبراء إلى أن التنظيمات الإرهابية أباحت كذلك استخدام المواد المخدرة لعناصرها خصوصا الذين يقومون بعمليات انتحارية بهدف تثبيتهم حتى لا يتراجعوا في اللحظة الأخيرة. وفي اطار هذا التداخل أيضا وظف الإرهابيون استخدام أدوات مهربي المخدرات مثل زرع الكوكايين داخل الجسم عبر البلع أو الحشو في مناطق حساسة بالجسم لتفادي التفتيش في المطارات.

وأشار الخبراء إلى أساليب عمليات تهريب الهيروين وأقراص الاكستازي عن طريق الامعاء في كبسولات مطاطية تحتوي على الكوكايين إلى المطارات الأوروبية، وتطورها إلى استخدام الجسم في تهريب عبوات متفجرة لدى الأصوليين المتطرفين. ويلجأ المسافرون الذين يختارون لتهريب الكوكايين في أمعائهم، لعملية غسل، قبل تخزين أكياس المخدرات، كما تجري الاستعانة ببعض الأدوية المساعدة على إخراجها، بعد وصول المهرب للوجهة المقصودة، وهي تقنية جديدة فرضتها عمليات التفتيش الدقيق للأمتعة. ويلجأ ضباط مكافحة المخدرات في المطارات إذا اشتبهوا في تهريب شخص لمخدرات في أحشائه الى اعطاء المشتبه به مواد مسهلة ثم يوجهونه نحو حمامات ودورات مياه خاصة لا تتسرب منها المياه وبالتالي المواد المخدرة. ثم تطور الأمر لاستخدام الإرهابيين نفس التقنيات في زرع المتفجرات في صورة كبسولات متفجرة بحشوها في فتحة الشرج . ولجأت قيادات القاعدة، بحسب خبراء في مكافحة الإرهاب، إلى مثل هذه الأساليب حديثا. وتتلخص عملية زراعة المخدرات في الجسم ببساطة في قيام الشخص المهرب بحشو أمعائه بالمواد المخدرة بكميات تصل إلى حد كيلوغرامين من هذه المواد، والتي من أشهرها الكوكايين (نظرا لغلو سعره)، بحيث توضع هذه المواد في كبسولات بلاستيكية تتكون عادة من نوع خاص من البلاستيك يتحدد طوله حسب العملية. ويستخدم في ذلك الواقي الذكري أو القفازات المطاطية، بحيث يمنع تفاعلها مع أجهزة الجسم الداخلي حتى لا يتأثر بها الجسم وتحدث مضاعفات قد تلغي العملية. ومن أجل المساعدة في العملية الصعبة المتمثلة في ابتلاع هذه الشحنات غير المشروعة، تجرى عادة عملية غسل للمعدة قبل تخزين أكياس المخدرات، كما يتم استخدام مواد التخدير لتخفيف الشعور بالقيود والألم، وتجري الاستعانة ببعض الأدوية المساعدة على إخراجها، بعد وصول المهرب للوجهة المقصودة.

وإذا كان الواقي الذكري أو الكبسولة البلاستيكية ضعيفة فإنه في هذه الحالة يمكن أن تنفجر المخدرات في المعدة وقد تتسبب في موت الشخص نتيجة لتناوله جرعة زائدة من المخدرات، كما أن حامض المعدة يمكنه كسر الكبسولة المطاطية والذي يؤدي أيضا إلى حدوث حالة وفاة مؤلمة.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك قيام تجار المخدرات منذ خمس سنوات بإقناع امرأة أميركية بالقيام برحلة واحدة إلى نيويورك تحمل خلالها المخدرات في أحشائها ثم تجني ما يكفي من المال لإبنها الذي يعاني من مرض، لكن حلمها انتهى عندما تمزقت المخدرات في بطنها وتوفيت قبل الوصول إلى المستشفى.

وأيضاً عثر على جثة مهرب في دمشق عام 2002 ولدى تشريح الجثة عثر على 218 غراما من مادة مخدرة ضمن سبعة عشر مغلفاً بلاستيكياً تم استخراجها من معدته وأمعائه.

وفي الخليج ظهر ما يعرف باسم "الكبسولة الحساسة" في فبراير (شباط) الماضي بعد توقيف وافدة نيبالية في أحد المطارات الخليجية، وصديقها البنغالي، واعترفا بتهريب الهيروين عن طريق «اللبوس المهبلي»، وقد عثر بحوزتهما على نحو نصف كيلوغرام من الهيروين الخام.

ويستغل مهربو المخدرات بعض الرعايا الأفارقة للقيام بعمليات تهريب في بطونهم، وقد جاء إقبال المافيا على تكليف الأفارقة بتنفيذ هذه العمليات بسبب ضعف النسبة التي يحصلون عليها مقابل عملية التهريب التي ينفذونها، وأيضا لكون ظروفهم الاجتماعية تسهل تجنيدهم للقيام بهذه المهمة.

إلا أن هذه الوسيلة تستخدم ايضا مع الأوروبيين، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 ضبطت السلطات المصرية عصابة تضم بلجيكيا وتونسيين و4 مصريين، كانت تحاول تهريب الكوكايين وأقراص الاكستازي من أوروبا إلى القاهرة عن طريق أمعاء المهربين، حيث تم ضبط البلجيكي عقب وصوله لمطار القاهرة وبداخل أمعائه 59 كبسولة مطاطية تحتوي على الكوكايين. وفي المغرب نجحت السلطات منذ عامين في استخدام آلة الكشف بالصدى وتمكنت بواسطتها من الكشف عن العديد من كبسولات الكوكايين التي يبتلعها بعض المهربين، وذلك عندما ألقى أمن المطار القبض على ثلاثة نيجيريين قادمين من باماكو، كانوا في طريقهم إلى العاصمة الهولندية، ويحملون 209 كبسولات من مخدر الكوكايين، يتراوح وزن الكبسولة الواحدة ما بين 15 و30 غراما من مادة الكوكايين، ومجموع الكبسولات يناهز وزنها ما يزيد عن أربع كيلوغرامات ونصف.

وقال قيادي اصولي في لندن احتجز ضمن الفئة الاولى لعدة اشهر في سجن بيل مارش شديد الحراسة بشرق العاصمة البريطانية ان تهريب المخدرات داخل السجون البريطانية أهم ما يقلق حراس تلك السجون. وأضاف القيادي الأصولي إن إدارة السجن رغم تفتيش الزوار بالكلاب البوليسية، إلا أنها كانت تمنع مهربي وتجار المخدرات المحتجزين من تقبيل زوجاتهم لأن عملية تبادل كبسولات الكوكايين كانت تحدث عبر الفم، مشيرا إلى أن ادارة السجن عندما كانت تشتبه في استلام تاجر المخدرات لعبوة كوكايين مغلفة بالبلاستيك كانت تجبره على تناول مواد مسهلة لافراز ما في معدته. وتطورت عمليات تهريب المخدرات عبر البلع الى زرع المتفجرات داخل الجسم في أفلام أميركية مثل "باتمان" و "أولاد الحرام" وهو عبارة عن خطة انتحارية لاغتيال الزعيم النازي هتلر، وأخرى استخدم فيها المتفجرات السائلة. الى ذلك قلل اللواء فؤاد علام، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق في مصر، في اتصال هاتفي أجرته معه “الشرق الأوسط “ من اعتماد الإرهابيين على الأفلام الغربية في استنباط الأفكار الجديدة في عالم الجريمة، وقال : “هناك حرب دائرة بين هؤلاء المخربين والإرهابيين والأمن، والكل يسعى إلى تطوير أفكاره”. وأشار إلى أنه في الحلقات الأصولية هناك من يفكر ويستنبط لهم الأفكار الجديدة، موضحا "أن زرع المتفجرات داخل الجسم تطور عن طريق تهريب عبوات الكوكايين داخل الجسم، ولكن الاخيرة لها مدى زمني معين حتى لاتنفجر داخل الجسم، ولكن بالنسبة لزرع عبوة متفجرة في مكان حساس بالجسم قد لا يستغرق ساعات عدة وتعتمد على حركة الشخص". وقال علام إن الإرهابيين يطورون أنفسهم بشكل مستمر نتيجة لجهود أجهزة الأمن في كشف كل جديد، ولهذا قاموا باستحداث وضع المتفجرات في فتحة الشرج، وهو أسلوب مستوحى من تجارة المخدرات والمهربين الذين كانوا يضعون ما يريدون في فتحة الشرج للهرب من التفتيش ومن أجهزة كشف المواد المخدرة داخل السجون وعند عبور المطارات. وأوضح الخبير الأمني أن المواد التي يمكن أن توضع في فتحة الشرج هي مادة “تي ان تي” شديدة الانفجار، ومادة البارود التي توجد داخل الطلقات. وحول المدة التي يمكن أن تظل فيها المادة المتفجرة داخل الجسد، أكد أنها تتراوح بين ساعة و24 ساعة، حسب المادة المتفجرة ودرجة كثافتها وقوة تحملها للضغط داخل الجسم وقوة تحمل الشاب الذي يضعها في مؤخرته حتى لا تتحرك وتخرج، حيث ينبغي ألا تحدث حركات فجائية كثيرة.

وحول الطريقة التي تزرع بها المتفجرات، أكد علام أنها توضع داخل أنبوب بلاستيك يمنع تفاعلها مع أجهزة الجسم الداخلي حتي لا يتأثر الجسم بها وتحدث له متاعب، أو يحدث أي تفاعل بين المواد المتفجرة والسوائل الموجودة داخل الجسد وتتأثر المواد المتفجرة ولا يحدث التفجير، ولهذا يتم اختيار الانبوبة من نوع خاص من البلاستيك يتحدد طوله حسب الهدف من العملية وحجم التفجير المراد إحداثه، وهو تكتيك جديد على الإرهابيين ستقوم أجهزة الأمن بالتعامل مع، مشيرا إلى أنه لا يوجد أي مكان آخر في الجسم يصلح لزرع المواد المتفجرة سوى فتحة الشرج، أما غير ذلك فيتم زرع العبوات خارج الجسم، أو مثلما حدث في بعض التفجيرات الساذجة مثل وضع عبوات ناسفة حول الذراع أو القدم ولفّ الجبس حولها وكأنها يد أو قدم مكسورة

* شارك في الموضوع محمد عبده حسنين - وحدة أبحاث الشرق الأوسط