جدل في المغرب حول الزي الموحد للتلاميذ.. والآباء يتذمرون من ارتفاع سعره

خبراء يعارضونه لأنه يربي الأطفال على «الرؤية الموحدة»

تلاميذ وتلميذات إحدى مدارس مدينة الرباط، يرتدون الزي المدرسي (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

الزي المدرسي الموحد ليس طارئا على المغرب، بل عرفته بعض المدارس على قلتها، في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي، بتوجيه من الحركة الوطنية التي كانت تشرف يومئذ على مجموعة من المؤسسات التربوية إبان الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي. وعزا أحمد لحريزي، أحد قدماء المقاومين، ذلك إلى أن الحركة الوطنية كانت ترى في تعميم اللباس المدرسي، رغم ضيق ذات اليد، توحيدا في الأسلوب التربوي من أجل تحقيق الهدف الرامي إلى تحرير البلاد واستقلالها، مشيرا إلى أن ارتداء الزي المدرسي في ذلك الوقت لم يكن إجباريا، بقرار من الوزارة المشرفة على القطاع، كما هو عليه الحال الآن، بل كان تلقائيا، وغير مفروض، وحسب الإمكانيات المادية المتاحة للآباء، في وقت كانت فيه البلاد تكافح ضد الهيمنة الأجنبية.

وتتحكم اليوم في تحديد أثمان الزي المدرسي عوامل كثيرة، وفي هذا السياق يقول مصطفى حسوني، خياط، إن من بين هذه العوامل نوعية القماش، ومقياسه، وطريقة تفصيله، وحجمه، والمواد الخام المستعملة فيه، مشيرا إلى إن الكثيرين من أولياء أمور التلاميذ والتلميذات باتوا يفضلون شراء الأزياء المدرسية الجاهزة ربحا للوقت، مضيفا أن الأسعار تتراوح مابين ثلاثمائة وأربعمائة درهم مغربي (من 37 دولارا إلى 47) للزي المدرسي الواحد، في حين لا يتجاوز ثمن الوزرة المدرسية مائة وخمسين درهما على أبعد تقدير (18 دولاراً).

وغالبا ما يتشكل الزي المدرسي، من قميص ومعطف وسروال، تتنوع ألوانه، وفقا لاختيار كل مؤسسة تربوية، بين الأزرق السماوي، والأسود، والأبيض (بالنسبة للقميص والوزرة) والوردي، وهذا الأخير ينصح به عادة التلميذات الصغيرات، مما يجعل من الشوارع تبدو خلال فترة الخروج من المدارس، كأنها مهرجان مفتوح يعج بالألوان.

ويعبر بعض الآباء أحيانا عن تذمرهم من أن الزي المدرسي يشكل عبئا ثقيلا عليهم، عند كل دخول مدرسي جديد، يضاف إلى الأعباء الأخرى التي تفرضها الضرورات والحاجيات اليومية، ناهيك عن شراء الأدوات المدرسية، ودفع الرسوم المدرسية، خاصة أن ذلك يأتي عقب عطلة مثقلة بتكاليف السفر، لا سيما وسط عائلة كثيرة الأبناء.

وفي سياق ذي صلة، قال مصطفى الشناوي، رئيس جمعية آباء تلاميذ وتلميذات إعدادية «المحيط» المختلطة بالرباط لـ«الشرق الأوسط»، إن بعض أولياء أمور تلاميذ هذه المؤسسة التربوية اشتكوا من غلاء اللباس المدرسي، لكونه ليس في طاقتهم المادية، وتفهمت إدارة المدرسة وضعيتهم، ولم تلزم التلاميذ بارتداء الزي المدرسي الموحد، لغلاء تكلفته، موضحا أن التلميذات وحدهن في الإعدادية يلبسن الوزرة المدرسية، التي لا تكلف كثيرا بالمقارنة مع اللباس المدرسي الموحد. وبدوره، أوضح الحاج محمد بلمكي، رئيس مصلحة الموارد البشرية بنيابة وزارة التربية الوطنية بمدينة سلا، المجاورة للرباط، أن المستوى المادي للآباء يلعب دورا أساسيا في مدى الالتزام بالقدرة على شراء أكثر من لباس واحد، كبديل ليتسنى للتلميذ تغييره في حالة اتساخه، داعيا إلى أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار، بالنظر للوضعية الاقتصادية والاجتماعية لأولياء أمور التلاميذ.

وأكد بلمكي أن الزي المدرسي الموحد «يوحي بالاحترام، ويضفي على التلميذ مسحة من الرونق والبهاء تشير إلى هويته كطالب علم ومعرفة، ومن هنا فإنه يكتسي أهمية خاصة لا بد من إيلائها العناية اللازمة بها، في سياق البعد التربوي، مما يدعو إلى عدم التهاون في تطبيق القرار الوزاري الخاص بهذا الموضوع»، حسب تعبيره.

وتفرض إدارات المدارس العمومية تعليمات صارمة في تفعيل قرار وزارة التربية بخصوص الزي المدرسي دون إبداء أي تساهل عند تجاوز عتبة الدخول، بيد أن بعض تلميذات مؤسسات التعليم الثانوي بالخصوص، يحاولن ما أمكن تجنب الالتزام بارتداء الوزرة المدرسية، التي تخفي تحتها ما يرتدينه من ثياب، فما أن يغادرن بوابة الثانوية عند الخروج، حتى يطوينها، ثم يخفينها داخل الحقيبة، كأنهن يتحررن من قيد كان يعرقل حركاتهن أو خطواتهن.

وبررت لمياء، طالبة بإحدى ثانويات الرباط، بأن السبب يكمن في رغبة زميلاتها في التعبير عن ذواتهن، وذلك باستعراض ما يرتدين من ملابس عصرية حديثة للفت الانتباه، لاسيما في هذه الفترة من أعمارهن، والتي تتزامن مع فترة المراهقة بكل تحولاتها الجسدية والمظهرية.

فيما أوضحت زميلتها سعيدة أن بعض رفيقاتها يردن التباهي بما يكتسبنه من قوام رشيق، تحول الوزرة المدرسية، في نظرهن، دون تبيان قسماته، ومنهن من ترغب أن تبدو أكبر من سنها، ولذلك تتخلص من وزرتها المدرسية عند أقرب زقاق، بوضعها وسط كتبها، حتى إذا اقتربت من البيت العائلي عادت لارتدائها، تحاشيا لنظرات الأب.

وتختلف الآراء بشأن اللباس المدرسي الموحد، هناك من يرى في فرضه من طرف وزارة التربية والتعليم، بأنه يحد من انتشار ظاهرة التفاوت الطبقي وسط التلاميذ، بما يشكله من انعكاسات سلبية على نفسيات المتمدرسين الذين قد لا تسمح ظروف أولياء أمورهم بمجاراة الآخرين في ارتداء ألبسة قد تكون بعيدة عن متناولهم، اعتبارا لقلة ومحدودية إمكانياتهم المادية.

غير أن باحثا وكاتبا مغربيا مختصا في أدب الطفولة، هو العربي بنجلون، يتبنى رأيا مخالفا، ولذلك يقول في هذا السياق «لا أعتبر الزي المدرسي الموحد في المغرب، يشكل تفاوتا طبقيا، ولم يكن هذا عاملا في فرضه، وخصوصا في الشمال، الذي ما زالت الكثير من مدارسه تعمل به، لأن اقتناء الملابس العصرية والجيدة، لم يعد مشكلة مادية بالنسبة للأسر المحدودة الدخل، وأحيانا تأتي الملابس المستعملة من أوروبا بأثمنة بخسة وأفضل حتى من الملابس الجديدة. إلا أن البعض يحصر دواعي ذلك في انشغال الطفل بالمظاهر والتباهي والتفاخر، بدل الاهتمام بالدراسة، ويرى أن الزي الموحد دواء لهذه الظاهرة».

ويؤكد بنجلون «أننا إذا كنا نعتبر التعليم عاملا أساسيا في تربية الطفل على الحرية وتحمل المسؤولية والاعتماد على النفس، فإن الزي الموحد يحد من هذه الإيجابيات بطريقة غير مباشرة، أي يربي الطفل على النموذج الواحد، والرؤية المحدودة، بدل حرية الاختيار، وتربية الذوق، ويفقده عنصر المبادرة، والعناية بالمظهر».