أفغانستان.. الوجه الآخر ـ الحلقة (6) : المتحدثون بالعربية الأفغان العمود الفقري لإدارة الدولة

رئيس تشريفات الملا عمر وقضاة المحكمة العليا وزعيم المجاهدين من خريجي الأزهر.. وكبار مسؤولي الخارجية الأفغانية درسوا في السعودية

مجموعة من العلماء الافغان من المتحدثين بالعربية في مسجد الموفق هراتي القريب من شارع شهرانو في حفل قدوم شهر رمضان الكريم («الشرق الاوسط»)
TT

تُعتبر اللغة العربية قريبة إلى ثقافة عموم الأفغان من عدة نواحٍ، فهي لغة القرآن والدين, والشعب الأفغاني متمسك بكل ما ينتمي إلى الدين والشريعة, وبالتالي فهناك رغبة جامحة في تعلم اللغة العربية, وهناك اليوم في العاصمة كابل العشرات من المسؤولين الحكوميين والوزراء الذين يجيدون اللغة العربية, مثل الشيخ محمد صديق تشكري وزير الحج والأوقاف والإرشاد وهو خريج من المدينة المنورة, ووزير التجارة شهرستاني, وآصف نانج المتحدث باسم وزارة التعليم وهو خريج جامعة أم القرى بمكة المكرمة, والشيخ يونس قانوني رئيس البرلمان الأفغاني وعباس شيرو مدير مكتبه وهو خريج جامعة أم القرى أيضا, ومولوي قاسم حليمي خريج الأزهر, والشيخ خليل حناني من كبار مسؤولي حملة عبد الله عبد الله منافس الرئيس كرزاي، والشيخ حناني من خريج جامعة أم القرى أيضا, ونائب قاضي القضاة الأفغاني أو نائب المفتي الدكتور عبد الجليل كاموي وهو أزهري التعليم، وفي الخارجية الأفغانية أكثر من مسؤول من خريجي السعودية, مثل زكي بشيري وأسد الله حنيف.

والشيخ عبد الرب رسول سياف رئيس الاتحاد الإسلامي الأفغاني من مواليد مدينة بغمان بولاية كابل سنة 1944, وهو من خريجي الأزهر، ويتحدث العربية بطلاقة، وفي مجلسه يتحدث دائما عن ذكرياته في شوارع المعز لدين الله، وكانت التسمية الأولى لسياف هي عبد الرسول وهو اسم ينتشر بين الأفغان، لكنه عندما درس في مصر واختلط بالعرب تدارك الأمر وعدل اسمه إلى عبد رب الرسول سياف, وحصل سياف على درجة الماجستير في الحديث الشريف من جامعة الأزهر، بعد أن كان قد تخرج في كلية الشريعة في العاصمة الأفغانية كابل أيام حكم الملك ظاهر شاه. وانضم سياف إلى الحركة الإسلامية مبكرا ثم صار بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان من ألمع قادة المجاهدين وأشهرهم خصوصا في العالم العربي لما تمتع به من طلاقة لسان في اللغة العربية. واحتفظ بتنظيم الاتحاد الإسلامي بعد أن كان هذا الاسم يشمل جميع تنظيمات الجهاد التي دخلت في اتحاد عام 1983، ثم ما لبث أن انفضّ ليخلفه بعد ذلك اتحاد آخر لكنه ظل هشا إلى أن دخل المجاهدون إلى كابول بعد سقوط الحكومة الشيوعية عام 1992. وشارك سياف في الحرب الأهلية بعد دخول المجاهدين إلى كابل مرغما حيث اضطر لعدة سنوات إلى خوض معارك مع حزب وحدت الشيعي خصوصا في غرب العاصمة كابل، ثم انضم إلى صفوف تحالف الشمال عندما سيطرت حركة طالبان على أغلب مناطق أفغانستان. بعد سقوط طالبان عاد سياف إلى منطقته بغمان قرب كابل وظل يشارك بفعالية في الحراك السياسي الأفغاني وكان له دور بارز في تذليل الخلافات بين الفرقاء في اجتماعات اللوياجرغا التي انبثق عنها الدستور الأفغاني في بداية عام 2004. يقول سياف إنه لا يسعى إلى أي منصب حكومي تنفيذي، وهو من مؤيدي الرئيس كرزاي في الانتخابات الرئاسية، وفي جلسة خاصة حضرتها «الشرق الأوسط» بمنزله في الصباح الباكر بعد الانتخابات بيومين وأمام أطباق كبيرة من الفاكهة من العنب والمشمش وقطع الشمام والبطيخ المثلجة, وبحضور عدد من معاونيه, ووزير الحج الأفغاني تشكري, تحدث الشيخ سياف عن ذكرياته في سنوات الجهاد في بيشاور وأفغانستان وكشف عن كثير من الأمور, ربما أبرزها أن «طالبان صنيعة باكستانية» أشرف على ولادتها المخابرات العسكرية الباكستانية, وقال إن الزمن لم يحن بعد لكتابة مذكراته، وقال إنه انعزل عن الصحافة لأكثر من 12 عاما, ولو تحدث بما في قلبه وعقله فربما ستثور فتن. وقال إن المجاهدين أسقطوا الروس وطردوهم من أفغانستان, ولكن العالم لا يسمح للمجاهدين بالحكم. وتخوف إذا ما كشف عن أسرار سنوات الجهاد, وعن الأيدي الخفية التي أسهمت في اغتيال الشيخ عبد الله عزام أن يحدث كثير من الفتن, رغم أن مقتل عزام مر عليه نحو 20 عاما. وأوضح أنه حذر أحمد شاه مسعود قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول) من الانتحاريَّين العربيَّين اللذين اغتالاه بكاميرا مفخخة, وطلب منه أخذ الحذر, لأنه التقى الشابَّين العربيَّين ويشك في نواياهما, لكن الحذر لا ينفع مع القدر. وتحدث الشيخ سياف وكأنه كتاب مفتوح عن أيامه الحلوة في القاهرة التي ما زال يحن إليها, منذ أغسطس (آب) 1972, ومشاهدته لاحتراق الأوبرا، وأساتذته الأزهريين الذين تتلمذ على يديهم, مثل الشيخ محمد السماحي, وأمين التاجي، والسيد ندا في كلية أصول الدين, وكذلك المشايخ الذين التقاهم, مثل الشيخين حسن الهضيبي ومحمد قطب.

أما الصحافي الأفغاني محمود عبد الرحمن فهو من خريجي الجامعة الإسلامية في العاصمة إسلام آباد ومن الذين يجيدون الحديث بلغة الضاد, فيقول: «يكفيني ولله الحمد أنني أستطيع قراءة مصادر الإسلام بلغة الإسلام نفسها، والعربية جعلتني أفهم الدين كما هو دون تحريف ومزايدة من أحد، ومنذ تخرُّجي تعمقت في قراءة الكتب الفكرية باللغة العربية, إلى ذلك باتت اللغة العربية باتت مصدر رزقي من خلال العمل في مجال الصحافة والإعلام. والصحافي الأفغاني محمود عبد الرحمن من نورستان وهو خريج الثانوية العامة مدرسة أبو حنيفة كابول عام 1990, ثم معهد الإمام أبي حنيفة للغة العربية باكستان عام 1994, ثم حصل على ليسانس من كلية اللغة العربية وآدابها من الجامعة الإسلامية العالمية إسلام آباد عام 1999. ويفيد محمود عبد الرحمن قربتني لغة الضاد إلى ثقافة العرب السمحة والواسعة، وكانت سببا في توسيع العلاقات مع أناس طيبين في الوطن العربي الكبير. أما مولوي قاسم حلمي رئيس تشريفات الملا عمر خريج الأزهر الذي احتُجز في سجن قاعدة باغرام لمدة عام وحُرم من ارتداء العمامة داخل السجن الأميركي وهو شيء صعب على نفس أي أفغاني, فيُعتبر اليوم صمام الأمن في مكافحة الفساد الإداري في المحاكم الأفغانية, بعد أن تصالح مع الحكومة، وهو يشغل حاليا منصب كبير الخبراء ومفتشي المحكم العليا (سترة محكمة) والنائب عن رئيسها الدكتور عبد السلام عظيمي.

وأول لقاء مع الشيخ حليمي كان عام 2000 عقب وصولي من الرحلة الشاقة عبر الطريق البرى من طورخم إلى كابل العاصمة الأفغانية فقال لي في مدخل الخارجية المصرية وكان يضع على رأسه عمامة سوداء بخطوط بيضاء رفيعة, وكانت لحيته طولها أكثر من أربع قبضات, بلهجة مصرية: «أهلا وسهلا بأم الدنيا». أزالت تلك الكلمات عناء الطريق الصخري غير المعبَّد الذي يبلغ طوله ما يزيد عن 550 كيلومترا, قلت له: «أين تعلمت العربية؟» قال: «في الأزهر الشريف، وهناك غيري الكثير من الذين يجيدون العربية من دارسي كليات الأزهر، وهم في مواقع قيادية بالخارجية الأفغانية». والتقيت مولوي محمد قاسم حلمي في بهو فندق «إنتركونتننتال» أكبر فنادق العاصمة الأفغانية أيام طالبان وهو فندق كبير به 200 غرفة ولكن نسبة الإشغال فيه كانت لا تتعدى 15 في المائة, وفي حاجة ماسّة إلى إصلاحات شاملة، عندما دخلت الغرفة رقم 106 استرعى انتباهي عدم وجود راديو أو تليفزيون مع كثرة سجاجيد الصلاة في الغرفة, وكذلك وجود شمعة على الكمودينو بجوار السرير لكثرة انقطاع التيار الكهربي, أما اليوم فإن فندق «إنتركونتننتال» من المعالم السياحة في العاصمة كابل.

«الشرق الأوسط» ذهبت إلى مقر المحكمة العليا في الصباح الباكر للقاء حليمي الشهر الماضي، وحليمي خريج كلية الشريعة بجامعة الأزهر، وعندما التقته «الشرق الأوسط» قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 20 أغسطس (آب) الماضي لاحظت «الشرق الأوسط» أنه تخلى عن العمامة السواء أو السوداء المخططة بخيوط بيضاء, لصالح «الباكول»، وبدا حليمي أكثر اهتماما بتهذيب لحيته، التي كان طولها أكثر من ثلاث قبضات عندما كان يشغل مسؤولية مدير البروتوكول للملا محمد عمر, بل إنه يرتدي اليوم البدل الحرير من الموهير, وقل وزنه قليلا وبدا أكثر صحة ولياقة وشبابا, واعتذر لـ«الشرق الأوسط» لأنه بصدد الذهاب إلى دبي في اليوم التالي من أجل إجراء فحوصات طبية وضبط الكولسترول.

وقضى الشيخ حليمي في سجن المخابرات الأفغانية 15 يوما قبل ترحيله إلى قاعدة باغرام الأميركية، يوم 19 يناير (كانون الثاني) 2002، وأُطلق سراحه من القاعدة الأميركية بالتحديد يوم 17 يناير (كانون الثاني) 2003. وفي قاعدة باغرام التقى حليمي الشيخ وكيل متوكل وزير خارجية طالبان وكان يعيش معه في زنزانة واحدة، وكذلك التقى عبد السلام ضعيف سفير طالبان السابق في إسلام آباد قبل الإفراج عنهم. ويتنقل حلمي اليوم في سيارة «لاند كروز» بصحبة سائق حارس يحمل الكلاشينكوف, وهو يباعد بين نفسه وبين الحديث في أمور وهموم السياسة، إلا أنه أكد أنه سيحضر للتصويت في الانتخابات دون أن يكشف أنه سيصوت للرئيس حميد كرزاي وهو بشتوني مثله. ويتواصل حليمي مع أصدقائه القدامى مثل الشيخ وكيل متوكل وزير خارجية طالبان الذي قضى معه أكثر من عام في زنزانة واحدة بسجن باغرام، وعبد السلام ضعيف سفير طالبان في إسلام آباد, الذي اعتُقل وقضى نحو أربع سنوات في سجون باغرام وقندهار وغوانتانامو، وكلاهما يعيش في حي خوشحال خان بغرب العاصمة كابل». وكشف الشيخ حليمي وقتذاك أن خريجي الأزهر هم العمود الفقري لموظفي خارجية طالبان. ولا يعتبر حليمي نفسه اليوم أكثر حرية وسعادة في ظل النظام الجديد, بل يقول: «الإسلام هو دين الحرية، وأنا منذ مرحلة الصبا وحتى الآن مقيد في حياتي اليومية بأصول وقواعد الإسلام الحنيف، سواء كنت في إدارة البروتوكول التي تتطلب مميزات خاصة في التعامل مع الضيوف، أو خارج تلك الوظيفة, في المحكمة العليا أو خلال جولاتي بالمدن الأفغانية, المهم هو التأدب بآداب الإسلام والالتزام بحدوده في الحياة اليومية عند التعامل مع الآخرين». وعن بدء اهتمامه باللغة العربية قال الشيخ حليمي: «تعلمت اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم ومن دونها لا يستقيم الدين ولا يشتد عوده، فمع دراستي للقرآن والسنة النبوية المطهرة في بيت الهجرة الباكستاني، ومدرسة علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وبعد أن حصلت على الثانوية العامة سافرت إلى القاهرة في يونيو (حزيران) 1991، وهناك بدأت رحلتي مع ذكريات ستظل محفورة في ذهني. ظللت أدرس اللغة العربية لمدة عام كامل مع زميل أفغاني جاء معي من كابل اسمه عبد الله عبد الغفور، وتلقيت الدورة التدريبية في ميدان السبع عمارات بمصر الجديدة بجانب متجر عمر أفندي، وأعتقد أنه ما زال موجودا حتى اليوم. ثم انتقلت إلى المعهد الأزهري في العصافرة بمدينة الإسكندرية مع أصدقاء أفغان زملاء في الدراسة، وفي يوم 21 يونيو (حزيران) 1993 التحقت بكلية الشريعة الإسلامية التابعة للأزهر الشريف، وفيها درست وحصلت على البكالوريوس في أصول الفقه الإسلامي. والتحقت بعد ذلك بدورة الأئمة، وهي دورة تدريبية للوُعّاظ والدعاة، استغرقت نحو 3 أشهر، وكان دخولي فيها بتوصية من نجل الشيخ الشعراوي، رحمة الله عليه، ومدير جامعة الأزهر، الدكتور أحمد عمر هاشم، وتلك الدورة أهَّلتني لإلقاء الخطب والدروس في مسجد عمر بن الخطاب بوسط كابل». وعن الألقاب التي تقلدها أيام طالبان وبعد ذلك قال: «كنت وما زلت المولوي محمد قاسم حليمي، بنفس اللباس ونفس الاسم ونفس العمامة، ويمكن أن تناديني مولوي، أو شيخ حليمي كما تحب. الملا يعني خريج الثانوية الدينية أو ما يعادلها من العلوم الشرعية، أما المولوي فهو خريج كليات الشريعة أو ما يعادلها من دراسة العلوم الإسلامية الجامعية», مشيرا إلى أن «العمامة ليس لها معنى خاص، فهناك عمامات سوداء وأخرى مزينة بخطوط بيضاء وثالثة بيضاء خالصة. لا أريد أن أكون مقيدا بلون خاص للعمامة، وأرتدي العمامات من جميع الألوان وأحيانا باللون الأخضر. والشيخ حليمي هرب فجرا من العاصمة كابل عقب سقوط في آخر يوم بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، واتجهنا بالسيارات مع آخرين إلى منطقة لوغر الجنوبية ومنها إلى إحدى الدول المجاورة. لقد خرجت لأسباب عدة وعدت بعد ثلاثة أشهر إلى أفغانستان بحثا عن زوجتي وطفلي، وتقريبا عدت بعد تولي الرئيس حميد كرزاي الحكم، فاعتقلوني عند أحد المفارق الأمنية. ويتنقل الشيخ حليمي بكل حرية ولا يحظى بإجراءات أمنية خشية تعرضه لأذى من طالبان، التي قد تعتقد أنك تعاونت مع الحكومة, ويقول: «أفغانستان بلدي، ولي الحق أن أعيش وأن أعمل تحت راية القوانين الإدارية المطبقة على جميع الأفغان، وأن أخدم بلدي والدين الإسلامي الحنيف. ولا أعتقد أن طالبان يمكن أن يكونوا ضدي، ولا أحس بأي خطر يتهدد حياتي». وعن أصعب لحظة في حياته يقول الشيخ حليمي: «قبل أن تسلمني المخابرات الأفغانية من سجن كابل طلبوا مني خلع البدلة الزرقاء وارتداء البدلة الحمراء تمهيدا لتسليمي إلى معسكر باغرام. شعرت بأن هذا سيكون آخر يوم في حياتي، وأن البدلة الحمراء تعني الإعدام، فنطقت بالشهادتين وطلبت منهم أن أصلي ركعتين قبل تنفيذ الحكم. صليت وكنت أشعر بأنني على شفا الموت. كنت أدعو الله في الركوع بالرحمة والمغفرة، وأن يكفّر جميع سيئاتي، لكن الله نجّاني ونقلوني إلى باغرام، حيث كان جميع السجناء يرتدون البدلة الحمراء. لقد ارتبط لون البدلة الحمراء في ذهني بالسنوات التي عشتها في مصر، حيث كان يرتدي المدانون بالإعدام بدلات من هذا اللون». وعن أحلامه وطموحاته يقول الشيخ حليمي: «أنا اليوم في منتصف الرابعة والثلاثين من العمر، وأحلامي أن تكون دولة أفغانستان إسلامية ومستقلة ومتقدمة في جميع مجالات التقنية الجديدة. أنا لا أحلم بالمناصب الكبيرة، لكنني أحلم بإعمار بلدي أفغانستان. أما نائب قاضي القضاة الأفغاني الدكتور عبد الجليل كاموي في مقر المحكمة العليا، التي يطلق عليها بالبشتو «سترة محكمة»، المطلة على حي وزير أكبر خان مقر السفارات الغربية في العاصمة كابل، فمكتبه مرتب بعناية بالغة، وهو من خريجي الدراسات العليا بجامعة الأزهر، بعد أن حصل على ليسانس العلوم الشرعية عام 1989 من جامعة الدعوة والجهاد في باكستان, وهو رجل عصري يرتدي بدلة وربطة عنق حريرية، يتحدث بصوت خافت بلغة عربية صحيحة، وكشف الدكتور عبد الملك أن تزكية مكتوبة من برهان الدين رباني، رئيس أفغانستان حتى عام 1996، إلى سفارة مصر في العاصمة إسلام آباد، وهو من خريجي الأزهر أيضا ودارس للفلسفة الإسلامية، أمنت له بعثة جامعية إلى القاهرة عام 1990. وخلال 12 عاما قضاها الدكتور كاموي في القاهرة، حصل على درجتَي الماجستير والدكتوراه من كلية الدعوة والقانون بجامعة الأزهر، حيث كانت أطروحته لنيل درجة الدكتوراه تحت عنوان «الاسترداد وأثره في عقود المعوضات». وتولي الدكتور عبد الملك عددا من الوظائف المهمة بعد وصوله إلى كابل من القاهرة عام 2002، قبل توليه منصب نائب قاضي القضاة الأفغان، منها مشاركته في صياغة الدستور الأفغاني، ثم الرئيس العام للهيئات القضائية والمشرف العام على شؤون انتخابات رئاسة الجمهورية. وبين رشفات الشاي الأخضر كان الدكتور عبد الملك يستعيد ذكرياته في القاهرة، بالحديث عن مدينة البعوث الإسلامية التي كان يقيم فيها بحي الدرّاسة، وأطباق الكشري والفول والطعمية وورق العنب والملوخية بالأرانب، التي يعشقها وكذلك البسبوسة والكنافة، وما زالت ذاكرته حية بأسماء مطاعم الكشري في حي الحسين وشارع عماد الدين والمهندسين، وقهوة الفيشاوي أمام مسجد الحسين التي كان يجلس عليها مع أقرانه الأفغان والمصريين. ويقول: «لم أكن أشعر بغربة في أم الدنيا، بل كان المصريون يعتقدون أنني مصري مثلهم». وعن الدستور الأفغاني الذي شارك في إعداده قال عبد الملك إنه يراعي في الأساس الشريعة الإسلامية، كمصدر أساسي للتشريع والقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد والعرف الأفغاني.

ورجع الدكتور عبد الملك كاموي الفساد الإداري المنتشر في أفغانستان إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار بسبب حروب المجاهدين، التي أعقبت الانسحاب الروسي من أفغانستان. وأشار إلى أن تلك الحروب تركت أثرها في البنية التحتية للبلاد، وأضرت كثيرا بأجهزة الأمن. واعتبر أن حروب المجاهدين منذ وصول الرئيس رباني إلى السلطة حتى سقوط حكومته في كابل بيد طالبان في سبتمبر (أيلول) 1996، شهدت أفغانستان في تلك الفترة حروبا ومعارك مدمرة بين جميع الفصائل الجهادية، وشهدت العاصمة أسوأ أيامها إطلاقا، وتدمر أكثر من 60 في المائة منها خلال هذه المعارك، وهناك الكثير من المباني بالقرب من قصر أمان الله ذي الطراز المعماري الإيطالي الفريد عام 1919، الذي دُمّر هو الآخَر عن بكرة أبيه شاهدة على عنف المجاهدين، وقتل أكثر من عشرة آلاف شخص في كابل العاصمة وحدها، وعمت البلاد الفوضى، وانتشرت ثقافة لوردات الحرب وعدم الأمن. واعترف بوجود قضاة مرتشين في أفغانستان يتم التحقيق معهم بعد الحصول على إذن خاص من رئيس الجمهورية قبل عزلهم بسبب تراكم الفساد الإداري، إلا أنه أشار إلى أن خطوات الإصلاح قد بدأت بالفعل في أفغانستان ويتطلب ذلك زيادة مرتبات القضاة وضباط الشرطة وتأمين حياة كريمة لهم.

* غدا.. نخب كابل .. يعيشون في بيوت فخمة وخلف نوافذ مضادة للرصاص