عراقيون مستاؤون من شركة نفط صينية للتنقيب عن البترول.. قالوا إنها تتجاهلهم

شكوا من استقدام صينيين للعمل في حقل الأحدب.. وبعضهم بدأ بالتمرد

TT

عندما وقّعت أكبر شركة بترول في الصين أول عقد تنمية حقول بترول في فترة ما بعد الغزو في العام الماضي، اعتبرت الصفقة اختبارا لرغبة العراق في فتح صناعة كانت في السابق محظورة على الاستثمار الأجنبي.

وبعد عام، عثرت شركة البترول الوطنية الصينية على بترول في حقل الأحدب في محافظة واسط جنوب شرق بغداد. وعلى الرغم من أن العلاقة بين الشركة والحكومة العراقية تسير على ما يرام، فإن وجود شركة أجنبية ذات موارد كبيرة تحفر بحثا عن البترول في تلك المنطقة الريفية الفقيرة في العراق أثار موجة من الاستياء هناك.

ويقول محمود عبد الرضا رئيس مجلس محافظة الواسط، التي خفضت الحكومة ميزانيتها إلى النصف في العام الماضي نظرا لانخفاض أسعار البترول العالمية: «لا نحصل على شيء مباشرة من الشركة الصينية، ونواجه معاناة. فتوجد أزمة بطالة ونحتاج إلى طرق ومدارس ومحطات معالجة مياه. نحتاج كل شيء».

وكانت النتيجة هي ظهور حركة دفاع عن الحقوق المحلية، وهو أمر غير عادي في دولة كانت المعارضة السياسية فيها في الماضي تحمل خطر الموت. وقد بدأت الحركة في الأشهر القليلة الماضية في المطالبة بتخصيص دولار واحد على الأقل عن كل برميل للبترول يستخرج من حقل الأحدب من أجل توفير مياه نظيفة وخدمات صحية ومدارس وطرق مرصوفة واحتياجات أخري في المحافظة، التي تعد من بين أفقر المحافظات العراقية.

وتمتد موجة الاستياء إلى خارج المحافظة أيضا. وقد وصلت حالة الإحباط إلى وقوع عمليات تخريب وتخويف لعمال البترول الصينيين، مما حول حقل الأحدب إلى قصة تحذيرية لشركات البترول العالمية التي تسعى إلى الاستفادة من مخزون البترول العراقي الكبير.

ولاعتماد العراق الكبير على عائدات البترول، فإن أي تردد دولي من شركات البترول في الاستثمار يعني أعواما من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد. وتذهب جميع أرباح البترول مباشرة إلى الحكومة في بغداد، وتعد أساسا للميزانية الوطنية.

وقد رفضت الحكومة العراقية مطالب السكان المحليين حتى الآن، ولكن من الواضح أن الناس هنا بدأوا في الشعور بأن هناك شيئا جديدا ممكنا.

يقول غسان علي، المزارع الذي يبلغ من العمر 43 عاما ويعيش بالقرب من حقل البترول: «لم يكن أحد ليجرؤ أن يطلب شيئا مثل ذلك في فترة نظام صدام. وإذا فعل، فكان سيتم إعدامه بالتأكيد. ولكننا الآن في دولة ديمقراطية، ولدينا الحق في المطالبة بحقوقنا مثل أي محافظة أخرى في العراق».

وتأتي الشكاوى على أساس أنه، بعيدا عن تعيين عدة مئات من السكان كعمال وحراس أمن برواتب تقل عن 600 دولار شهريا، لم يحقق حقل الأحدب، المشروع التنموي الذي تقدر قيمته بـ3 مليار دولار، أي منفعة محلية.

وبدأ بعض المزارعين المحليين في الرد عبر تدمير مولدات الشركة وفصل الوصلات الكهربائية، وهم غاضبون لأنهم يعتقدون أن حقولهم تم تسليهما إلى الشركة بغير وجه حق. وبدأ سكان آخرون في التعبير عن الغضب لأن عددا قليلا للغاية من الوظائف متوفر لهم.

وذكرت شركة البترول الوطنية الصينية أنها تحتاج إلى عدد أقل من العمال نسبيا، لأنها ما زالت في مرحلة التنقيب في مشروعها الذي يستغرق مدة 23 عاما. وليس من المقرر أن يبدأ إنتاج البترول قبل عامين ونصف.

وفي الوقت الحالي، نادرا ما يغادر عمال الحقل الصينيون البالغ عددهم 100 أو أكثر مجمعهم خوفا من الاختطاف، كما ذكرت الشركة، على الرغم من أن الحكومة العراقية نشرت في الفترة الأخيرة قوات أمن إضافية في المنطقة.

ولكن انتقل غضب العراقيين إلى حركة عمال صريحة، تعرب عن مخاوفها بشأن حقوق العمال وسلطة الحكومة المحلية والتلوث وممارسات التعيين النزيهة والمحاسبة العامة، وقضايا أخرى.

وصرح غسان عطية، المدير التنفيذي لمؤسسة العراق للتنمية والديمقراطية، التي لا تستهدف الربح، بأن النشاط الناشئ في محافظة واسط جزء من تحول أكبر في مجتمع كان حتى وقت قريب يقاوم تلك المطالب بسبب أعوام من الدكتاتورية والعقوبات الاقتصادية والحرب والثقافة التي تفرض نفوذا قبليا قويا.

وقال عطية: «يوجد تحول اجتماعي في العراق سيستغرق أعواما ليكتمل. ولكن ما نراه هو ظهور نظام اجتماعي جديد، حيث يتحدى سكان الريف سكان الحضر الذين كانوا دائما ينظرون إليهم نظرة دونية».

وقد قللت الحكومة العراقية وشركة البترول الصينية من شأن التوترات الموجودة في محافظة واسط، قائلتين إنه بعيدا عن بعض الصعوبات الثانوية، تسير الأمور وفقا للخطة الموضوعة.

ولكن تأتي التوترات أيضا في فترة صعبة بالنسبة إلى صناعة البترول العراقية، والتي تصارع من أجل الوصول إلى مستويات الإنتاج في فترة ما قبل الحرب، وتستعد لعرض 10 حقول بترول للمناقصات أمام شركات عالمية في الخريف المقبل بعد أن نتج عن أول جولة من المناقصات على حقول بترول وغاز أخرى في الصيف الحالي توقيع عقد واحد فقط.

ويحتوي حقل الأحدب على مليار برميل بترول تقريبا، وهو رقم متواضع وفقا للمقاييس العراقية. وفي المقابل، يعد حقل الرميلة في جنوب العراق، الذي وقعت الشركة الصينية وشركة بترول بريطانية صفقة لتطويره في يونيو (حزيران) أكبر حقل في العراق، ويقدر إنتاجه بـ17.8 مليار برميل.

وذكرت الشركة الصينية أنها أعادت التفاوض بشأن عقد يرجع إلى عهد صدام حسين في الأحدب في شهر أغسطس (آب) الماضي، علما بأنها ستحصل على نسبة 1 في المائة من الأرباح.

ويقول هان رويمين نائب رئيس شركة «الواحة» للبترول، وهي المشروع المشترك في أحدب بين الشركة الصينية وشركة «تشين هوا» للبترول، ومقرها أيضا الصين: «كنا نريد أن نضع قدمنا على الباب. ونجحت استراتيجيتنا لأننا حصلنا على عقد آخر»، مشيرا إلى عقد رميلة.

ويحيط بحقل الأحدب مزارعون مستأجرون يعيشون في بيوت ضيقة من الطين دون كهرباء أو مياه جارية. وكانوا يأملون في أن ينهي وصول شركة البترول فقرهم.

وبدلا من ذلك، استعانت شركة البترول الوطنية الصينية بنحو 450 عاملا فقط، كثير منهم يعيشون خارج المحافظة، وفقا لما قاله سكان ومسؤولون محليون.

ويقول علي حسين رئيس مجلس المنطقة المحلي: «المشكلة هي أن الناس كانوا يتوقعون توفير آلاف فرص العمل، ولكنهم أدركوا أن الشركة تعتمد بصورة أكبر على الماكينات بدلا من البشر».

وقال حسين إن نطاق المعاناة المحلية شجعه على البدء في مناقشة الأمر مع الشركة الصينية بلغة صريحة. ولكن استمرت الصعوبات.

وفي بداية العام الحالي اشتكى المزارعون في المنطقة من أن معدات الشركة الكهربائية والأرضية، المستخدمة للمساعدة على تحديد أماكن الآبار التي يجب حفرها، تلحق أضرارا بمنازلهم الضعيفة ومحاصيلهم.

وفي الوقت ذاته تقريبا، قطع العديد من الخطوط الكهربائية التي كانت تمر عبر المزارع، أو تمت سرقتها، بالإضافة إلى مولدات باهظة الثمن ومعدات أخرى. وفي الربيع الحالي، أطلق صاروخ، على الرغم من أنه سقط دون أي أضرار. وقال هان إنه يعتقد أنه كان يستهدف قاعدة عسكرية أميركية قريبة، على الرغم من أن المزارعين المحليين قالوا إنهم يشكون في أن حقل الأحدب هو الهدف.

وقد يكون هناك المزيد من المتاعب في الطريق في الربيع المقبل، عندما يصل 1000 عامل صيني لبناء مصنع معالجة مركزي.

وقال هان إن تعيين عراقيين من أجل القيام بذلك العمل أمر غير وارد، موضحا: «ليس لدينا الوقت الكافي لتدريب السكان المحليين على القيام بذلك العمل».

وفي الوقت ذاته، يقول السكان المجاورون للحقل إنهم قلقون من أن يبتلعهم السعي إلى البترول ويتعدى على محاصيلهم.

ويقول غازي هويدي (39 عاما)، الذي يشترك حقل القمح الذي يملكه في المساحة مع معدات تنقيب عن البترول، إنه سعى للحصول على تعويض للضرر الذي لحق بمحاصيله، وتقدم أيضا بطلب وظيفة في شركة البترول. ولكنه لم يتلقَّ ردا على أي منهما. ويقول: «لقد أصبحت مزرعتي الآن أشبه بحقل البترول، ولم أحصل على شيء مقابل ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»