مطالب بإنشاء موقع إلكتروني مطور للإفتاء والاستشارات

لوقف فوضى قنوات الفتوى والاستشارات النفسية والاجتماعية.. المضللة عبر الانترنت

الموقع الرسمي للرئاسة العامة للإفتاء والدعوة والإرشاد ومطالب بتطويره ليكون أكثر فاعلية
TT

حذر خبراء وباحثون في مجال الانترنت من مغبة الانسياق خلف الفتاوى الدينية، والاستشارات النفسية والاجتماعية المختلفة عبر العديد من المواقع الالكترونية، والتي اعتبروها مضللة ومجهولة المصدر، في وقت تزايدت فيه حركة البحث عن الفتاوى والاستشارات في مواقع الشبكة العنكبوتية اختصارا للجهد والمال، فأفرز نشاطا في المواقع تحول بعضها إلى وجهة استثمارية أكثر منه تقديماً للخدمة.

وبين الدكتور فايز الشهري الباحث في شؤون الانترنت ومدير تحرير مجلة بحوث الأمنية لـ«الشرق الأوسط» أن حجم الجرائم الالكترونية ضخم جداً على البعد الدولي وتم تقديرها من مصادر في مؤتمر دافوس الأخير بـ تريليون جريمة شاملة نشر البرامج الضارة والجرائم المالية وجرائم الاحتيال والسرقة والتجسس والابتزاز والتشهير والتضليل وانتهاك الحقوق الفكرية وترويج البضائع الممنوعة أو المحرمة و المزيفة.

وشدد الدكتور سعود الكاتب، الباحث والمتخصص في شؤون الانترنت والإعلام الجديد لـ«الشرق الأوسط» على ضرورة تثقيف المستخدم حول كيفية التعامل مع مواقع الاستشارات الالكترونية والتمييز بين المواقع الهادفة من خلال التأكد من هوية القائمين عليها ومعرفة مدى مصداقيتهم، بالإضافة إلى ضرورة وجود أرقام وعناوين للاتصال بهم ، وأنه في حال تضرر المستخدم بإمكانه أن يتقدم بالشكوى للجهات المعنية خاصة وإن كان الموقع داخل بلده، ولكن إن كان خارجها هنا تكمن صعوبة الموقف لأن الرقابة ستكون صعبة، مؤكداً أن المستخدم هو المسؤول الأول والأخير عن وقوعه ضحية تلك المواقع.

من جهته يرى الدكتور محمد النجيمي عضو مجمع الفقه الإسلامي بالسعودية أنه لا بأس من تبادل العلم والمعرفة عبر المواقع الالكترونية بشرط التأكد من مصداقية الموقع والمشرفين عليه، وحذر من المواقع التي تقدم فتاوى مشبوهة وتقوم بتضليل المستخدم، متمنياً أن يكون هناك مواقع خاصة بدار الإفتاء السعودية تكون ذات ثقة حيث قال لـ«الشرق الأوسط» أتمنى في التطوير الجديد لدار الإفتاء السعودية أن يكون هناك موقع الكتروني يقدم خدمات استشارية ويتم التواصل من خلاله مع المستخدمين في جميع أنحاء العالم.

وأضاف أننا بحاجة لمواقع لأناس ذوي ثقة، ولا ننكر وجود مواقع كثيرة باجتهادات فردية لبعض الشيوخ المجتهدين ولكن يفضل أن تكون هذه المواقع تابعة لدار الفتوى. وأكد على ضرورة إيجاد مواقع متخصصة تقوم بالفتوى لمن هم خارج المملكة ويشرف عليها علماء على دراية بواقع المسلمين في الخارج وقال إننا في السعودية نعيش في بيئة إسلامية ونستطيع أن نطبق أمورا كثيرة ولكن من هم في بيئة غير إسلامية لابد أن نعطيهم إجابات تتناسب مع وضعهم الصعب الذي يعيشونه وسط أكثرية غير إسلامية. من جهته بين ماجد قاروب رئيس اللجنة الوطنية للمحامين بالغرفة التجارية بجدة أن المجتمع السعودي بشكل خاص لا يزال في مرحلة مبكرة جداً من التواصل عبر الانترنت أو الحصول على خدمات أو استشارة الكترونية، وأضاف أن الكثير من المحامين يملكون مواقع الكترونية ولكن للتعريف عن أنفسهم وليس لتقديم الاستشارات عبر الانترنت، لأن ذلك يتعارض مع طبيعة ومبادئ مهنة المحامين، بالإضافة إلى ضعف التعامل الالكتروني في المجتمع العربي ككل. وقال قاروب في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن مجتمعنا اليوم غير مؤهل لأن يشخص الحالة عبر الانترنت وأن يحصل على إجابة كافية وأوضح أن المحامي الذي يقوم بتقديم خدمات واستشارات عبر الانترنت يعتبر مخالفاً للنظام، ولابد من التبليغ عنه ليتم محاسبته، مبينا أن هناك فرقا كبيرا بين المعلومة العامة المأخوذة من النظام للتعرف على النص القانوني وما بين إعطاء المشورة القانونية الالكترونية. ونوه إلى ضخامة حجم الشكاوى التي تأتيهم كمحامين من المتضررين عبر التجارة والاستشارات الالكترونية والغش والخداع من هذه المواقع يفوق التصور، وقال غالباً ما نعجز عن حلها لان الكثير من المواقع المراد محاسبتها تكون خارج المملكة وتكلفة هذه القضايا الخارجية مرتفعة كما أن قضاء التعويض في مجتمعنا غير مفعل ونحن نفتقر للبنية الأساسية للتعامل الالكتروني فالقانون وحده ليس كافيا.

ويعود الدكتور سعود كاتب بالإشارة إلى أن ممارسة التجارة عبر الانترنت هي عملية لا تقل أماناً عن ممارسة التجارة بطرقها التقليدية وعلى المستخدم أن يلتزم الحيطة والحذر في جميع تلك الأحوال وأن يتعرف على الجهة التي سيقوم بإعطائها رقم بطاقة ائتمانه بشكل جيد، كما أن عليه التعرف على درجة الحماية التي تستخدمها تلك الجهة لموقعها على الإنترنت.

ويعيد قاروب كثرة القضايا الالكترونية في المجتمع السعودي لعدة أسباب أهمها سهولة التواصل الالكتروني مع المواقع المضللة، وعدم وعي المجتمع بخطورة هذه المواقع، فأحيانا يكون الحصول على معلومة عبر الانترنت أو الشراء من هذه المواقع نوعا من التفاخر مما يضع عددا كبيرا جدا من شرائح المجتمع في المصيدة الالكترونية العالمية.

وقال إن لدينا الكثير من البضائع المخالفة التي يتم شراؤها عبر الانترنت وكثير منها مقلد ومزور ويعود ذلك لان أغلب المواقع الالكترونية مشبوهة والغرض منها الحصول على المعلومات الائتمانية الخاصة بالمستخدمين، لان حصولهم على هذه المعلومات يمكنهم من اختراقها والتلاعب في الحسابات من خلال المافيا العالمية والدولية، وقال «باعتباري عضوا في لجنة التحقيق في جرائم الغش والتقليد بالغرفة التجارية فنحن مطلعون على هذه التقارير الدولية والعالمية وللأسف الشديد المستهلكون في الشرق الأوسط من أكثر المتعرضين لهذه الجرائم».

وبين قاروب أن سبب نشاط هذه الجرائم في الشرق الأوسط عدم وجود وعي بالتعامل الالكتروني بالإضافة إلى ضعف الوعي الاستهلاكي وزيادة الاستهلاك البذخي وغير المقنن كما أن غياب الحس الأمني وعدم وجود قوانين وتشريعات للتجارة الالكترونية يزيد من حجم هذه الجرائم.

ويعيد الدكتور الشهري صعوبة مراقبة تلك المواقع إلى أن شبكة الانترنت في العالم بشكل عام تعتبر حديثة القدوم وهي أحدث في منطقتنا العربية، لذا فإن الأنشطة التي تمارس عليها في عالمنا العربي لم تصل إلى مرحلة الاحتراف الكامل بعد ولذلك لم تأخذها كثير من المؤسسات التشريعية بالحسبان ولكن الملاحظ في الخمس سنوات الأخيرة أن أنظمة كثيرة ظهرت وركزت على الأنشطة الالكترونية من خلال شبكة الانترنت فهناك في المملكة نظام التعاملات الالكترونية ومعه تنظيم التوقيع الالكتروني وكذلك نظام جرائم المعلوماتية.

وحول وجود قوانين وضوابط لفتح مواقع استشارية عبر الانترنت أوضح الدكتور فايز الشهري أنه لا توجد حتى الآن مظلة قانونية محلية أو عالمية لفسح ترخيص المواقع الالكترونية بشكل إلزامي ومنها المواقع الاستشارية وذلك نظراً لصعوبة السيطرة القانونية والقضائية، ولعدم وجود غطاء تنظيمي عالمي تحتمي تحته النشاطات التجارية والخدمية في دول العالم خاصة مع وجود أكثر من 120 مليون اسم نطاق في النطاقات الأمريكية وحدها مثل org. net .com ويضاف كل شهر قرابة 50 ألف اسم في نطاق.com وحدها. وأضاف أنه من جهة قضائية وقانونية يعتبر صاحب الموقع مسؤولا عما يقدمه من خدمات وبناءً على ذلك يخضع في المملكة العربية السعودية للأنظمة والأحكام السارية في مجالات النشاط الذي يقدمه.

وأفاد بأن هناك العديد من البيانات التوضيحية من جهات أمنية حول بعض الممارسات غير القانونية على شبكة الانترنت، حيث لا يمكن تخيل حركة حوالي 8 ملايين مستخدم على شبكة الانترنت في المملكة دون تواجد رقابي لأن هذا ضمن أساسيات عمل الأجهزة الرقابية والانترنت، وبالتالي يخضع كل شخص يمارس نشاطاً الكترونياً أو غيره ضارا بسلامة الفرد والمجتمع إلى المساءلة وهناك العديد من القضايا التي دارت في المحاكم وكانت الانترنت أو الأنشطة الالكترونية ضمن أساسيات القضية والحكم. وبين أن هناك جهودا ومحاولات ترتكز على تعاون المستخدم وفي الولايات المتحدة أنشئ The Internet Complaint Center (IC3) بالتعاون بين المباحث الفيدرالية ووزارة العدل ومؤسسة مستقلة تدعى The national white collar crime center (NW3C) وتقوم بأدوار مهمة مع مجتمعي الانترنت محلياً ودولياً.

وأفاد الشهري بأن هناك مواقع عالمية تقدم خدمات للمستهلكين ورواد الانترنت مثل موقع econsumer.gov لحماية المواطن الأمريكي تشرف عليه مؤسسة حكومية وموقع internetrights.org.uk تقدم خدمات للمستهلكين ورواد الانترنت في بريطانيا، وفي استراليا يوجد موقع www.accc.gov.au لحماية المستهلكين. بينما لا يوجد في العالم العربي جهود منظمة ومؤسسة لحماية المستهلك الالكتروني وإنما هناك جهود عامة ومشتتة.

ولكن هناك معايير عالمية لتقييم المواقع ومنها وضوح اسم الجهة المشرفة ووجود عناوين اتصال للمشرفين على الموقع وحصول الموقع على شارات جمعيات أو جهات ضمان الجودة إضافة إلى السمعة بين المستخدمين كما أن هناك مواقع الكترونية لحماية المستهلك الالكتروني وفيها تجارب الأعضاء مع المواقع الشهيرة منها. وتشير التقارير إلى أن حجم التجارة الالكترونية يقدر بـ 12 مليار ريال سعودي وبنسبة نمو تقترب من 10 في المائة إلا أن التجارة الالكترونية في العالم العربي ما زالت في معظمها أفكارا ومشاريع تحبو ولا يمكن الحديث بشكل محايد عن مشاريع ناجحة حيث إن نظام التجارة الالكترونية لا يمكن أن ينجح إلا بشروط مهمة وهي وجود مظلة قانونية تحمي طرفي التعاقد ونظام اتصالات أمن ومأمون الكترونياً وأرضياً والأهم أن يكون هناك ثقة من قبل المستخدم لما يعرض أمامه على الشاشة ليقبل عليه ويشتريه في ظل وجود نظام مصرفي وقانوني يضمن انتعاش النشاط التجاري الالكتروني. وبالعودة إلى هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أفاد المالك بأن هناك ضوابط وقوانين لمثل هذه المواقع بما أن الحصول على اسم الموقع الالكتروني قد تم تحت نطاق اسم المملكة العربية السعودية sa)). غير أنه لا يمكن وضع ضوابط للاستضافة في بعض الحالات لاسيما تلك المواقع التي يتم استضافتها في دول أخرى خارج السعودية الأمر الذي ينفي إمكانية ممارسة أي دور تشريعي أو رقابي عليها. وحول خضوع مثل تلك المواقع للرقابة من قبل هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أفاد المالك بأن الهيئة وعند تسلمها طلبا بحجب احد المواقع فإنه يتم إحالته للجهة المختصة والتي تقوم بدورها بدراسة الموقع والتوجيه بالإجراء المناسب، وفي حال كان الضرر المترتب مما ينطبق عليه نظام الجرائم المعلوماتية فإن الجهة المخولة بضبط وتلقي البلاغات بهذا الشأن هي الأمن العام وهيئة التحقيق والادعاء العام. وأكد المالك أن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات تعكف الآن على تطوير برنامج توعوي شامل ذي طابع استراتيجي يطمح إلى رفع درجة الوعي لدى مستخدمي تقنيات الاتصالات والمعلومات خلال الخمس سنوات القادمة، مؤكداً على أن قضية التوعية بهذا الشأن مهمة ويجب أن تكون هناك شراكة من قبل المؤسسات التربوية والتعليمية بالإضافة إلى المؤسسات الإعلامية حول كيفية التعامل مع المواقع الالكترونية.