في تحذير لنائب شارك في وثيقة «الطائف»: اعتذار الحريري قد يؤدي إلى أزمة حكم لا أزمة حكومة

سبقه في الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة والده الراحل وعمر كرامي

TT

رفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أن يصبح «صندوق بريد»، فقدم اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الذي كان قد بذل جهدا في اليومين الماضيين لتقريب وجهات النظر مع قوى الأقلية النيابية والحصول على موافقتها لإصدار التشكيلة الحكومية.

اعتذار الحريري الابن، على رغم من الاختلاف في العلاقة الحسنة التي تجمعه بسليمان، يذكر بموقف كان قد اتخذه والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، الذي لم تكن علاقته جيدة أو حتى مقبولة مع رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود، فقد قدم الحريري استقالته عام 2004 ورفض تشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد التمديد للحود وما رافقه من ضغوط واضطرابات أدخلت البلاد في مرحلة جديدة. وكان رفيق الحريري قد اعتذر في عام 1998 عن عدم تشكيل الحكومة الأولى في عهد لحود، وذلك عندما كلف 11 نائبا لرئيس الجمهورية بتسمية رئيس الحكومة خلال المشاورات الملزمة، الأمر الذي اعتبره الراحل غير دستوري، وذلك لتجنب أي ضغط عليه انطلاقا من هذا التكليف، ليعود بعد فوزه الساحق في الانتخابات النيابية، ليشكل الحكومة عام 2000. وقد حاول تكرار التجربة عام 2004 عندما استقال بعد التمديد للحود والظروف التي رافقته.

والمعروف أن الحكومات اللبنانية بعد اتفاق الطائف لم تكن صناعة محلية، وإن روعي الدستور فيها بشكل صوري، إنما كانت تطبخ في كواليس الوصاية السورية على لبنان، ولم تكن للكتل النيابية أي إرادة فعلية في تسمية ممثليها أو اختيار الحقائب وفرضها على الرئيس المكلف. وهذا الأمر جعل اعتذار الحريري الأب وعزوفه عن تشكيل الحكومة مرتين، هروبا من الضغط الذي كان يمارسه النظام السوري آنذاك. الاعتذار الثاني لرئيس حكومة مكلف قدمه الرئيس عمر كرامي. وذلك بعد استقالته في 28 فبراير (شباط) 2005 بفعل تداعيات اغتيال الحريري، وتقديمه في مطلع أبريل (نيسان) كتاب الاعتذار إلى لحود بعد مشاورات استمرت 34 يوما. إلا أن اعتذار كرامي لم يكن وليد ضغط وإرغام وإحراج فإخراج، كما كانت الحال مع رفيق الحريري، لكنه جاء كرد فعل عاطفي وفي لحظة سياسية محتدمة، تتأرجح الأوضاع فيها بين رفض قاطع للوجود السوري في لبنان لرمزه في البلاد، أي الرئيس لحود. وكان المخرج للأزمة آنذاك تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة التي أجرت الانتخابات النيابية عام 2005، وحصل فيها فريق «14 آذار» على الأكثرية، لتستقر رئاسة الحكومة عنده، ولا تزال.

من هنا يمكن القول إن ظروف اعتذار سعد الحريري ربما تقارب ظروف اعتذار والده الراحل. فالسبب الأول لهذه الخطوة هو رفضه شروط الأقلية النيابية، وتحديدا رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» ميشال عون الذي طالب بحقيبة وزارة الداخلية (السيادية) إلى جانب إعادة صهره جبران باسيل إلى وزارة الاتصالات، إضافة إلى شروط أخرى. ومعلوم أن اتفاق الطائف أقر تسمية رئيس الحكومة بناء على الاستشارات الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية مع الكتل النيابية. وفي حال الاعتذار يعود رئيس الجمهورية إلى إجراء الاستشارات الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة أو إعادة تكليف الرئيس الذي يحظى أساسا بثقة الأكثرية النيابية. ويقول أحد المشاركين في وضع وثيقة الطائف النائب والوزير السابق إدمون رزق: «لا يستطيع رئيس الجمهورية رفض الاعتذار، لكن سليمان يستطيع أن يتمنى على الحريري العودة عن اعتذاره ليستكمل مفاوضاته على أمل الوصول إلى اتفاق وتذليل العقبات». ويعتبر رزق أن «إعادة تكليف الحريري أمر مرجح على خلفية وضع سياسي» إلا أنه يحذر من «أزمة حكم وليس أزمة حكومة إذا لم تتغير الظروف السياسية الحالية، لا سيما أن العمل بالدستور من جانب الأقلية النيابية غائب بالكامل، لتكون الغلبة للهرطقات السياسية الهائلة على حساب رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ما يؤدي إلى خلل دستوري ينذر بكارثة تهدد وحدة البلاد، خصوصا أن هناك واقعا مفروضا على الأرض، وهو واقع السلاح في يد طرف واحد، في غياب الحضور القوي للدولة ومؤسساتها وعجزها عن فرض سلطتها، وفي ظل الانقسام الداخلي الحاد». وينتقد رزق «الهرطقات الدستورية»، ويقول: «مواجهة الأمر تتطلب إقدام الرئيس سليمان على موقف حازم لوضع الأمور في نصابها بصفته المسؤول عن الدستور. فالحكومة في المفهوم الدستوري يشكلها الرئيس المكلف بالتعاون والتشاور مع رئيس الجمهورية. والوزراء ليسوا إلزاما لدى هذا الفريق السياسي أو ذاك ليأتي كل زعيم بصهره وشقيقه وقريبه. المفترض عدم وجود منافسة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف. وخطأ القول إن دور رئيس الجمهورية ينحصر في كونه الحكم بين رئيس الحكومة والمعارضة المصرة على دخول الحكومة وتعطيلها. رئيس الجمهورية يجب أن يخرج من دور الحكم إلى دور الحاكم الذي يكمل دوره رئيس الوزراء المكلف ويحولان معا دون الهرطقات الدستورية التي أصبحت القاعدة في التعامل مع الحكم والمؤسسات وتركيب السلطة».