باميان وتورا بورا وقندهار.. والدبابات الروسية المدمرة معالم جذب سياحية

رحلات يومية من كابل إلى دبي والكويت وفرانكفورت مع شركات طيران مملوكة للمجاهدين

لوحة للخطوط الجوية المتجهة من كابل إلى عدد من المدن العالمية في إحدى شركات السياحة بالعاصمة الأفغانية («الشرق الأوسط»)
TT

من قال إن البلدان التي كانت مسرحا للحروب لا تصلح لأن تتحول، بعد انتهاء النزاعات فيها، إلى أماكن جذب سياحية، نسبة لجمال طبيعة كل منها التي كانت مغطاة بالقصف المدفعي والأعمال التخريبية؟.. وفي الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت أفغانستان منطقة جذب سياحي، اليوم هي ساحة حرب لا يقصدها إلا المغامرون. لكن الشهرة التي اكتسبتها تورا بورا وقندهار وهراة، إلى جانب وادي باميان، وآثار الحروب التي شهدتها، عامل جاذب إضافي إلى جانب المعالم السياحية الأثرية.

وفي عهد طالبان، الحركة الأصولية التي سقطت نهاية عام 2001، كانت هناك مطارات مثل «هوائي ملي كابل» الذي أصبح مطار كابل الدولي ومطار قندهار، حيث معقل الملا عمر حاكم الحركة الأصولية، ولم يكن هناك أي نوع من الطيران الدولي باستثناء طائرة الصليب الأحمر الدولي التي تطير من بيشاور الحدودية في باكستان عدة مرات في الأسبوع إلى كابل وقندهار، وكانت هناك طائرات روسية ترقد على مدرج المطار، ولكن الحركة الأصولية كانت تتخوف من هرب الطيارين بها إلى خارج الحدود لطلب اللجوء السياسي في أوروبا الغربية. واليوم في العاصمة كابل هناك مكاتب سياحية في شوارع وسط العاصمة بحي شهرانو أو وزير أكبر خان أو المولات المملوكة لكبار قادة سنوات الجهاد الأفغاني. وهناك شركات طيران حكومية وأخرى مملوكة للمجاهدين تسافر في رحلات يومية إلى دبي وفرانكفورت والكويت والشارقة وأبوظبي وباكو، وأخرى تسافر في رحلات طيران داخلي إلى هراة وقندهار ومزار شريف.

وأخيرا دبت الحياة في السياحة وهي في حالة جيدة في أفغانستان. ووكلاء شركات السياحة في كابل وباكستان أكدوا حضورهم في سوق السفر العالمية في لندن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأعلنوا عن برامجهم. وعدد من الشركات الإنجليزية قد عملت هناك بنجاح خلال السنة الماضية، ومن المدهش أيضا أن شركة أميركية نظمت رحلة سياحية إلى هناك. والكثير من الأفراد السياح والكتاب يزورون البلد مرة أخرى، وهناك مشاريع كتب تؤلف عن أفغانستان. وعلى الرغم من الحياة اليومية الصعبة للكثير من الأفغان، فإن جو التفاؤل بارز للعيان. وهناك تأشيرات دخول سياحية بدأت سفارة أفغانستان في لندن إصدارها لأول مرة أخيرا.

ويذهب إلى أفغانستان هذه الأيام السياح الأكثر جرأة أو الأكثر تهورا. فقد قضت أخبار التفجيرات الانتحارية وحوادث الخطف والاعتداء على فنادق فخمة مثل «سرينا» قبل عامين أو قصف القصر الجمهوري بالصواريخ عشية الانتخابات الرئاسية على رغبة الكثير من المغامرين الذين يريدون التجول خارج العاصمة الأفغانية والذهاب في رحلات بالسيارات إلى وادي بانشير أو باميان أو قندز.

وحركة طالبان التي نشطت من جديد قللت من رغبة السياح في زيارة أفغانستان إلا من هم أكثر جرأة والراغبين في مشاهدة المناظر الساحرة والكنوز الأثرية التي كانت تجذب الزائرين. غير أن سكان وادي باميان الهادئ، في قلب البلاد، يأملون في إحياء تجارة يضعون فيها كل آمالهم للهروب من الفقر المدقع. وتزخر منطقة وادي باميان بمشاهد خلابة، ومواقع كثيرة للتراث العالمي، منها بقايا تمثالين عملاقين لبوذا، فجرتهما حركة طالبان في عام 2001، وسلسلة بحيرات فريدة أصبحت الشهر الماضي أول متنزه وطني في أفغانستان.

غير أن عقودا من الحرب والدمار اللذين سببتهما حركة طالبان، حين غزت المنطقة بعد مقاومة شرسة، حولت أجزاء من بلدة باميان إلى دمار وأطلال لا تزال قائمة حتى الآن، لدرجة أن وسائل الراحة للسياح تقتصر فقط على الأساسيات، إذ لا يوجد هناك سوى فندقين صغيرين، أحدهما يديره صحافي ياباني قدم إلى أفغانستان للمرة الأولى مطلع التسعينات من القرن الفائت.

ويجعل طريق ترابي الرحلة إلى مسافة نحو 200 كيلومتر من العاصمة كابل ملحمة مؤلمة للعظام تستغرق تسع ساعات، كما أن مهبط الطائرات الترابي لا يستطيع استقبال الطائرات التجارية. وخلال هذه الرحلة، يشاهد السائح لافتات ترحب بالزائرين، وتحذرهم في الوقت عينه من الألغام.

إلى ذلك، ثمة نية لدى سلطات السياحة الأفغانية للإفادة من المراكز التي عرف عنها تمركز أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، فيها، مثل جبال تورا بورا، وذلك من خلال ترويجها سياحيا بعد تطويرها بما يتناسب مع المواقع السياحية. ويعتقد بعض المسؤولين أن الكهوف التي آوت أسامة بن لادن وجماعته، والدبابات الروسية المدمرة، وطائرات مروحية مقاتلة محطمة، ومدافع تعود إلى ثمانينات القرن العشرين، إبان الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، يمكن أن تصبح مواقع جذب سياحي.

وهناك مواقع سياحية فريدة يمكن أن تجذب الكثير من السياح إلى باميان، لكن العنصر الضعيف هو الخدمات والمعلومات. ويحاول عدد متزايد من منظمات الإغاثة الأجنبية مساعدة السكان المحليين في وضع استراتيجية لبناء صناعة السياحة على أساس الأصول الطبيعية للمنطقة. وقد مُنحت نيوزيلندا مشروع طموح في تمويل دور ضيافة صغيرة في أنحاء متفرقة من الإقليم، وتدريب موظفين وإنشاء خدمة لتوفير المرشدين السياحيين، وإعداد كتيبات، ومحاولة إغراء السياح بأنشطة مثل إقامة مهرجان بمناسبة العام الفارسي الجديد المعروف بعيد «النوروز».. وفي منطقة باميان قوات أيضا من نيوزيلندا ضمن قوات التحالف الموجودة في أفغانستان. وهناك حديث عن تحويل «مقبرة الدبابات» عند أطراف الكلية العسكرية في «بولي شارجي» في العاصمة كابل إلى منطقة سياحية، وفي المقبرة الآلاف من الدبابات والمدرعات الروسية التي دمرت خلال حروب المجاهدين بعد طرد الروس، بالإضافة إلى آليات طالبان الحربية التي دمرت بفعل القصف المركز من قاذفات «بي ـ 52»، والمتحف الوطني الذي يضم أكثر من مائة ألف قطعة فنية من حقب تاريخية مختلفة، منذ فترة ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث.

ولا تزال أفغانستان تعيش في ظروف أمنية صعبة، فأرضها مزروعة بعدد كبير من الألغام. والانفجارات التي تحدث بين حين وآخر في العاصمة الأفغانية تذكر بحالة السلم الهشة التي تعيشها البلاد. وكانت تماثيل بوذا في باميان تجذب السياح قبل تحطيمهم على يد طالبان. يذكر أن وزارة الخارجية البريطانية حذرت مواطنيها من زيارة أفغانستان، وقال بريطاني التقته «الشرق الأوسط» في سفارة الأفغان بالعاصمة لندن عند الذهاب للحصول على تأشيرة سفر لتغطية الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 20 أغسطس (آب) الماضي إنه كان يشعر في البداية بالحرج من إخبار الآخرين عن نيته السفر للتعرف على معالم أفغانستان.

والدخول إلى أفغانستان قد يكون مثبطا للعزيمة، لأن الكثير من الطرق هي في حالة الإنشاء، خصوصا الطريق الجميل من باكستان إلى كابل عبر مضيق خيبر الجبلي، وعربات نقل المواد الضرورية توفر ممرا آمنا للسياح. وعند التوغل في البلاد تشاهد اللوريات الصغيرة والكبيرة وهي تتقدم بصعوبة على طريق ضيقة ناقلة مواد البناء للبيوت والقرى التي كان أهلها قد تركوها سابقا، من أعمدة للسقوف وحصران وأدوات بناء. ونظام الطرق أمر حيوي، ومنذ عام 2000 جرى العمل في إصلاح كل الطرق الرئيسية. وخلال عام 2005 تم إعمار القسم الأخير من شارع قندهار ـ هرات، والطريق الذي يقود إلى نفق سالانغ في الهندو كوش والطريق من جلال آباد إلى كابل. وستكتمل بذلك شبكة الطرق وتتحسن. وقد ساعد عدد من الدول في عملية إعادة الإعمار وشق الطرق الجديدة.

وتقول مصادر وزارة السياحة الأفغانية إن «المجاهدين» الذين قاموا بإنشاء مجمع الكهوف غير العادي في الجبل الأبيض بالقرب من جلال آباد في الثمانينيات من القرن الماضي، ثم قام أسامة بن لادن بدوره بتوسيعه وتطويره على نفقته الخاصة في التسعينيات، وكان من المقرر أن يتضمن تجمعات سكنية، ونظام أنفاق كبيرة تتسع لإخفاء المركبات العسكرية المدرعة. وكانت القوات الأميركية أمطرت المنطقة بالقذائف المدمرة، غير أن بن لادن نجا منها، وفر إلى المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان.

يذكر أن القطاع السياحي كان واحدا من أهم القطاعات في أفغانستان خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين، خصوصا بالنسبة إلى السياح الأوروبيين المتجهين إلى الهند.