«مطاعم الرحمة» الجزائرية: فضاء للتضامن يتحفظ عليه منتقدو السلطات

محتاجون ومسافرون يقبلون عليها ويتبادلون فيها أحاديث السياسة والرياضة

TT

«مطاعم الرحمة» ظاهرة لصيقة بشهر رمضان في الجزائر، حيث تفتح السلطات فضاءات لفائدة الفقراء والمحتاجين فتوفر لهم وجبة إفطار على سبيل التضامن. وأصبح «مطعم الرحمة» منذ 10 سنوات على الأقل جزءا مهما من تقاليد رمضان، وتعتبره الحكومة واجهة سياستها الاجتماعية، بينما يرى آخرون أنه «رمز للبؤس».

يوجد بالعاصمة أكثر من 100 «مطعم للرحمة» أو «مطعم عابر سبيل»، كما يسمى في بعض مناطق البلاد، فتحت أبوابها منذ اليوم الأول من رمضان، حيث يقدم متطوعون أكثر من 500 وجبة يوميا في كل مطعم. ويرتاد هذا الفضاء التضامني، متسولون وعائلات فقيرة بأطفالها، ومسافرون داهمهم وقت الإفطار، وأشخاص يقيمون في المناطق الداخلية، أغلبهم يعمل بالعاصمة في ورشات بناء.

وزارت «الشرق الأوسط» مطعما بحي بلكور الشعبي، يقع بالقرب من «مسجد المؤمنين» الذي اشتهر في أحداث غزة نهاية العام الماضي، بخطب نارية حرضت على تحدي قانون حالة الطوارئ بالتظاهر في الشارع. ويعتبر الحي أحد معاقل الإسلاميين الذين يتكفلون بأنفسهم خدمة الصائمين بـ«مطعم الرحمة». يقول عبد الرحمن، وهو شاب ملتح متذمر من أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية: «أنا هنا متطوع أخدم الفقير والسائل، وأرجو ثواب الله من وراء ذلك، لكني لست موافقا على هذه المبادرة لأنها مهينة للناس. انظر إلى الطابور الطويل من الأشخاص. هؤلاء واقفون هنا منذ ساعتين من أجل تناول وجبة إفطار».

ويعتقد عبد الرحمن أن توفير مناصب شغل ورفع أجور الموظفين البسطاء، أو تقديم منحة شهرية «محترمة» للعاطلين عن العمل «أحسن ما يمكن أن تفعله الحكومة لهؤلاء الناس، فتحفظ كرامتهم وتغنيهم عن الوقوف في طوابير تدوم ساعات من اجل احتساء شربة». ويبدي سليم الذي كان يستمع إلى زميله في المطعم، موقفا مغايرا تماما فيقول سليم: «أنتم أصحاب اللحى لا يرضيكم أي شيء تقوم به الحكومة. بدل أن تشكروها على التضامن مع الفئات الفقيرة، وتساعدوها على المجهود الكبير الذي تبذله في إطار سياسة التضامن، تفضلون البحث عن أي مبرر لانتقادها».

ويذكر سليم أن عائلات تضم 7 إلى 10 أفراد يتنقلون جماعيا من البيت إلى المطعم للإفطار، وأنه يعرف معلمين في مدارس وموظفين في إدارات، يقفون في الطابور لأنهم يعجزون عن تلبية كل حاجيات الأسرة في شهر رمضان.

وفي مطعم آخر بحي بئر مراد رايس بأعالي العاصمة، تدخل رجال أمن كانوا في نقطة مراقبة للتفريق بين شابين تشاجرا بسبب التنافس على الصف الأول في الطابور. وقال أحدهما للشرطة إنه سيركب القطار إلى وهران (450 كلم غرب العاصمة)، ساعة واحدة بعد آذان المغرب، ولكي يكون في موعد إقلاعه لا بد أن يدخل الأول إلى المطعم، الذي يشرف عليه أشخاص انتدبتهم وزارة التضامن الوطني. ويحصل الصائمون في كل «مطاعم الرحمة» على حساء يعتبر الطبق الرئيسي الحاضر وجوبا في مائدة رمضان بكل مناطق الجزائر، يسمى «الشربة» في مناطق وسط البلاد و«الجاري» في مناطق الشرق و«الحريرة» في الغرب. وتتنوع بقية الأطباق بحسب المنطقة وحتى داخل المنطقة الواحدة في بعض الأحيان. وفي «مطعم الرحمة» تختلف أحاديث الصائمين فيما بينهم فبعض المهتمين بالسياسة يعلقون على «جلسات المحاسبة» التي يقيمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في رمضان، لمتابعة نشاط الوزراء، وآخرون منشغلون بقائمة انفلونزا الخنازير التي تزداد طولا كل يوم. أما البعض الآخر، وهي ميزة غالبية الجزائريين هذه الأيام، فهو مهتم بإنجازات منتخب كرة القدم الذي أصبح على مرمى حجر التأهل للمونديال 2010.