السفارة ليست في العمارة ـ أحاديث في الطائرة من تل ابيب الى القاهرة

غالبية المقاعد خالية والتوتر سيد الموقف بين بعض المسافرين

طائرة سيناء للطيران تربط بين القاهرة وتل ابيب
TT

تنشر «الشرق الأوسط» على ثلاث حلقات، ابتداء من اليوم، تقارير عن وضع السفارة الإسرائيلية والعاملين فيها وما تحاول السفارة أن تفعله لتجاوز أي مقاطعة شعبية لها. وتخصص الحلقة الأولى لمشاهدات مندوب «الشرق الأوسط» خلال رحلته من تل أبيب إلى القاهرة، على متن خطوط «اير سيناي» وهي الخطوط المصرية التي أوجدتها «مصر للطيران» للتنقل بين القاهرة وتل أبيب. وكذلك مشاهدات المندوب لتصرفات الإسرائيليين لدى وصولهم إلى مطار القاهرة وتعامل موظفي المطار هناك معهم. وخصصت الحلقة الثانية لمقابلة مع السفير الإسرائيلي في القاهرة شالوم كوهين أما الحلقة الأخيرة فيتحدث فيها المصريون من رسميين ومعارضين ومؤيدين عن العلاقات مع هذه السفارة ومع إسرائيل بشكل عام ومسألة التطبيع.

بعد حوالي ثلاثين عاما من توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية ـ المصرية، بين الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء مناحيم بيغن بقلم الرئيس الأميركي، جيمي كارتر في حينه، ورفع العلم الإسرائيلي في القاهرة والعلم المصري في تل أبيب، لا يزال السؤال مطروحا في الجانبين عن مكنون هذا السلام. وفي حين أن السفارة المصرية في تل أبيب، تعمل مثل أي سفارة مصرية في العالم ومثل أي سفارة في تل أبيب، فإن السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ما زالت مختلفة عن أي سفارة إسرائيلية في الخارج وعن أي سفارة أجنبية في القاهرة. قبل أن ننتقل للقاء السفير شالوم كوهين، على متن سفينة عائمة على نهر النيل ونرافقه إلى بيته في المعادي، جنوبي القاهرة، شهدت إسرائيل جدلا طويلا حول مكانته ومن يحل محله، حيث قيل إنه لا يوجد دبلوماسي كبير يريد قبول هذا المنصب وأن هناك من يعتبره عقابا له. وبعد أن عدنا من هناك بساعات، نشر خبر صارخ عن اكتشاف محاولة لاغتيال السفير من تنظيم أصولي. بيد أن السلطات في كل من إسرائيل ومصر تصرفت في الموضوع كما لو أنه نبأ عن شراء بدلة جديدة، وهذا بحد ذاته يعطي صورة عن واقع هذا السلام. المصريون قالوا إنهم شددوا الحراسة قليلا على السفير والإسرائيليون قالوا إن الخبر لم يكن مفاجئا لهم ومحاولة الاغتيال لم تكن فريدة.

وما بين هذا وذاك، كان النبأ السنوي التقليدي ينتشر في وسائل الإعلام عن عزلة السفير الإسرائيلي في العاصمة المصرية. وفي الخلفية، تظهر صور الفيلم السينمائي «السفارة في العمارة»، للنجم عادل إمام الذي يسخر فيه من حال السفارة الإسرائيلية ويظهرها ثكنة محاطة برجال المخابرات من كل جانب، منبوذة من المصريين. والسفير شالوم كوهين شاهد الفيلم وضحك حتى الدموع. وعندما نذكره به، يعود إلى الضحك، ثم يقول بجدية إنها مجرد مسرحية. ثم يحدثنا عن علاقاته الواسعة في مصر، ليوضح أن «السفارة مش بس في العمارة»، إنما خرجت إلى الشارع المصري. ورغم النفور منها لدى كثيرين، فإن لها حضورا غير قليل في القاهرة والإسكندرية وغيرهما. فما هو حال السفارة الإسرائيلية في القاهرة فعلا بعد ثلاثين عاما؟ هل صحيح ما يقال في مصر إن السفير يعيش عزلة مطبقة، أم ما يقوله لنا السفير بأنه سعيد بهذه المهمة وبما أنجزه خلال خدمته طيلة أربع سنوات ونصف السنة هو الصحيح؟ هل صحيح ما يقال في إسرائيل إن السلام بارد، أم ما تقوله السفارة بأن الحرارة تسري في عروقه باستمرار؟ هل مُضي ثلاثين عاما لم يغير شيئا في هذه الأحوال؟ هل يوجد تعاون اقتصادي؟ هل صحيح أن هناك مقاطعة فعلية لإسرائيل، تقودها الحكومة المصرية، بل الرئيس المصري الذي يمتنع عن زيارة إسرائيل منذ توقيع الاتفاقية، باستثناء زيارته للمشاركة في جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي، إسحق رابين، الذي اغتاله اليمين الإسرائيلي المتطرف؟ هل النقابات التي تمنع زيارة إسرائيل ولقاء إسرائيليين تطبق قراراتها في هذا المجال؟ وهل قراراتها واقعية أم متناقضة؟

من أجل الإجابة على هذه الأسئلة من المصدر الأول، من السفير الإسرائيلي في القاهرة ومن الحكومة المصرية والمؤسسات المدنية ورجال الأعمال والمعارضين، المؤسسين للتطبيع من جهة والمؤيدين علنا للتطبيع من الجهة الأخرى، كان لا بد من شد الرحال من تل أبيب.. إلى القاهرة. الرحلة ـ 055

* ساعة وعشر دقائق فقط الفترة التي قضتها الرحلة رقم 055 من مطار تل أبيب إلى مطار القاهرة، على طائرة «إير سيناي». و«إير سيناي»، هي شركة الطيران التي أقيمت خصوصا للسفر من وإلى تل أبيب، منذ افتتاح خط الطيران بينهما سنة 1982. والسبب في إقامتها يعود إلى قرار شركة الخطوط الجوية الرسمية المصرية «مصر للطيران» أن لا ترسل طائراتها إلى تل أبيب. وهذا الواقع مستمر حتى اليوم. ومجلة «حورس» التي تمنح لكل راكب في طائرات مصر للطيران، بما في ذلك طائرة «إير سيناي» الوحيدة، تنشر خريطة رحلاتها. وليس فيها تل أبيب ولا تذكر فيها إسرائيل بتاتا.

غالبية الكراسي في طائرة ««بوينغ 737» التي تقلنا، كانت فارغة. المضيفة تمنح الركاب حرية اختيار المقعد الذي يرغبون فيه. والركاب متعددو الاتجاهات: مصريون، إسرائيليون عرب (من فلسطينيي 48)، يهود، سياح أجانب. عادل، شاب يجلس بجانب زوجته ولا يخفي قلقه. فهو واحد من بضع مئات من المصريين الذين وصلوا إلى إسرائيل بحثا عن العمل، وتزوج من فلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية وأنجبا ثلاثة أولاد ويواجه خطر الترحيل وفقدان الأولاد: «الإسرائيليون يريدون طردنا بموجب القانون الجديد الذي يسمح لوزير الداخلية بسحب الإقامة المؤقتة. لا يريدون عربا في إسرائيل. والمصريون ينظرون إلينا بعين الريبة. لا أستبعد استدعائي للمخابرات المصرية للتحقيق».

وردا على سؤال إن كان يخاف من التحقيق؟ أجاب دون تردد «لا»، التحقيق يعمق شعورك بالغربة. فلا يكفي أنك غريب في إسرائيل، يشعرونك أيضا في بلدك بأنك مختلف عن بقية المصريين. وكأن على رأسك ريشة».

ويختصر في الكلام كثيرا. والخوف لا يفارقه. ولكن عندما نلتقيه خارج المطار وقد عبر كل محطات المطار بما فيها محطات الأمن، يبدو أكثر راحة. ويبدي الاستعداد للحديث أكثر قليلا: فقال «أنا واحد من أولئك الذين أخذوا بجدية موضوع السلام. والله أنا اقتنعت بهذا السلام وأعتقد بأن الرئيس السادات عمل بحكمة في هذا السلام والرئيس مبارك يتابع بأمانة هذا الخط ولكن شعوري أن هناك من يعمل حتى يكون السلام محدودا جدا».

وعلى متن الطائرة نلتقي مواطنين إسرائيليين يهوديين يعملان في مصر. أحدهما مدير عمل في مصنع نسيج بملكية إسرائيلية ـ مصرية مشتركة، والثاني يعمل مرشدا زراعيا في مزارع مصرية. المرشد يتحدث عن تجربته بإعجاب شديد بالمصريين والمدير ينتقد العمالة المصرية، ويقول «في كل مرة يفاجئني المزارعون المصريون. إنهم أذكياء ومخلصون وينتجون بنجاعة. يتعلمون بسرعة. ومنتوجاتهم تبدو في بعض الأحيان أفضل من منتوجاتنا». ويضيف «أن لديه 15 مرشدا زراعيا من المواطنين العرب في إسرائيل يعملون في مصر بشكل دائم. ويقول إنهم سعداء بعملهم». وتابع القول: «المدير المصري للمصنع يصر على تشغيل عماله المصريين عشر ساعات في اليوم لمدة ستة أيام في الأسبوع. لو فعلنا ذلك في إسرائيل لكنا أدخلنا للسجن. ولكن هذا العدد من ساعات العمل، يذهب هباء. فبعد الساعة الرابعة لا يعود العامل قادرا على الإنتاج. ويقبض المال حراما».

وكلاهما يؤكدان أنهما يشعران براحة بالغة في مصر. وأنهما يحبانها، «رغم أن القلق لا يفارقك فيها من خطر اعتداءات. فهناك أناس معادون للسلام في مصر»، يقول المدير. ويعترض المرشد الزراعي: «وهل في تل أبيب لا نشعر بالقلق؟».

وتسأل عن التحذير الشديد الذي يطلقه «طاقم مكافحة الإرهاب» في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، ويمنع الإسرائيليين من زيارة مصر وغيرها من الدول العربية، فيبتسمان ولا يردان.

الصالة الثالثة

* وفي مطار القاهرة الجديد، الصالة الثالثة، يختلط الركاب من جميع الرحلات القادمة، فلا تفرق بين إسرائيلي وعربي وأجنبي. الجميع يمرون في نفس المحطات، من ختم الجوازات حتى الخروج. الحقائب القادمة من تل أبيب، تندلق على الشريط المتحرك المجاور لشريط الحقائب القادمة من بيروت من جهة ومن عمان من الجهة الأخرى. الحديث باللغة العبرية الذي ساد في الطائرة، يبدأ بالخفوت هنا على الأرض. اللغة العربية واللغات الأجنبية تسود. رجال الجمارك يوقفان شابا وصبية يهوديين يعملان في السفارة الإسرائيلية. لا يأبه ضابط الجمارك للجوازين الدبلوماسيين معهما. وعندما يحررهما يطلقان شتائم بالعبرية. شاب مصري أنيق يحمل لافتة كتب عليها اسم بالعبرية، فينقض صاحب الاسم على يده يصافحها بحرارة. وتبتلعهما سيارة فخمة بعد أن يخبرنا أنه يأتي إلى مصر للمرة الأولى للبحث مع متمولين مصريين وألمان في مشروع تجاري جديد يرفض إعطاء تفاصيل عنه.

وكيل شركة سياحة إسرائيلية متدين، يعتمر قبعة صيفية يغطي بها قبعته الدينية اليهودية الـ«كيبا».

رجل أعمال إسرائيلي يبحث عن الأمان، يسألني إن كنت معنيا بمرافقته بالتاكسي إلى قلب المدينة. والحديث بالعبرية يلفت نظر السائق، فيدخل على خط الكلام، بعد الاستئذان. ويتبرع في الحديث عن السلام وأهميته لمصر ويجد له حجة دينية «النبي صلعم أوصى بسابع جار. وهم جيراننا. هم من أهل الكتاب». وراح يلوم الفلسطينيين: «يا خويا نازلين ببعض. هو ازاي نكون معاك وأنت مش مع أخوك؟ إحنا معاكم. والسادات الله يرحمه كان معاكم. مش هو خد عرفات معاه لإسرائيل؟ هو عرفات رفض. لو كان راح معاه، مكانش فيه مستوطنات قد كده. بس الله معاكم. الشعب المصري جعان والرئيس عاوز يطعمهم. في رقبته 70 مليون مصري. وإحنا معاه».

ورجل الأعمال يتحمس للكلام. وبكلمات عربية مكسرة يقدم انتقادا ذاتيا: «إحنا كمان في إسرائيل ما عملناش كفاية علشان السلام». ويقول إن مصر هي دولة سلام، ولكنها تحتاج إلى مساعدة إسرائيلية، حتى تقنع بقية العرب لسلوك طريقها.

شاني

* نتعرف بداية إلى شاني، الدبلوماسية التي تعمل في السفارة الإسرائيلية في القاهرة منذ سنتين. زوجها من يهود العراق. وهي من أصول أوروبية. لكنها تتكلم العربية. وظيفتها ملحقة إعلامية، ولكنها بغياب زملائها الملحقين الآخرين، تحل محلهم بجدارة. علاقاتها في مصر واسعة. تلتقي صحافيين ورجال أعمال ومسؤولين في الحكومة أو في مؤسسات أهلية، وتعرفنا على بعضهم. تسكن في عمارة كل سكانها مصريون. بالنسبة لها، السفارة الإسرائيلية ليست معزولة أبدا. وهناك علاقات علنية واسعة لها مع المصريين، وهناك علاقات غير علنية أيضا. أحد الصحافيين الذين تعرفنا عليهم، يعمل نائب رئيس تحرير في إحدى الصحف ويقول لنا: «أنا لست مقتنعا بمقاطعة الإسرائيليين. أعتقد أن هذا خطأ فادح نرتكبه نحن الوطنيين. فأولا المقاطعة غير مفيدة ولا تؤثر بشيء، وثانيا مقاطعة الوطنيين تترك الساحة لغير الوطنيين ولبعض الانتهازيين لالتقاء الإسرائيليين، وهؤلاء لا يعطون صورة إيجابية مشرفة عن مصر». ويضيف: «أكتب أنني لا أستطيع الإدلاء باسمي لأنني أخاف أن أدفع ثمنا لعلاقاتي مع السفارة، لا أقدر على تحمله».

وعن نوع علاقته مع السفارة أجاب: «علاقة صحافي يبحث عن الحقيقة ويريد أن يستقي معلوماته من المصدر الأول. ويريد أن يتعرف على الآخر كما هو، وليس كما نتخيله من وراء مكاتبنا غير المريحة». وتؤكد شاني أن كثيرا من الصحافيين وغير الصحافيين يقولون هذا الكلام، وأنها تتلقى المزيد والمزيد من الطلبات لمعرفة إسرائيل من خلال المعلومات وليس من خلال التقديرات والتحليلات. السفارة

* لم نسأل أحدا في القاهرة إلا وعرف أين تقع السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وسألنا كثيرين. لكن اللقاءين اللذين أجريناهما مع السفير شالوم كوهين، لم يعقدا في السفارة ولا في العمارة التي تحتضنها. فالغرباء لا يدخلون إلى السفارة.

* لماذا؟

ـ لاعتبارات أمنية لا ذنب لك بها.

* ولكنكم تدعونني للقاء السفير في بيته؟ ألا توجد اعتبارات أمنية في البيت؟

ـ نعم. التعليمات الأمنية صارمة بأن لا يدخل أحد غريب إلى السفارة. لكننا نرحب بك في بيت السفير.

بهمس يفسرون ذلك قائلين إن صحافية من وكالة أنباء عالمية وصلت إلى السفارة للقاء السفير قبل عدة شهور وراحت تصف في تقريرها بدقة شديدة العمارة والسفارة والمكاتب والصور وتحرشت ببعض الموظفين والموظفات لاستقاء معلومات. ولذلك قرروا منع الصحافيين من الوصول إلى السفارة. الوحيدان اللذان أتيح لمندوب «الشرق الأوسط» لقاؤهما هما شاني والسفير. وكان اللقاء الأول في مطعم بحري عائم، بدا واضحا أن السفير معتاد على التردد عليه. فهو يعرف النادل ومديرة الاستقبال ولائحة الوجبات وأشهى المأكولات. وهم أيضا يعرفونه ويستقبلونه بلطف وحرارة. رجال الأمن يبقون في الخارج، وهذا يساعد على تبديد الحرج. والسفير يصل في الموعد الدقيق، على الإبرة. ويجلس في مقعده الدائم، الذي يرى من خلاله كل من يدخل إلى المطعم. المصريون الذين التقيناهم ممن يعرفونه يتحدثون عنه بإعجاب، ولا نقصد المسؤولين في الحكومة المصرية فحسب. يقولون: إنسان رقيق. دمث. صادق. يعمل بهدوء. لا يتكلم بغطرسة مثل وزيره (وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان). تمكن من إقامة علاقات واسعة فعلا في مصر، بسبب خصاله هذه. تشعر أنه يريد فعلا تعميق السلام. ولم يتردد أحد المسؤولين المصريين في نقل تحذير لإسرائيل عبر اللقاء معنا فقال: «إن تغيير السفير شالوم كوهين، في هذا الوقت بالذات، الذي تشهد فيه العلاقات الثنائية بين مصر وإسرائيل فترة ازدهار لم تشهد مثيلا لها منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، قد يدخل هذه العلاقات في أزمة». وردا على سؤال إن لم يكن مثل تدخلا في الشؤون الداخلية من وجهة نظر إسرائيل استدرك قائلا: ليس كوهين بالذات. فهناك نية لأن يعينوا مكانه شخصية استفزازية من حزب الوزير ليبرمان (إسرائيل بيتنا). ومصر لا تتحمل استفزازات كهذه».

وكوهين سيغادر منصبه قريبا فعلا، ليس لأن الوزير ليبرمان يريد تغييره، بل لأنه يخدم منذ فترة طويلة. وقد جرت العادة في إسرائيل أن لا يخدم السفير أكثر من أربع سنوات. والمفترض أن يتولى كوهين وظيفة مهمة في الوزارة، لكن هذه الوظيفة لم تأت بعد. وليس صدفة. والوزير ليبرمان يريد أن يستبدله بشخصية سياسية فعلا، مما أثار حفيظة المصريين. وبحثت وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، عن بديل لشالوم كوهين في حينه، ولم تعثر على أحد. فقد كان هناك حوالي عشرة دبلوماسيين من الوزارة رشحوا أنفسهم للمنصب، ولكن الوزيرة لم تقبل أيا منهم بدعوى أن المنصب أكبر منهم. فتوجهت إلى عدة شخصيات سياسية ودبلوماسية، لكن أيا منهم لم يقبل. فالمهمة صعبة ومتعبة وأجرها قليل. وهناك من يعتبرها «سفارة دايت»، لأن العلاقات الإسرائيلية ـ المصرية تدار القضايا الكبرى فيها ليس عبر السفارة، بل عبر الاتصالات العليا بين الحكومتين: رئيس ورئيس حكومة، وزير دفاع مقابل وزير مخابرات، قيادات أمنية وهكذا. ويشيرون إلى أن حال السفارة المصرية في تل أبيب لا يختلف كثيرا في هذه الناحية وأن وزير شؤون المخابرات في الحكومة المصرية، عمر سليمان، ورجاله هم الذين يديرون هذه العلاقات في أمورها الأساسية. وهذا عنصر آخر يبعد الكثير من السياسيين والأكاديميين الإسرائيليين الذين عرض عليهم المنصب، عن قبوله.

وهذا أمر سينفيه السفير شالوم كوهين بشدة، في حديثه معنا، الذي ننشره في الحلقة القادمة. وسيقدم النصح لهؤلاء أن يجربوا هذا العمل لأنه لذيذ ومهم وينطوي على الكثير من التحديات.

* يتبع غدا