خط بحري يثير أزمة دبلوماسية قبرصية ـ تركية في بيروت.. ببصمة سورية

السفير القبرصي يحذر اللبنانيين من استعماله.. والتركي يريده «مباشرا» مع فماغوستا

TT

يثير الخط البحري الذي افتتح منذ نحو أسبوعين بين لبنان ومدينة فماغوستا في شمال قبرص أزمة دبلوماسية «لبنانية ـ قبرصية ـ تركية» لا تخلو من البصمات السورية.

فهذا الخط «السياحي» الذي بدأ العمل فيه بمعدل رحلة أسبوعية يشغل الدبلوماسية في البلدان المذكورة. وقد وجدت وزارة الخارجية اللبنانية نفسها بين السندان القبرصي والمطرقة التركية، فالقبارصة يرفضون «تشريع الاحتلال التركي للجزء الشمالي من الجزيرة»، والأتراك يريدون لهذا الجزء غير المعترف به من جميع دول العالم ـ باستثناء تركيا ـ «التنفس»، فكان حل وسط على الطريقة اللبنانية يقضي بإضافة محطة ثالثة إلى هذا الخط، فتتوقف السفينة في ميناء اللاذقية ليستقبلها لبنان على أنها «سفينة تركية آتية من سورية»، وهو حل لم يزعج الأتراك كثيرا ولم يرض القبارصة بالقدر ذاته.

ويقول السفير القبرصي في لبنان كرياكوس كوروس لـ«الشرق الأوسط» إن الأتراك يحاولون عبر هذا الخط «تشريع نتائج الغزو»، مشددا على أن هذا «لا يمكن أن يحصل». ويوضح السفير كوروس أن بلاده وهي السلطة الوحيدة المعترف بها على كامل جزيرة قبرص قد أبلغت الأمم المتحدة منذ زمن طويل بأن المرافئ البحرية والجوية في شمال قبرص مغلقة حتى إشعار آخر، بسبب عدم قدرة الحكومة المركزية على السيطرة عليها وإقامة نقاط حراسة وجمارك وأمن عام.. معتبرا أن هذا الواقع يمنع على أي دولة عضو في الأمم المتحدة أن تستقبل سفنا أو طائرات آتية من هذه المرافئ، أو تحمل أوراقا ثبوتية صادرة عن سلطات غير معترف بها دوليا. كما لا تستطيع استقبال أي شخص يحمل أوراقا ثبوتية من هذه السلطة في إشارة منه إلى جمهورية قبرص الشمالية. وأشار إلى عشرات القرارات الدولية في ما يخص القضية القبرصية، ومنها الطلب الذي وجهته الأمم المتحدة في القرارين 541 و550 عامي 1983 و1984 إلى الدول الأعضاء بعدم الاعتراف بأي سلطة أخرى في قبرص وعدم التعاون معها أو تقديم أي تسهيلات.

ولا يعترض السفير كوروس على «المخرج القانوني» الذي قامت به السلطات اللبنانية لاستقبالها سفينة آتية من سورية وركابها الذين يأتون بجوازات سفر من دول معترف بها بريطانية وتركية.. وحتى قبرصية، كاشفا أن نحو 98 ألفا من أصل 100 ألف قبرصي شمالي يحملون الآن جوازات سفر قبرصية بعد انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أن كوروس يشير إلى أن للقضية بعدا آخر لا يقل أهمية عن «الشكليات». وينبه إلى أن أي مواطن يذهب إلى شمال قبرص يواجه خطر الملاحقة القانونية من قبل المواطنين القبارصة الذين يمتلكون فنادق ومنازل وأراضي في الشمال ويقيمون في الجنوب. ويقول إن غالبية الفنادق في الشمال مملوكة لمواطنين يقيمون في الجنوب هجروا منها بطريقة قسرية، أو إنها قد بنيت بطريقة غير شرعية على ممتلكات عامة أو خاصة. ويضيف أنه بموجب القانون القبرصي، فإن للمواطنين القبارصة الحق في مقاضاة أي شخص يستعمل ممتلكاتهم بطريقة غير قانونية، محذرا من أن أي حكم يصدر عن هذه المحاكم بتعويضات يمكن أن ينفذ في أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي يقيم فيها المقاضي أو يمتلك حسابات مصرفية أو عقارات. وينفي السفير كوروس أن يكون بكلامه هذا يوجه «تهديدات إلى رجال الأعمال ووكالات السفر اللبنانية»، مشيرا إلى أنه يعرض فقط «واقعا قانونيا» وينبه هؤلاء إلى عدم قانونية ما يقومون به.

في المقابل يتسلح السفير التركي في لبنان سرادار كيليتش بقرار صادر عن المفوضية الأوروبية في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2007 ردا على استدعاء قدمته الحكومة القبرصية لمنع الخط البحري الذي كان قائما بين اللاذقية وفماغوستا. وفيه أنها لا ترى مانعا من دخول ومغادرة السفن لميناء فماغوستا طالما أنها لا تحمل طابعا تجاريا، مشيرة إلى أنه لا يوجد قرار دولي أو أوروبي بمنع دخول هذا الميناء. واستنادا إلى هذا القرار يجزم السفير كيليتش لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الخط لا يخرق القانون الدولي، مشيرا إلى أن السفن التي تعمل على هذا الخط لا تحمل علم قبرص التركية، بل العلم التركي، كما أن المواطنين القبارصة الأتراك الذين يستقلون هذه الرحلات يحملون جوازات سفر أخرى بسبب عدم الاعتراف الدولي بجواز السفر القبرصي التركي.. مشيرا إلى أنه لا موجب لاعتراض السفارة القبرصية في بيروت ولا لـ«تهديدات السفير كوروس».

ويرفض كيليتش التلويح بالمحاكمة لمن يشغل الفنادق في شمال قبرص، معتبرا أن الأمر يمكن أن يتم بصورة معكوسة، متحدثا عن عدد آخر من القبارصة الأتراك الذين تركوا ممتلكاتهم في لارنكا ومنها فنادق وعقارات. معتبرا أن «كل ادعاءات السفير بلا أرضية وبلا معنى». ويستغرب كيليتش «الإثارة» التي يعتمدها «زميله اللدود»، قائلا: «نحن ضيوف في لبنان، وعلينا احترام هذا الواقع، واحترام القرارات اللبنانية».. وكشف أنه سيسعى بعد تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة إلى إقامة خط مباشر بين لبنان وفماغوستا بعد انتفاء الموانع القانونية. معتبرا أن الموضوع اقتصادي لا سياسي وفيه فائدة للطرفين، مشيرا إلى أن خط طرابلس من شأنه أن ينعش اقتصاد هذه المدينة التي تعاني الكثير من الركود. وقال ـ ردا على سؤال ـ إنه لا يرى موجبا للرفض اللبناني لإقامة مثل هذا الخط بسبب عدم وجود موانع قانونية. وأضاف: «سنستمر في محاولة إقناع السلطات اللبنانية من أجل مصلحة القبارصة والأتراك واللبنانيين أيضا».