نشطاء حقوقيون مغاربة يتظاهرون أمام السفارة الفرنسية بالرباط احتجاجا على إجراءات التأشيرة

وفاة مريضة مغربية تؤدي إلى إقالة القنصل الفرنسي بالعاصمة

سيدة تتظاهر خلال الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أمام السفارة الفرنسية بالرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

نظمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ونشطاء، الليلة قبل الماضية، مظاهرة أمام مقر السفارة الفرنسية بالرباط، احتجاجا على رفض قنصليتها بمدينة فاس (وسط) منح تأشيرة طبية لمريضة تدعى عائشة مختاري تخول لها السفر إلى فرنسا للعلاج من مرض سرطان العظام.

وأكد مشاركون في ندوة عقدت بمناسبة الذكرى الأربعين لوفاة مختاري ضرورة التعامل مع ملف التأشيرة وفق معايير واضحة ومحددة، تأخذ بعين الاعتبار حرية التنقل كحق من حقوق الإنسان، معتبرين أن المشكلة سياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي فإن الحل لا يمكن أن يكون إلا سياسيا.

وقالت خديجة رياضي، رئيسة الجمعية، إن الوقفة الاحتجاجية أمام البعثة الدبلوماسية بالعاصمة السياسية، والتي استغرقت نصف ساعة، وتم خلالها ترديد شعارات منددة برفض التأشيرة، تدخل في إطار حملة من أجل تغيير قوانين التأشيرة، ودمقرطة العلاقة بين الدول الأوروبية ودول الجنوب، ومن ضمنها المغرب، وذلك تحت شعار: «حتى لا تذهب حياة عائشة مختاري عبثا، ومن أجل جعل شروط منح التأشيرة للمغاربة أكثر إنسانية». وبعد أن حملت رياضي المسؤولية المباشرة للقنصلية الفرنسية عن قرار رفض منح التأشيرة للراحلة مختاري، التي تقدمت عائلتها بملف طبي متكامل، أعربت عن الابتهاج لإقالة القنصل الفرنسي من طرف حكومة بلاده، واعتبرت ذلك «رد فعل إيجابيا للسلطات الفرنسية تجاه هذه الفاجعة، رغم تناقض المعطيات حول أسباب الإقالة»، وفق تعبيرها.

وذكرت رياضي بما سبق أن قامت به الجمعية، حيث راسلت الرئيس نيكولا ساركوزي «لمطالبته بالاعتذار لعائلة الفقيدة، لما تسببت فيه إدارته من ضرر بالغ، بل ومأساة كبيرة، وتعويض العائلة عن ذلك الضرر، وكذا المطالبة بتعويض الضرر الجماعي للدولة الفرنسية تجاه الشعب المغربي، بمراجعة قوانينها المنظمة لشروط منح التأشيرة، بما يتلاءم واحترام كرامة المواطنين المغاربة، وحقوقهم التي تنص عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، والتي لا تميز بين البشر كيفما كان عرقه أو جنسيته أو دينه أو انتماؤه الاجتماعي أو السياسي أو غيره».

وسبق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن راسلت أيضا عباس الفاسي، رئيس الوزراء المغربي، «لاستنكار موقف المتفرج الذي اتخذته الحكومة المغربية، والمشجع لموقف السلطات الفرنسية، رغم المراسلات المتعددة لأسرة الفقيدة، والتي لم تتلقّ أي جواب»، حسب قول رياضي.

وأجمع باحثون مختصون في الهجرة وحقوق الإنسان على أهمية النظر إلى التأشيرة من زاوية حقوق الإنسان، متوقفين بالخصوص، في ندوة عقدت الليلة قبل الماضية بنادي المحامين بالرباط، عند الإشكاليات التي تطرحها، «والظروف المهينة للكرامة الإنسانية التي تصاحب عملية دفع ملفات الطلبات للحصول عليها». وقال الدكتور عبد الكريم بلكندوز، الباحث في مجال الهجرة، إن التأشيرة باتت أداة للمراقبة والانتقاء، وتهدف إلى منع مواطنين من الضفة الجنوبية للالتحاق بالضفة الشمالية، مما يشجع، في نظره، على تنامي ظاهرة الهجرة السرية.

وقال بلكندوز إن المنطق السائد لدى قنصليات الاتحاد الأوروبي هو التشكيك في شخصية أي طالب للتأشيرة، إذ يتم النظر إليه كأنه يشكل خطرا من أخطار الهجرة، يمكن أن يهدد أوروبا، ويساهم في غزوها واجتياحها.

وكشف بلكندوز أن أوروبا تضغط على المغرب في إطار ما يسمى «محاربة الهجرة السرية»، ليفرض بدوره التأشيرة على طالبيها من الدول الأفريقية، وعدد من البلدان الصديقة. وأوضح بلكندوز أنه قد يتعين على المغرب التدخل لدى أوروبا من أجل تبسيط إجراءات الحصول على التأشيرة، مذكرا في هذا السياق أن الراحل عبد اللطيف الفيلالي، رئيس الوزراء المغربي السابق، كان قد تقدم باحتجاج حول ما يلقاه المواطنون المغاربة من معاناة أمام القنصليات الأوروبية، وكذلك فعل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يوم كان وزيرا للخارجية، حين ألح في باريس على احترام كرامة مواطني بلاده، وقال إن الأسبقية لهم قبل بدء المفاوضات حول الغاز والبترول.

ودعا عبد الرحيم برادة، المحامي والناشط الحقوقي، إلى انتهاج سبل الواقعية، وعدم تضييع الوقت في الحديث عن التأشيرة، انطلاقا من حقوق الإنسان أو استنادا إلى العاطفة فقط، على حد تعبيره، بل لا بد من استحضار القانون الدولي المتعلق بهذا الموضوع، وكذا معطى السيادة الداخلية لكل دولة بما يعنيه ذلك من مضامين ذات أبعاد داخلية وخارجية، ومن فتح للحدود أو إغلاقها، وتحديد للشروط المرتبطة بالهجرة أو التأشيرة أو غيرهما.

ووصف برادة مشكلة التأشيرة بأنها مشكلة سياسية وليست قانونية، مشيرا إلى أن هناك بعض الوسائل التي يمكن استعمالها، ومنها المعاملة بنفس المنطق، أي المعاملة بالمثل، بفرض التأشيرة على مواطني الاتحاد الأوروبي وغيرهم، كما يمكن في اعتقاده كذلك «عقد اتفاقيات مع الدول المعنية، التي لها علاقات وثيقة بالمغرب، حتى يكون التواصل مؤطرا، وحتى لا يبقى المواطنون المغاربة رهائن لدى موظفين في قنصليات لا يعاملونهم المعاملة اللائقة بهم».

وبدوره قال كمال الحبيب، الفاعل الجمعوي، إن المشكلة سياسية في العمق لارتباطها بحرية تنقل الأشخاص، لا سيما بعد أن أصبحت إجراءات الحصول على التأشيرة أكثر تعقيدا.

وأبرز الحبيب أن مكونات الحركة المدنية بالمغرب تريد خلق عالم آخر، وأنها ما زالت تأمل في إمكانية التغيير في بناء العلاقات بين دول الاتحاد الأوروبي ودول الجنوب، داعيا إلى استفادة المغرب من الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي، على الأقل، في تبسيط إجراءات التأشيرة، واحترام طالبيها بما يضمن لهم الإحساس بكرامتهم. وفي أثناء النقاش طرح الحاضرون عدة أفكار تدور في معظمها حول ضرورة المعاملة بالمثل، والمطالبة باسترجاع المبالغ المالية المدفوعة في حالة رفض منح التأشيرة، والعمل على فضح الفساد في بعض القنصليات، والقيام بإجراء دراسة علمية وقانونية تتضمن معطيات وإحصائيات دقيقة حول كل ما يتصل بملف التأشيرة من جميع جوانبه. واعتذرت السفارة الفرنسية بالرباط عن الإدلاء بأي تصريح في موضوع الراحلة مختاري، لدى اتصال «الشرق الأوسط» بها صباح أمس، وقال مصدر مسؤول إن سفارة بلاده ترفض الدخول في أي جدل حول هذا الملف، مضيفا: «إن كل شيء نشر في الصحافة المغربية»، في نظره، مكتفيا بالإشارة إلى أن 80 في المائة من طلبات التأشيرة الطبية تتم الاستجابة لها من لدن المصالح القنصلية الفرنسية بالمغرب.