الانتخابات الألمانية: الاستطلاعات تتذبذب أمام تماثل البرامج

المعركة مستمرة على 41% من المترددين .. وأفغانستان تزاحم بقوة الأجندة المحلية

TT

بدت نتائج استطلاعات الرأي التي تجري في ألمانيا عشية الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل، متذبذبة باستمرار، فيما عزا محللون ذلك إلى تماثل البرامج السياسية للأحزاب المتنافسة. وكان لافتا، من ناحية أخرى، أن ملف أفغانستان يزاحم بقوة الأجندة المحلية في الحملة الانتخابية الحالية.

واعتبر المحلل السياسي ماتياس يونغست، أن تغير نتائج استطلاعات خلال الأيام العشرة التي تسبق موعد الاقتراع، يعد سابقة في الانتخابات الألمانية. ولاحظ أن نتائج الاستطلاعات في انتخابات عام 2005 والتي سبقتها كانت شبه ثابتة، في الأسبوع الأخير الذي سبق الاقتراع، في حين أن نتائج الاستطلاعات في انتخابات العام الحالي ما انفكت تتغير باستمرار.

ففي حين كانت الاستطلاعات تتوقع قبل أسبوعين تقدم تحالف المسيحيين والليبراليين، صار الفرق بين حصيلة التحالف المسيحي ـ الليبرالي وكتلة الاشتراكي ـ الخضر يتضاءل باستمرار خلال الأيام القليلة الماضية وينذر بعودة التحالف الكبير بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي، بقيادة انجيلا ميركل، إلى الحكم.

فتقارب الأصوات بين الفريقين، وعدم رغبة كل منهما بالتحالف مع حزب اليسار، لا يترك أمام الأحزاب المتناحرة غير القبول بالتحالف العريض أو إعادة الانتخابات. كما رفض الحزب الليبرالي الدخول في تحالف مع الحزب الاشتراكي وحزب الخضر واليسار، في حين شدد حزب الخضر رفضه دخول التحالف إلى جانب المسيحيين والليبراليين. هذا مع وجود هامش لتفوق تحالف المسيحيين مع الليبراليين من خلال المقاعد الإضافية التي يمنحها القانون الانتخابي للأحزاب التي تنجح في إيصال أكبر عدد ممكن من المرشحين المباشرين إلى البرلمان.

كذلك، فان نسبة الذين لم يحسموا أمرهم في هذه الانتخابات لا تزال مرتفعة مقارنة بالانتخابات السابقة. ففي انتخابات 2005، كانت نسبة المترددين قبل أسبوعين من الاقتراع، في حدود 27%، بينما هي في الانتخابات الحالية، وقبل ثلاثة أيام من الاقتراع، في حدود 35% حسب معهد «فورسا»، وترتفع إلى نسبة 41% حسب مجموعة الأبحاث «اللينزباخ».

ويجمع الخبراء على أن زيادة تردد الناس في التصويت تكمن في تماثل برامج الأحزاب نسبيا واختلال ثقة المواطن بالوعود الانتخابية. فأربع سنوات من حكم التحالف العريض بقيادة انجيلا ميركل اضعف قدرة الأحزاب الصغيرة على المعارضة وترك القرارات بيد الأحزاب الكبيرة التي تحتكر الأغلبية الساحقة في البرلمان الألماني. كما تقاربت سياسة الحزبين الكبيرين، الديمقراطي المسيحي والديمقراطي الاشتراكي، وخصوصا في السياسة الاجتماعية والسياسة الخارجية.

ولم تعد السياسة الخارجية تلعب دورا كبيرا في الانتخابات الحالية لأن قرارات المشاركة في القوات الدولية في أفغانستان والقرن الأفريقي هي من نتائج حكم تحالف الاشتراكي ـ الخضر بقيادة المستشار السابق غيرهارد شرودر، وقد زادت تنوعا وتشددا في حكم المستشارة ميركل وتحالفها الكبير. وهي أيضا نتاج للسياسة التي انتهجها شرودر ووزير خارجيته يوشكا فيشر (من حزب الخضر) مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.

وفيما يلعب الملف الأفغاني دوراً مهما في الحملة الانتخابية الحالية، تشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الألمان يؤيدون بقاء القوات الألمانية في أفغانستان وأن 54% منهم يؤيدون زيادتها، وجلهم من ناخبي الأحزاب الكبيرة.

وبالنسبة للأجندة المحلية، يرى محللون سياسيون أن انجيلا ميركل حققت سبقا على الاشتراكيين من خلال شعاراتها الاقتصادية والاجتماعية التي تخاطب النخب العريضة من المجتمع. ففي محاولة للتمايز عن بقية الأحزاب، وعدت ميركل، بمحاربة البطالة، بتعديل أنظمة التقاعد، ومساواة الأجور بين الشرق والغرب. وتضرب ميركل في هذا الشعار عصفورين بحجر لأنها تخاطب مجموعتين أساسيتين من الناخبين وهما الناخبون الشرقيون والمتقاعدون. فالشرقيون، الذين يشكلون ربع الشعب تقريبا، يتطلعون منذ سقوط الجدار إلى انتعاش الاقتصاد في الولايات الشرقية وإلى مساواتهم بالأجور مع الغربيين، في حين يشكل المسنون من فئة أكثر من 60 سنة نحو 49% من الناخبين.

ويعد الحزب الديمقراطي المسيحي ناخبيه بتقليص الضرائب على المواطنين عموما دون تمييز رغم شكوك الخبراء الاقتصاديين بهذه الوعود، ولا يختلف عنه الحزب الديمقراطي الاشتراكي إلا في التفاصيل، إذ يدعو إلى تقليص الضرائب قليلا على محدودي الدخول وزيادتها قليلا على ذوي الدخول العالية.

بل إن برنامج الحزب الديمقراطي المسيحي في مجال البيئة لا يبدو مختلفا كثيرا، إلا في التفاصيل، عن برنامج حزب الخضر عدا عن أنه يتجنب وضع حد زمني لغلق المفاعلات النووية. ويضع البرنامج تعهدات برفع نسبة الطاقة البديلة من مجموع استهلاك ألمانيا للطاقة إلى 30% خلال عشر سنوات، ويعد بتقليص إطلاق غاز ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 40% حتى نهاية عام 2020.

وتعليقا على هذه الحالة، ونقدا لبرامج الأحزاب وصفت صحيفة «فرانكفورتر الجيماينة» الواسعة الانتشار برامج الأحزاب المختلفة لخوض انتخابات 2009 بأنها مثل كتاب مخصص للأطفال مليء بالصور الكبيرة، ويحتوي على كمية قليلة من الشروح والتفاصيل. تضيف أن صور الأحزاب الكبيرة لا تختلف عن صور الأحزاب الصغيرة في هذا الكتاب إلا بالحجم.