البرادعي: امتلاك إيران لقنبلة نووية مجرد تهويل والحل بتعزيز معاهدة عدم الانتشار النووي

قال في مقابلة إن قصف إيران سيحول المنطقة بأكملها إلى كرة من لهب.. ولن يلغي البرنامج الإيراني

د. محمد البرادعي
TT

أبدى الدكتور محمد البرادعي، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تفاؤله بنجاح المباحثات التي ستبدأ عصر اليوم بمبني الوكالة بالعاصمة النمساوية فيينا بين إيران ومجموعة 5+1 لتحقيق ما وصفه بالصفقة التي ستمكن إيران من الحصول على ما تحتاجه من يورانيوم معالج للاستفادة منه في أغراض طبية. وقال البرادعي في حوار أجرته معه صحيفة «دي برسا» اليومية النمساوية، إن امتلاك إيران لقنبلة نووية مجرد تهويل.. وإن الحل هو في تعزيز معاهدة عدم الانتشار النووي، قبل أن يشير إلى أن تعرض إيران لأي قصف من شأنه أن يحول المنطقة بأكملها إلى كرة من لهب.. ولن يلغي البرنامج الإيراني.

وأكد البرادعي في المقابلة أن جلوس الأطراف مجتمعة حول طاولة لحوار مشترك ومباشر يعتبر خطوة أولى لإعادة الثقة فيما بينها، ولإزالة جمود وشكوك استمرت لأكثر من 7 سنوات منذ أن تكشفت حقائق حول نشاط إيراني نووي سري. ودعا لتضافر الجهود والعمل بجدية لإنجاح هذه المحادثات كخطوة أمل يجب ألا يتسرب في الهواء بعد أن تحقق في جنيف مطلع هذا الشهر جلوس وزير الدولة بوزارة الخارجية الأميركية، لمدة 45 دقيقة، مع المفاوض الإيراني سعيد جليلي لأول مرة منذ 30 عاما، ما أعطى الأمل أنهما يرغبان في الحوار رغم وجود من يعارضه من الجانبين. واصفا جلوس الإيرانيين والأميركيين وجها لوجه بمثابة بداية حقيقية لعبور طريق هام وإن كان سيستغرق وقتا لحل المشكلات والقضايا كافة.

وقال إن مواصلة هذه المحادثات وصولا لإبرام الاتفاق قد يفتح الباب لمزيد من المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني، ما سيساعد في إزالة الكثير من أسباب التوتر، مشيدا في هذا المجال بالفهم الذي أبداه الرئيس أوباما بأن الحوار المباشر دون شروط مسبقة هو الحل الأنجع بدلا من التهديد بفرض مزيد من العقوبات التي في اعتقاده لن تزيد إيران قربا.

من جانب آخر أبدى البرادعي أسفه لكوننا لا نزال نعيش في عالم يسوده الاعتقاد أن امتلاك الأسلحة النووية يجلب المزيد من القوة والنفوذ والهيبة، غير مستبعد أن يكون ذلك هو السبب الذي يدفع إيران لتطوير برنامجها النووي بحثا عن نفوذ في المنطقة. وأشار البرادعي إلى أن استمرار تردي العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران قد انعكس سلبا على طريقة التعامل مع قضية الملف النووي الإيراني، مشيرا إلى كثرة ما تردد من حديث عن إيران كمحور للشر والشيطان مما لم يصب في خانة بذر الثقة وإمكانية التعامل المباشر. وأكد أن التغيير الذي أبداه الرئيس أوباما بإمكانية الجلوس للتفاوض مباشرة سيوفر فرصا أوسع لبحث المشكلات كافة كحزمة واحدة.

وبيّن المسؤول النووي أن الوكالة تلقت ردود فعل إيجابية حول هذه الصفقة لشراء إيران للوقود المخصب، حتى من الولايات المتحدة التي تدعم هذا الحل باعتباره مفيدا للجميع، كما سيساهم في نزع فتيل النزاع ويوفر أجواء سلمية للدخول على مزيد من التفاصيل، مبديا أمله أن يتم بحث جميع المشكلات بذات الطريقة التي أبداها الرئيس أوباما بالجلوس للحوار دون شروط مسبقة، مذكرا بما قاله الرئيس الإيراني الذي صرح أن بحث هذه الصفقة الكبرى لن يؤدي إلى مناقشة القضايا النووية فحسب، بل ولمناقشة كل المشكلات بين إيران وأميركا ومنذ 50 عاما.

من جانب آخر ذكّر البرادعي بالدور الهام الذي يمكن أن تضطلع به إيران في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك ما يختص بالأوضاع في أفغانستان والعراق وسورية ولبنان وفلسطين، مبينا في ذات الوقت أن إيران بدورها تحتاج الغرب للمساعدة في بناء بنيتها التحتية ولتطوير مواردها من النفط والغاز، ما يجعلها شريكا تجاريا له مصالح متبادلة، داعيا إلى عدم التشاؤم «حتى ولو افترضنا أن إيران تعمل لصنع قنبلة نووية» كما تشير بعض المصادر، متسائلا كم سيستغرق ذلك، منوها في هذا المجال لتضارب ما تذكره تلك المصادر التي يؤكد بعضها أن إيران بعيدة عن امتلاك سلاح نووي فيما تؤكد أخرى أنها على وشك ذلك. وأوضح أن تلك الأقاويل لا تؤكد فعليا أن إيران تمتلك منتجات القنبلة النووية، ما يجعل الأمر في نهايته مجرد تهويل ومبالغة حول امتلاك إيران لسلاح نووي. مبينا أن الحل الأمثل في هذا الحالات هو خضوع إيران والتزامها بقوانين الضمان النووي، كاشفا أن في العالم اليوم 15 دولة لديها القدرة النووية، وبمقدورها إنتاج أسلحة نووية في غضون بضعة أسابيع أو أشهر. مذكرا أنه وللحد من أخطار كهذه طرح أمام مجلس الأمن ضرورة تعزيز معاهدة عدم الانتشار النووي.

وردا على سؤال حول التهديدات التي تطلقها إسرائيل بقصف المنشآت النووية الإيرانية لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، قلل البرادعي من التهديدات بالقصف كحلّ، مشددا أن قصف إيران سيحول المنطقة بأكملها إلى كرة من لهب. مستشهدا بما ذكره وزير الدفاع الأميركي الذي قال إن قصف المنشآت الإيرانية سيؤخر ويؤجل البرنامج الإيراني لمجرد عامين، مضيفا أن إيران يمكنها أن ترد. داعيا إلى أمر أهم، وهو ضرورة البحث لتوفير رد للسؤال: «لماذا تسعى الدول لتطوير أسلحتها النووية؟»، مجيبا باعتقاده أنها ترى ذلك الأمر كبوليصة تأمين.

داعيا لضرورة الانتباه إلى أن قادة دول منطقة الشرق الأوسط يشكون من إمكانية التعايش مع إسرائيل كقوة نووية، ما يدعو ويشدد من ضرورة العمل لجعل كل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي. مذكرا أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة بالمنطقة غير الموقعة على اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، فيما قامت بقية دول المنطقة بالتوقيع والالتزام بهذا الاتفاق، وذاك أمر لن يكون بمقدارها تحمله في حالة عدم التزام إسرائيلي. وبشأن تطورات التحقق التي تقوم بها الوكالة حول منشأة الكبر السورية التي قصفتها إسرائيل كرر البرادعي إيمانه أن استخدام القوة ليس حلا ولن يساعد، مشير إلى أن الوكالة لم تنَل المعلومات بشأن هذه المنشأة إلا بعد 6 أشهر من قصفها، وأن الوكالة لا تزال تسعى لتبين الحقائق وإن كانت المنطقة منشأة لإطلاق صواريخ كما تؤكد سورية أم مفاعل نووي بنته سورية بمساعدة كورية شمالية، مشيرا إلى أنه لغز يدعو سورية للمساعدة في حله. في سياق آخر أشار الدكتور محمد البرادعي الذي أدار الوكالة لمدة 12 عاما لم يتبق منها غير بضعة أيام، إلى قلقه حول إمكانية استغلال التكنولوجيا النووية من قبل جماعات متطرفة يمكن أن تستخدم الأسلحة النووية دون قيود. موضحا أن هذا القلق هو ذات السبب الذي يدعو شخصيات عالمية أخرى للمطالبة بنزع السلاح النووي، منطلقة من منطلق واقعي حتى لا تقع هذه الأسلحة في قبضة جماعات إرهابية. داعيا إلى مزيد من اليقظة حتى لا تصبح المعرفة النووية مصدرا لكسب المال الخطأ.

في جانب آخر أكد البرادعي إيمانه بضرورة النظر لدول نووية كالهند على أنها شريك وليس دولة منبوذة، معتبرا التعاون الأخير بين الهند والولايات المتحدة الأميركية بمثابة إشارة ضرورية تنبه لضرورة إعادة ترتيبات جيوسياسية في حالة اعتبر البعض ذلك التعاون محاولة أميركية لتقوية الهند حتى تقف في وجه التقدم الصيني. مواصلا أن أمورا كهذه وغيرها من تحديات ومشكلات وتعقيدات عالمية تقوي من الحاجة لوجود منظمات دولية قوية مستقلة ومتخصصة، لن تنجح إلا إذا حظيت بتناغم من جميع أعضائها وبجهودهم معا. نافيا أن تكون تلك المنظمات، ومنها الوكالة الدولية، مجرد أجهزة ينتظر منها القيام بمجرد أعمال سباكة. مذكرا أن بعض مهامها تصبح ذات تأثيرات سياسية لا محالة. ناصحا، بطلب من الصحيفة، خلفه المدير الجديد الياباني يوكيا أمانو بالحرص على أن تظل الوكالة محايدة ومستقلة، مشيرا إلى أن الوكالة لا تمتلك جيشا أو حكومة، وأنها كثيرا ما تتعرض للهجمات والرفض والانتقاد بعدم الاستقلالية، لكن ذلك يجب ألا يزيدها إلا قوة لمزيد من الزخم لنزع السلاح النووي، وفي الوقت ذاته تقديم العون والمساعدة لأعضائها ممن يهتمون بترقية تطلعاتهم النووية لأغراض سلمية.