مقتل 6 من قادة الحرس الثوري في عملية انتحارية بإقليم بالوشستان وطهران تتوعد برد قوي

جماعة جند الله الإيرانية تتبنى العملية.. وطهران تتهم واشنطن بالوقوف وراءها.. والخارجية الأميركية تنفي

عناصر من قوات الحرس الثوري خلال استعراض للقوة مؤخرا في طهران (أ.ف.ب)
TT

في عملية تعد الأكثر دموية تعرضت لها قوات الحرس الثوري الإيراني في السنوات الأخيرة، لقي ما لا يقل عن 29 شخصا مصرعهم، بينهم 6 من كبار قادة الحرس الثوري، بالإضافة إلى زعماء عشائر، في هجوم انتحاري تبنته مجموعة جند الله الإيرانية، في إحدى مدن محافظة سيستان ـ بالوشستان (جنوب شرق) قرب الحدود مع باكستان، استهدف اجتماعا كان يهدف لتوثيق العلاقات بين السنة والشيعة. ونددت طهران بالعمل «الإرهابي» متهمة الولايات المتحدة وبريطانيا بالوقوف وراء الجماعات «الإرهابية ودعمها»، متوعدة برد قوي، لكن واشنطن ولندن أدانتا العملية، ووصف البيت الأبيض الاتهامات بالتورط الأميركي بأنها «باطلة تماما».

وأكدت وزارة الداخلية الإيرانية على موقعها على الإنترنت، مقتل 29 شخصا على الأقل وجرح 28 آخرين. لكن وكالة أنباء «فارس» قالت إن من 40 إلى 50 من عناصر الحرس الثوري لقوا حتفهم جراء الهجوم. ومن بين القتلى: الجنرال نور علي شوشتري، نائب قائد سلاح البر في الحرس الثوري، والجنرال محمد زاده، قائد الحرس الثوري في محافظة سيستان ـ بالوشستان، وقائد الحرس الثوري في مدينة إيرانشهر (جنوب شرق) وقائد وحدة أمير المؤمنين»، وقائدان آخران بالإضافة إلى مجموعة من عناصر الحرس الثوري وزعماء عشائر من السنة والشيعة. وأضافت الداخلية الإيرانية في بيانها «بين الشهداء عدة أشخاص أبرياء من السنة والشيعة ووجهاء عشائر وقادة في الحرس الثوري»، وقالت «سنعتقل في وقت قريب جدا منفذي هذا العمل الإرهابي وسنعاقبهم». وقالت وسائل إعلام إن شوشتري كان أيضا مسؤولا رفيعا في قوة القدس التابعة للحرس الثوري.

ووقع الهجوم الانتحاري عند الساعة الثامنة صباحا بالتوقيت المحلي (4:30 ت.غ) في مدينة بيشين على الحدود مع باكستان فيما كان قادة الحرس الثوري يشاركون في ملتقى مع زعماء العشائر السنية والشيعية في المحافظة بهدف تعزيز «الوحدة بين الشيعة والسنة»، كما ذكرت «وكالة أنباء فارس». وقالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا»، «فجر رجل المتفجرات التي كان يحملها خلال ملتقى الوحدة بين زعماء عشائر محليين من السنة والشيعة» حضره قادة الحرس الثوري في مدينة في محافظة سيستان ـ بالوشستان. وأشارت قناة «برس تي. في» التلفزيونية الإيرانية الحكومية، إلى أن المهاجم فجر متفجرات ملفوفة حول جسده أثناء تجمع لشيوخ قبائل مضيفة أن مدنيين وشيوخ قبائل من بين الضحايا أيضا. وشهد الإقليم اشتباكات متكررة بين قوات الأمن ومتمردين من السنة ومهربي المخدرات.

من جهته اتهم رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الولايات المتحدة بالوقوف وراء الهجوم. وقال لاريجاني «نعتبر الهجوم الإرهابي الأخير نتيجة لأعمال الولايات المتحدة. إنه دليل على عداء أميركا لبلادنا».

وأضاف أن الرئيس الأميركي باراك «أوباما قال إنه سيمد يده إلى إيران لكن مع هذا العمل الإرهابي لقد أحرق يده». وقال لاريجاني وهو يقدم التعازي إلى أسر الضحايا «هدف الإرهابيين ضرب الأمن والاستقرار في محافظة سيستان ـ بالوشستان. وهذا يدل على أنهم لا يريدون أن تتطور المحافظة على الصعيد الاقتصادي». وأضاف «بالتأكيد الحرس الثوري سيرد بقوة أكبر لفرض الأمن في المنطقة». كما اتهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان علاء الدين بوروجردي، «الولايات المتحدة بالوقوف وراء المجموعات الإرهابية لا سيما مجموعة جند الله برئاسة عبد المالك ريجي، كما أوردت وكالة «مهر» للأنباء. وبدوره قال الحرس الثوري إن الهدف من الهجوم هو تأجيج الفتنة الطائفية في المنطقة، متهما في بيان له «قوى الاستكبار العالمية بتحريض عناصر لحسابها» لارتكاب هذا الهجوم. وهذا التعبير تشير به السلطات الإيرانية عادة إلى الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا. والحرس الثوري قوة خاصة ينظر لها على أنها شديدة الولاء لقيم الثورة الإسلامية، التي قامت في إيران عام 1979. وهي تتولى مسؤولية الأمن في مناطق حدودية حساسة. وأشار التلفزيون الإيراني بأصابع الاتهام إلى بريطانيا، قائلا، «أشارت بعض المصادر المطلعة إلى أن الحكومة البريطانية ضالعة بشكل مباشر في الهجوم الإرهابي، بتنظيم وتقديم معدات واستخدام إرهابيين محترفين». ولم تعقب وزارة الخارجية البريطانية بشكل مباشر على الهجوم، لكنها قالت في بيان «تدين الحكومة البريطانية الهجوم الإرهابي في إقليم سستان وبلوشستان في إيران، والخسارة الفادحة في الأرواح الناجمة عنه، الإرهاب مكروه في أي مكان يحدث به. تعاطفنا مع من قتلوا في الهجوم ومع عائلاتهم». وأدانت الولايات المتحدة التفجير، ونفت أي علاقة لها به. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إيان كيلي، في بيان مقتضب «ندين هذا العمل الإرهابي ونحزن لإزهاق أرواح الأبرياء. التقارير عن مزاعم بتورط أميركي باطلة تماما». ومن المرجح أن يزيد هذا التفجير ومزاعم بضلوع قوى غربية فيه التوترات بين طهران والغرب قبل يوم من المحادثات النووية، التي تعقد في فيينا وتضم مسؤولين إيرانيين وأميركيين وفرنسيين وروس.

وتعد جماعة «جند الله» كبرى الجماعات المتشددة الموجودة في المنطقة، وقد تورطت في عدة مواجهات مع الحرس الإيراني على طول الحدود مع أفغانستان وباكستان. وشهد شهر يوليو (تموز) الماضي إعدام 13 من عناصر جند الله في مدينة زاهيدان عاصمة المحافظة، كما أن شقيق عبد الملك ريجي قائد الجماعة في انتظار تنفيذ حكم الإعدام بحقه.

وتقول جند الله التي أعلنت مسؤوليتها عن التفجير، إنها تقاتل من أجل نيل حقوق الأقلية من السنة في إيران. ويعتقد بعض المحللين أن جند الله ظهرت من خلال تحويل الولاء بين أطراف مختلفة بما في ذلك حركة طالبان وجهاز مخابرات باكستاني، اعتبر الجماعة أداة ضد إيران. كما ربطت إيران بين جند الله وتنظيم القاعدة. وأغلب السكان في إقليم سستان من المسلمين السنة. وترفض إيران مزاعم جماعات غربية لحقوق الإنسان عن أن ممارساتها تنطوي على تمييز ضد أقليات عرقية ودينية.

* جند الله الإيرانية.. نبذة

* جند الله» حركة إسلامية مسلحة، تتكون عناصرها من أبناء الأقلية البلوشية السنية في إقليم سيستان ـ بلوشستان، جنوب شرقي إيران، على المثلث الحدودي مع أفغانستان وباكستان. ويعود تأسيسها إلى عام 2002 على يد عبد المالك ريغي.

* من أهم أهدافها العمل على الدفاع عن حقوق السنة والشعب البلوشي، والمطالبة بحكم ذاتي في الإقليم، أو إجبار طهران على التعاطي معها كحزب سياسي رسمي، كما يطالبون بتقسيم الثروة تقسيما عادلا، وأن يكون للسنة الحرية في بناء المساجد والمدارس، حيث تتهم الجماعة حكومة طهران باضطهاد السنة، وقتل علمائهم، وهدم المساجد وإغلاق المدارس.

* قامت في بداية عهدها بتوزيع الكتب والنشرات في المدن السنية، للفت الانتباه، إلا أن السلطات الحكومية قامت باعتقال أعضاء الحرکة وأعدمت بعضهم، وهو ما دفع الحرکة إلي التعجيل بحمل السلاح ومقاومة ما تعانيه من اضطهاد.

* إيران وباكستان تعتبرانها تنظيما إرهابيا، وتتهمانها بأنه على صلة وثيقة بحركة البلوش المطالبة بالاستقلال، أو أنه فصيل منها.

* تتهم إيران الولايات المتحدة وجهات أجنبية أخرى بدعم جند الله. لكن واشنطن نفت تلك التهمة، كما تتهم طهران الجماعة بالارتباط بتنظيم القاعدة وطالبان في باكستان أيضا، غير أن الحركة تنفي أي ارتباط بـ«القاعدة» أو حركة طالبان، أو الولايات المتحدة وبريطانيا.

* ترى «جند الله» أن إيران دولة «تأسست على فكر رجل واحد هو الخميني»، ووضعت حجر أساسها على فلسفة ولاية الفقيه. وتصنفها جهات أخرى بأنها حركة سلفية أصولية. وتنفي الحركة ذلك عن نفسها، معلنة أنها تطالب بقيام «نظام ديمقراطي علماني يحترم اعتقادات الشعب ومذاهبه».

* يصنف أمير الجماعة، الأمير. عبد المالك ريغي، بالمطلوب الأول لإيران والمحكوم بالإعدام لتورطه في عمليات خطف وقتل جنود وتشكيل جماعة مسلحة تناهض الجمهورية الإسلامية، هو في العقد الرابع من العمر، ويجتمع حوله عدد كبير من الشباب، وغالبيتهم إن لم يكونوا كلهم من سنة البلوشستان.

* إقليم سيستان وبالوشستان.. والهجمات فيه

* يوجد في جنوب شرقي إيران، على مثلث الحدود الساخن مع باكستان وأفغانستان، وعاصمته زاهدان. تسكنه أقلية سنية، ويعد المحافظة الأقل أمنا في إيران بسبب وجود المتمردين ومهربي المخدرات فيها. ويعد منطقة ساخنة حيث تكثر جبال بالوشستان الوعرة التي تتحصن فيها قوات «جند الله»، وهو سر قوتها. وقد ظل إقليم بالوشستان محتفظا بوحدة رقعته الجغرافية خلال القرون الماضية حتى تم تقسيمه بين إيران وباكستان وأفغانستان بعد الغزو البريطاني، ما أدى إلى نشوء بالوشستان إيرانية وبالوشستان باكستانية وبالوشستان أفغانية، إلا أن السكان البلوش ظلوا في المناطق الثلاث متمسكين بوحدة انتمائهم العرقي، إضافة إلى اللغة البلوشية. ومن ثم نشطت الحركات البلوشية مطالبة بفصل بالوشستان عن البلاد التي توزعت بينها (إيران وأفغانستان وباكستان) لإقامة دولتهم الموحدة.

* في ديسمبر (كانون الأول) 2005 قام مسلحون من «جند الله» باختطاف 9 جنود قرب مدينة زاهدان، وأفرجت عن ثمانية منهم بينما قتلت التاسع، وهو ضابط مخابرات يدعى شهاب منصوري، ونشرت شريطا مصورا لتنفيذ حكم الإعدام ضده.

* في مارس (آذار) 2006 قامت مجموعة مسلحة بفتح النار على موظفين حكوميين بعد أن أغلقت أحد الشوارع الرئيسية، ما أدى إلى مقتل 26 شخصا، وأصابت 12 من الحرس الثوري.

* في فبراير (شباط) 2007 انفجرت سيارة مفخخة عند مرور حافلة تقل أعضاء من وحدة النخبة التابعة للحرس الثوري، ما أدى إلى سقوط 13 قتيلا و30 جريحا.

* مارس (آذار) 2009 عملية كمين تم نصبه لقافلة حكومية على طريق تاسوكي الواصل بين مدينة زاهدان مركز الإقليم ومدينة زابل ثاني أكبر مدن بالوشستان، وقد أسفر عن مقتل حاكم مدينة زهدان واثنين وعشرين شخصا واحتجاز سبعة مسؤولين آخرين.

* 28 مايو (أيار) 2009 شنت عملية انتحارية داخل مسجد زهدان الشيعي، أدت إلى مقتل 25 قتيلا، ونحو 60 جريحا، وأعلنت مجموعة «جند الله» مسؤوليتها عنها.