الجيش الباكستاني يكثف هجومه لوزيرستان.. ومقاتلو طالبان يقاومون بشراسة

نزوح مائة ألف مدني.. ومسلحون عرب وأوزبك ومن شمال أفريقيا يشاركون في القتال

نقاط تفتيش داخل العاصمة إسلام آباد تحسباً لهجمات من عناصر طالبان ردا على الهجوم البري في وزيرستان الجنوبية (أ. ف. ب)
TT

خاضت القوات الباكستانية معارك شرسة مع مقاتلي طالبان أمس بعد يوم واحد من شن هجوم طال انتظاره بهدف بسط سلطة الدولة على المناطق القبلية الواقعة على الحدود الأفغانية والتي ينعدم فيها القانون. وتبدي حركة طالبان مقاومة شرسة لحملة الجيش الباكستاني البرية والجوية الواسعة النطاق على ولاية وزيرستان الجنوبية التي تندرج ضمن حزام قبلي يتمتع بحكم ذاتي صارم على الحدود الأفغانية. وتخرج المناطق القبلية السبع التي تسمى وكالات، على سيطرة الحكومة. واستغل آلاف الإسلاميين المتشددين غياب الرقابة وضعف قوى الأمن التابعة للدولة لإنشاء ملاذات حصينة في المنطقة. ويقاتل نحو 28 ألف جندي ما يقدر بنحو عشرة آلاف من مقاتلي طالبان من بينهم نحو ألف مقاتل اوزبكي وبعض أعضاء «القاعدة» من العرب بعد تطويق منطقة المتشددين والتقدم فيها من ثلاثة اتجاهات. وقال الجيش إن اشتباكات اندلعت أول من أمس في الوقت الذي واجه فيه الجنود الذين تدعمهم طائرات ومدفعية مقاومة، وقتل أربعة جنود وأصيب 12. وصرح مسؤولون بأن قوات الأمن استولت على معقل لطالبان في سبينكاي راجزاي أمس بعد انسحاب المتشددين من تحصيناتهم ولجوئهم إلى الجبال المجاورة. وقال مسؤول حكومي كبير في شمال غربي البلاد: «إنها منطقة منبسطة ولذلك فكلما حاولوا إبداء مقاومة أطلقت طائرات الهليكوبتر النار عليهم ومن ثم قرروا الهروب إلى الجبال. وفي إظهار للوحدة قبل الهجوم البري أعطى مسؤولو الحكومة وزعماء الأحزاب السياسية يوم الجمعة دعمهم الكامل للجيش الذي تعهد باستئصال التمرد. وتواجه باكستان المسلحة نوويا ضغوطا أميركية لشن حملة على التشدد الإسلامي في الوقت الذي يدرس فيه الرئيس باراك اوباما تعزيز عدد القوات التي تقاتل في أفغانستان المجاورة. وفر كثيرون من أعضاء «القاعدة» وطالبان إلى شمال غربي باكستان بعد إطاحة قوات قادتها أميركا بطالبان في كابل في 2001 وأصبحت المنطقة بؤرة عالمية للتشدد الإسلامي. وقد يكون هذا الهجوم أصعب اختبار للجيش الباكستاني منذ أن انقلب المتشددون على الدولة وهناك آمال بان تبقى فصائل طالبان الأفغانية في أماكن أخرى في وزيرستان الجنوبية ووزيرستان الشمالية بعيدة عن القتال. وقال الجيش إن ما يصل إلى 100 ألف مدني فروا من وزيرستان الجنوبية تحسبا للهجوم في حين قالت الأمم المتحدة إن 500 شخص يرحلون يوميا. وأعلنت حالة التأهب في صفوف قوات الأمن في شتى أنحاء البلاد تحسبا لوقوع هجمات انتقامية. وجنوب وزيرستان هو جزء من منطقة القبائل الباكستانية المحاذية للحدود الأفغانية والتي يعتبرها القادة الأميركيون اخطر مكان في العالم وحيث لجأ آلاف من عناصر طالبان و«القاعدة» اثر سقوط نظام طالبان في أفغانستان عام 2001. وقصفت القوات الباكستانية بالمدفعية الثقيلة مواقع طالبان ليلا بعد التقدم على ثلاث جبهات في إطار الهجوم الذي خططت له منذ أشهر ويطرح اكبر تحد حتى الآن في الحرب الباكستانية ضد الناشطين الإسلاميين.

وقال مسؤولون امنيون إن 17 إلى 20 ناشطا قتلوا لكن لم يتسن التأكد من هذه المعلومات بسبب تعذر الوصول إلى المنطقة وعدم إصدار الجيش بيانات حول حصيلة القتلى. وتعهدت باكستان باستئصال الناشطين بعد موجة من الهجمات في البلاد حصلت في الأيام الأخيرة. وقال الكولونيل وسيم شهيد من مجموعة دعم للجيش لوكالة الصحافة الفرنسية «نقدر أن حوالي 100 ألف شخص إضافي قد ينزحون ليصل إجمالي عدد النازحين إلى ما بين 150 ألفا إلى 200 ألف».

وجرت اشتباكات عنيفة في منطقة شاروانغي الجبلية وقرب سبينكاي راغازي فيما أعلن الجيش انه سيطر عليها ليلة أول من أمس. وأقامت القوات الباكستانية حاجزا على الطريق المؤدية إلى كوتكاي، البلدة التي يتحدر منها زعيم طالبان الباكستانية حكيم الله محسود. وقتل خمسة جنود بعدما توغلت آلاف العناصر شمالا في اتجاه ماكين، وشرقا في اتجاه كوتكاي وسبينكاي راغازي وغربا في اتجاه كونيغارام وبدر كما أعلن مسؤولون امنيون. وقال الناطق باسم الجيش الجنرال اطهر عباس كما نقلت عنه محطات التلفزة إن «العملية ستستمر إلى حين تحقيق الأهداف. وقد أغلقت كل نقاط الدخول والخروج من وزيرستان». وخطط القادة الباكستانيون لهجوم يستمر ستة إلى ثمانية أسابيع يهدف إلى إنهاء العملية قبل حلول فصل الشتاء. ويقدر وجود 10 إلى 12 ألف مقاتل من حركة طالبان الباكستانية في جنوب وزيرستان وما يصل إلى 25 ألفا في منطقة القبائل الباكستانية الخاضعة لشبه حكم ذاتي. وأعلن الجيش الباكستاني أن مقاتلين من دول بوسط آسيا لا سيما من اوزبكستان وعربا ومن دول شمال أفريقيا وحتى بعض الأوروبيين يشاركون في المعارك.

وتعتبر واشنطن أن تنظيم القاعدة أعاد تشكيل قواته في المناطق القبلية الباكستانية المحاذية لأفغانستان وان حركة طالبان الأفغانية أقامت فيها قواعد خلفية تشن منها هجمات في أفغانستان.

والهجوم الذي تشنه القوات الباكستانية يترافق مع حظر تجول غير محدود زمنيا فرض على جنوب وزيرستان كما قال مسؤولون. وقد أظهرت وتيرة الهجمات التي وقعت في البلاد منذ 5 أكتوبر (تشرين الأول) بما يشمل الهجوم على مقر قيادة الجيش قرب إسلام آباد، ضعف القوى الأمنية حيث يقول خبراء انه تنقصها التجهيزات والخبرة في مجال مكافحة الإرهاب. وقال مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة «تبذل أقصى جهودها» لمساعدة باكستان على تحسين قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب مع تقديم مساعدة عسكرية لهذه الدولة المسلمة. ورسم القادة العسكريون على مدى أشهر مخططات المعركة للاستيلاء على وزيريستان مستفيدين من موجة تأييد شعبي للعملية التي اعتبرت ناجحة ضد طالبان في وادي سوات. لكن المهمة في جنوب وزيرستان ستكون أصعب بكثير نظرا لثقافة الحرب المنتشرة في هذه المنطقة، حيث إن قبائلها عرفوا بمقاومتهم للبريطانيين في القرن التاسع عشر، ولان أرضها الجبلية مليئة بالكهوف والغابات الكثيفة. وقال رحيم الله يوسفزاي الخبير في شؤون القبائل لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الحرب في وزيريستان لن تكون سهلة، إنها أصعب بكثير من سوات». وأضاف «وزيرستان تشبه ثقبا اسود. ويعاني الجيش أساسا من نقص في معلومات الاستخبارات، وحتى الجيش يصف وزيريستان على أنها ثغرة في الاستخبارات». فيما قال محمود شاه المسؤول الأمني السابق عن الأقاليم القبلية السبعة في باكستان لوكالة الصحافة الفرنسية إن «توجيه ضربة قوية لطالبان يحتاج لاستراتيجية جيدة، وعملية سابقة لأوانها للجيش قد تخلق الكثير من المشاكل». ويقول الجيش إن العملية ستكون محصورة بمعاقل بيت الله محسود، زعيم الحرب الذي قتل بصاروخ أميركي ودفع بعناصر طالبان إلى أن ينشطوا في قتل رجال الأمن والمدنيين في باكستان. وقال مسعود شريف رئيس مكتب الاستخبارات الباكستانية سابقا إن «طالبان سيخوضون حرب عصابات. وعلى الجيش التركيز على الاستيلاء على هيكلية القيادة أو تدميرها وإلا فإنهم سيشكلون شبكة مجددا».