مصر: شركات الغزل والأقطان تتغلب على تدهور الصناعة بالاستثمار العقاري

مر على تأسيسها ما يزيد على قرن وشهدت تقلبات كثيرة

التدهور ازداد تدريجيا فمن بين 33 شركة تابعة للحكومة حققت 9 شركات فقط أرباحا (رويترز)
TT

تعد صناعة الغزل والنسيج من أوائل الصناعات في مصر، مضى على تأسيسها ما يزيد على قرن من الزمان، ومرت خلال تلك الفترة بكثير من التقلبات ما بين الرواج والتدهور، إلا أن وجودها أصبح مهددا، بحسب بعض القائمين عليها.

كانت بداية صناعة الغزل والنسيج في مصر عام 1927 عندما أسس رجل الاقتصاد المصري الشهير طلعت حرب صناعة وطنية وفق القواعد العلمية، وعلى الرغم من أن الحروب تدمر كل ما هو وطني، فإن الحرب العالمية الثانية عام 1939 كانت نقطة تحول في تاريخ تلك الصناعة، إذ ترتب عليها توقف الواردات الأجنبية وزيادة الطلب المحلي في الشرق الأوسط، مما أدى إلى ازدهار هذه الصناعة فأنشئت مصانع جديدة وتزايد عددها خلال فترة الحرب وما بعدها لتتحول مصر من دولة مستوردة للغزل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير للأسواق الخارجية. إلا أن التوسعات السريعة والعشوائية كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر صناعة الغزل والنسيج، لتعود الواردات الأجنبية تنافس بقوة الصناعات المحلية، مما أدى إلى تدهور شركات الغزل مع تراكم فائض كبير في إنتاجها، وتعذر تصديره بسبب ارتفاع أسعار الأقطان المحلية بالإضافة إلى انخفاض درجة الجودة.

وقامت الحكومة المصرية بعد ذلك بإنشاء صندوق لدعم تلك الصناعة مما أدى إلى حدوث نهضة سريعة في هذا القطاع وبلغت قيمته الإنتاجية عام 1995 نحو 8 مليارات جنيه.

ثم بدأ هذا النشاط في التراجع مرة أخرى وتعرض لهزات متتالية نتيجة عديد من التحديات الخارجية والداخلية التي لم يستطيع الصمود أمامها فتحولت معظم المصانع باتجاه الخسارة، وأصبحت عبئا كبيرا على أصحابها.

وتسيطر الحكومة المصرية على أغلب الشركات العاملة، وذلك من خلال الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس الجاهزة التي تمتلك نحو 33 شركة تعمل في هذا المجال، في حين قامت الحكومة المصرية ببيع نحو ثماني شركات تعمل في مجال الغزل والنسيج في إطار برنامج الخصخصة.

وكانت شركات الغزل والنسيج الأقل نصيبا بين شركات قطاع الأعمال العام في برنامج الخصخصة، نتيجة الخسائر المتتالية التي تحققها، إلى جانب ارتفاع حجم العمالة بها ثلاثة أضعاف العدد المطلوب، مع ارتفاع مديونياتها. والتدهور في تلك الصناعة ازداد تدريجيا ليتقلص عدد الشركات التي تربح عاما بعد عام، وبين 33 شركة تابعة للحكومة حققت 9 شركات فقط أرباحا عام 2007/2008 مقابل 11 شركة رابحة خلال عام 2006/2007، فيما بلغ عدد الشركات الخاسرة نحو 24 شركة بلغت خسائرها نحو ملياري جنيه.

ولم يقتصر الحال على الشركات الحكومية فقط، بل امتدت أيضا إلى الشركات التي خصخصتها الحكومة، بهدف رفع كفاءتها الإدارية، إلا أنها حاليا، تعاني كثيرا.

لخص معاناة تلك الشركات سيد عبد العليم عفيفي رئيس مجلس إدارة شركة النيل لحليج الأقطان وقال لـ «الشرق الأوسط»، «نشاط حلج الأقطان تضرر بشكل كبير، وهو مرتبط بالعديد من المشكلات لأن تكلفة الإنتاج أصبحت عالية إلى جانب ارتفاع تكلفة الأراضي الزراعية المزروعة بالقطن، وانصرف المزارعون عنه لأن العائد ضعيف مقارنة بالمنتجات الأخرى إلى جانب ارتفاع ثمن المبيدات الخاصة به».

وبحسب عفيفي فإن الحال السيئ الذي وصلت له حال زراعة الأقطان والصناعات المرتبطة بها ليست مسؤولية الدولة، فيقول «الدولة قامت بتدعيم زراعة القطن بنحو 70 جنيها للقنطار وتم زيادة الدعم هذا العام بنحو 50 جنيها إضافية، وأعتقد أن هذا ما تستطيع الدولة أن تقدمه لتدعيم تلك الصناعة». ولفت عفيفي إلى بعض العوامل الأخرى التي أدت إلى تراجع هذا النشاط، منها التغيرات السياسية والاقتصادية، منها اختفاء الكتلة الشرقية في أوروبا التي كانت تعتبر أكبر الأسواق التصديرية لمصر، وظهور منافسين أقوياء تفوقوا في تلك الصناعة مثل الصين ودول آسيا، والشروط القاسية التي تضعها التكتلات الاقتصادية على المنتجات التي تسمح بمرورها لحماية أسواقها من غزو ومنافسة الشركات الأجنبية. وللتغلب على تراجع نشاط الحلج والغزل والنسيج، تبحث الشركات حاليا عن أنشطة أخرى للاستثمار لأن نشاطها الرئيسي أصبح غير مجد استثماريا، كما جاء على لسان أعضاء مجلس إدارة شركة العربية لحليج الأقطان خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته الشركة للإعلان عن تأسيسها شركة للاستثمار العقاري للتغلب على تراجع النشاط الرئيسي للشركة، وقال أحمد البساطي عضو مجلس إدارة الشركة: إن أكبر العوائق التي تواجه الصناعة هي تراجع المساحات المزروعة من القطن التي يبلغ عددها الآن نحو 200 ألف فدان تتنافس عليها عشر شركات.

وكانت البداية لاستغلال أراضي شركات حليج الأقطان مع شركة النيل لحليج الأقطان، والتي أعلنت العام الماضي أنها ستضيف نشاط الاستثمار العقاري إلى نشاطها الرئيسي، لاستغلال المساحات التي تمتلكها الشركة في مناطق متميزة في أنحاء الجمهورية، واستغلال تلك المساحات إما أن يكون من خلال البناء عليها أو بيع تلك الأراضي.