أمين عام حلف الناتو في الإمارات: كلنا قلقون من طموحات إيران النووية

الشيخ عبد الله بن زايد يطالب طهران بالكف عن التدخل في الشؤون العربية > أبوظبي تتفاوض لتوقيع اتفاقية أمنية مع الحلف

TT

كانت ملفات عدة تخص الأمن الخليجي مجال نقاش مكثف أمس في أول زيارة لأمين عام حلف شمال الأطلسي «الناتو» اندرس فوغ راسموسن، إلى منطقة الخليج منذ توليه منصبه في أغسطس (آب) الماضي، على رأسها التطورات في إيران والعمل على استقرار أفغانستان وبناء علاقات تعاون وثقة بين الحلف ودول الخليج على المدى البعيد. ويشدد «الناتو» على المصالح المشتركة مع الخليج ضمن إطار توسيع نشاطه في القرن الـ21، خاصة بعد إطلاق مبادرة اسطنبول للتعاون، التي تنظم شراكة بين «الناتو» ودول الخليج. وكان الملف الإيراني من القضايا التي أثيرت في مؤتمر «العلاقات الإماراتية ـ الناتو: التنسيق المشترك للمضي قدما لمبادرة اسطنبول للتعاون». وقال راسموسن: «نحن كلنا قلقون بجدية من طموحات إيران النووية في منطقة أساسية في الاستقرار والأمن العالمي». وأفاد مصدر مطلع حضر الاجتماعات المغلقة لـ«الشرق الأوسط» أنه تم بحث التهديد الإيراني ليس فقط من جانب الملف النووي بل من جانب «النفوذ السياسي، الذي تسعى إليه إيران ومخاطر صواريخها الباليستية». وأضاف المصدر أن الجانب الإماراتي طلب من «الناتو» إبقاء دول الخليج على علم بالتطورات التي تحصل في حوارات مجموعة 5+1 مع إيران من جهة، وعدم معالجة الملف النووي بمعزل عن بقية الوقائع في المنطقة والتأثير الإيراني في ملفات عدة مثل العراق واليمن. وحذر راسموسن أنه إذا استمرت «الطموحات النووية الإيرانية، وإذا حصلت إيران على أسلحة نووية قد يؤدي ذلك إلى تهديد لأعضاء حلفنا، لهذا أؤيد الجهود الحالية لوضع أكبر ضغط دبلوماسي ممكن على إيران للتأكد من انصياعها لالتزاماتها الدولية».

وصرح وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الذي ترأس المؤتمر مع راسموسن، في مؤتمر صحافي أمس بأنه «لا شك أن إيران بلد مهم في المنطقة، ولا شك أن إيران لها مصالح مع جيرانها، وإحدى هذه الجيران دولة الإمارات التي تشكل أكبر شريك اقتصادي لإيران في المنطقة، ولكن مثلما لدينا علاقة طيبة مع إيران في مجالات معينة هناك حديث مستمر بيننا وبين الإيرانيين بإنهاء احتلال إيران لجزر الإمارات، لا نخفي سرا بذلك لأن دولة الإمارات مقصدها ومطلبها الأساسي إنهاء هذا الاحتلال، بالمفاوضات الجادة، ولكن أيضا إذا لم ينجح ذلك فدولة الإمارات سترحب إما بالتحكيم الدولي أو عبر محكمة العدل الدولية». وأضاف: «بمعزل عن ذلك، إيران جار مهم للإمارات، لها مكانة في منطقتنا ونقدرها ونحترمها، لكن أيضا على إيران أن تقدر المنطقة التي توجد فيها، ليس فقط بتوضيح حول ملفها النووي ولكن أيضا ضرورة توقف إيران عن التدخل في القضايا العربية، وضرورة أن تتوقف بدفع أطراف معينة إن كانت عربية أو غيرها بخلق مشكلات في بعض الدول وهناك نماذج متعددة». وتابع: «نتمنى أن يستمر الحديث مع إيران بشكل دبلوماسي ولكن على إيران أن تتخذ خطوات جادة لوقف هذا القلق، إذا كان القلق النووي أو القلق في مسألة التدخل في القضايا العربية الداخلية». ولفت إلى أن: «الكل أدان العملية التي حدثت في إيران في الآونة الأخيرة، ولكن أيضا على إيران بهذه المنهجية نفسها ألا تقبل بأن تقوم بممارسات لا ترضاها على نفسها من دول أخرى». ولم تكن إيران وحدها على أجندة مزدحمة بالنقاشات في فندق «قصر الإمارات» أمس، إذ تحدث راسموسن عن « المخاطر والتهديدات نفسعا تواجه أمن كل بلادنا بشكل متزايد ـ التطرف والإرهاب والجريمة العابرة للدول وحصول أكثر الإرهابيين خطورة على أكثر الأسلحة خطورة». وشدد على المصلحة المشتركة في «مساعدة دول في أفغانستان والعراق على الوقوف على رجليهما لتوليد الاستقرار في الشرق الأوسط بشكل أوسع وفي منع دول مثل الصومال والسودان من الانزلاق بشكل أعمق في الفوضى».

ومن جهته، دعا وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في كلمته لافتتاح المؤتمر إلى «الاستفادة من جو الانفتاح الدولي لخلق قاعدة أوسع للحوار والوصول إلى حلول للمشكلات التي تواجه العالم». وأضاف أن الإمارات المتحدة تؤمن بـ«ضرورة إيجاد مفهوم أشمل للأمن في الإقليم باعتبار أن التهديدات التي تتعرض لها منطقة الخليج تستوجب الاهتمام ليس فقط على الصعيد الإقليمي بل وعلى المستوى الدولي أيضا». وأكد الشيخ عبد الله اهتمام بلاده بمبادرة اسطنبول وتقوية العلاقات مع «الناتو»، قائلا: «نرى فيها إطارا ملائما للتشاور وتبادل الرأي والتعاون في مجالات الترتيبات الدفاعية وتعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب وكذلك المشاركة في عمليات حفظ السلام وتحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار في مناطق النزعات في أكثر من مكان في العالم»، مشيرا إلى مشاركة الإمارات في عمليات في لبنان والصومال والبلقان والعراق وأفغانستان. ووقعت الإمارات مع «الناتو» أمس اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، تحت عنوان «اتفاقية تأمين وحماية المعلومات السرية» على هامش المؤتمر. وبقت بنود الاتفاقية التي وقعها الشيخ عبد الله وراسموسن سرية، بينما بحث مسؤولون من الإمارات و«الناتو» إمكانية تطوير العلاقات بينهما إلى «اتفاق تعاون فردي» للإمارات بدلا من الإبقاء فقط على التعاون الخليجي الأوسع. وتعتبر هذه الاتفاقية تمهيدا لتعاون أوسع بين الطرفين، بينما تتم مناقشة إمكانية توقيع اتفاقية وضع قوات لـ«الناتو» في الإمارات. وقال مصدر من «الناتو» لـ«الشرق الأوسط» إن «المحادثات دخلت المراحل الأخيرة ونتوقع توقيع اتفاقية خلال الأشهر المقبلة»، منبها إلى أن «الاتفاق لا يعني نشر قوات دائمة في الإمارات، بل وضع الأرضية الشرعية لوجود قوات في الإمارات في حال كانت هناك حاجة لها في إطار التدريب أو لدواع أخرى». وتم مناقشة بنود مسودة الاتفاقية في اجتماعات أمس. وفي كلمة افتتاح مؤتمر «علاقات الناتو والإمارات والطريق إلى الأمام في مبادرة اسطنبول للتعاون» شدد راسموسن على أهمية إحلال السلام في الشرق الأوسط وأعطى الجزء الأكبر من حديثه لهذه القضية، سعيا لإظهار تفهمه لجوهرية القضية للتطورات في المنطقة. وعرض راسموسن رؤيته للسلام، قائلا: «أي جهود لبناء نماذج جديدة للتعاون الأمني ستعرقل بعدم وجود تقدم حقيقي في عملية سلام الشرق الأوسط»، مضيفا أن دول «الناتو» كررت تكرارا إيمانها بـ«حل الدولتين» لفلسطين وإسرائيل. وحدد راسموسن 5 نقاط جوهرية للعودة إلى عملية السلام، «أولا على الفلسطينيين الإعلان عن نهاية للعنف واتخاذ جهود ملموسة لإنهاء النشاط الملسح وجميع أعمال العنف ضد الإسرائيليين في كل مكان، وثانيا على إسرائيل أن تتخذ كل الخطوات الضرورية للمساعدة في جعل حياة الفلسطينيين طبيعية ووقف كل النشاط الاستيطاني، بينما الفلسطنيون يقومون بإصلاح مؤسساتهم المدنية والأسس الأمنية». وأضاف: «على إسرائيل الانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتلة منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 والاستعداد للقيام بما هو مطلوب من أجل تأسيس دولة فلسطينية مستقلة قادرة على القيام وسيادية وديمقراطية»، وذلك مقابل: «إصدار القيادة الفلسطينية تصريحا نهائيا يؤكد على حق إسرائيل في العيش في سلام وأمن». وكانت الشرط الخامس والأخير لراسموسن هو «التوصل إلى اتفاق ينهي الاحتلال الذي بدأ عام 1967» مع حل قضايا الحل النهائي أي مستقبل اللاجئين وحل قضية القدس (المحتلة). وكان لافتا تركيز راسموسن على قضية السلام، إذ عادة ما تبقى «الناتو» خارج إطار المحادثات حول عملية السلام في الشرق الأوسط. ونفى مسؤولون في الحلف تكرارا نقاشهم إمكانية لعب «الناتو» دورا في توفير خدمات أمنية في حال انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، مشددين على أن أي نقاش حول هذا الموضوع يعتمد على التوصل إلى اتفاق سلام أولا. وتناولت المحادثات بين المسؤولين والخبراء من دول مجلس التعاون الخليجي مع مسؤولي الناتو وسفراء الدول العضوة في الناتو أمس، تقييما للعلاقات الحالية والتحديات في المنطقة بما فيها مكافحة نشر الأسلحة النووية ومكافحة التطرف والقرصنة. ولفت الشيخ عبد الله إلى «حجم ونوعية التحديات المستجدة التي تتجاوز الحروب والصراعات فحسب وتمتد لتشمل تهديدات متنوعة قد تكون لعواقبها أخطار أكثر من النزاعات المسلحة». وقدم راسموسن للقيادة الإماراتية أمس شرحا حول المستجدات في أفغانستان، بما فيها شرحا لتقييم قائد القوات الأجنبية في أفغانستان الجنرال ستان ماكريستال. وعبر الشيخ عبد الله عن فخر الإمارات بعمل أبنائها في أفغانستان وجهودهم لدعم عمليات الاستقرار فيها، قائلا: «مهمتنا في أفغانستان نفخر بها كمواطنين في الإمارات ونفخر بكل مواطن خدم في أفغانستان، نحن هناك منذ سنوات ونتعاون مع دول الناتو والدول المنضمة للتحالف في أفغانستان، وهذه المشاركة تجعلنا في مكانة لمعرفة كيفية الوضع في أفغانستان، وكوننا بلد إسلامي وعربي نعرف بشكل أفضل كيفية التعامل مع إعمار أفغانستان».

ومن الملفت أن قسم الدبلوماسية العامة المختص في «الناتو» هو الذي نسق المؤتمر مع وزارة الخارجية الإماراتية ضمن جهود «الناتو» للتعريف بعملها وسط شعوب المنطقة. ويقر المسؤولون في «الناتو» بوجود صورة غير واضحة في العالم العربي تجاه «الناتو» وأحيانا ما تكون صورة سلبية. وينوي الحلف عقد سلسلة من المؤتمرات والندوات لتوسيع معرفة الخليج بعمله. واللافت أن مؤتمرا ضمن أهدافه التوجه إلى الرأي العام العربي والإسلامي من أجل تفنيد صورة «الحلف» غير الشعبية، جرت وراء أبواب مقفلة بين دبلوماسيين وأكاديميين من المنطقة بينما غلقت الجلسات أمام وسائل الإعلام.