هدفان على ملعب واحد.. المساواة وحلم الدولة

مباراة المنتخب النسوي الفلسطيني مع نظيره الأردني

TT

البهجة الشديدة التي تعكسها تصرفات الجمهور وهو يلوح بالأعلام ويردد النشيد الوطني في أثناء مشاهد مباراة كرة قدم في استاد في مدينة صغيرة بالضفة الغربية يوم الاثنين، تجعلك تظن أن دولة فلسطينية مستقلة قد وُلدت.

كانت هذه المباراة بين الفلسطينيين والأردنيين، ولكن المهم أنها كانت تجمع المنتخب النسوي الفلسطيني بنظيره الأردني، وهذه هي أول مباراة دولية يلعبها المنتخب النسوي الفلسطيني على أرضه.

ووسط جهور يزيد عن 10000 مشجع، ثلاثة أرباعهم من النساء والربع الباقي من الرجال المتحمسين، أظهرت اللاعبات الفلسطينيات شعورا جماعيا بتحقيق إنجاز طالما جانب نظراءهم الرجال منذ وقت طويل. فمع توقف عملية السلام، وعلى ضوء حالة الشقاق التي تشهدها الساحة السياسية الفلسطينية، أصبح المناخ العام يتسم بالقسوة. ورغم ذلك تحولت المباراة إلى مهرجان ضخم للتحرر الاجتماعي والفخر الوطني. واختفى الخط الفاصل بين طلب تحقيق المساواة وإقامة الدولة بينما كانت اللاعبات تجري وراء الكرة. وتقول مدربة المنتخب الفلسطيني رقية التكروري، 50 عاما: «تعمل النساء الفلسطينيات جنبا إلى جنب مع الرجال في الحقول وداخل المصانع، ويحاربون معا ويتظاهرون معا. وفي بعض الأحيان تقوم النساء مقام الرجال عندما يكون الرجال داخل السجون أو مختبئين بين الجبال». وتضيف أن هذه المباراة تثبت أن «النساء الفلسطينيات يمكنهن القيام بكل شيء، حتى كرة القدم».

ولا يغيب ما يشير إلى الاحتلال الإسرائيلي داخل مدينة الرام، شمال القدس، حيث يقع الاستاد قرب جدار الفصل الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية. ورغم أن الجدار في معظمه من السلك الشائك والسياج والخنادق، فإنه في هذه البيئة الحضرية جاء في شكل حائط مرتفع من الخرسانة لا نهاية له.

وفي سعيهم لدخول القدس، يجب على سكان الضفة الغربية الحصول على تصاريح خاصة والعبور من خلال نقطة تفتيش قلنديا التي تقع في الجوار، وهي نقطة تفتيش تشبه في مبانيها السجون وبها أبواب دوارة وأبراج مراقبة. وفي يوم الأحد قامت امرأة فلسطينية شابة بطعن حارس أمن إسرائيلي في أثناء عمليه.

ولكن في هذه المباراة جاء الفلسطينيون في صورة سلمية، لكن رغم أن هذه الفاعلية غير حزبية فإنها كانت تحمل طابع المعسكر غير الإسلامي الذي يسيطر على زمام الأمور في الضفة الغربية، حيث كانت هناك ملصقات ضخمة تحمل صورة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وخليفته محمود عباس (أبو مازن)، وأضيف على عجل صورتان لملك الأردن عبد الله الثاني. وأقيمت المباراة في حضور الكثير من الشخصيات البارزة، من بينها رئيس الوزراء سلام فياض. وأرسلت رابطة كرة القدم الدولية «فيفا» ممثلا لها تقديرا للالتزام الفلسطيني بكرة القدم.

ولعبت معظم النساء دون الحجاب، ومع ذلك كانت ترتدي إحدى الفلسطينيات الحجاب إلى جانب عدد قليل من اللاعبات الأردنيات، إضافة إلى سراويل قصيرة ضيقة تحت الشورت.

جدير بالذكر أن كابتن الفريق الفلسطيني هني ثلجية، 24 عاما، مسيحية من بيت لحم، وأن أصغر لاعبة في المنتخب، 14 عاما، مسلمة من مخيم للاجئين بالقرب من أريحا.

ويسود لهذا القطاع المتنوع من المجتمع الفلسطيني توافق غير عادي، فتقول نور نابلسي، البالغة من العمر 17 عاما، والعضو في المنتخب الفلسطيني: «لا تتطرق السياسة إلينا هنا، فنحن نلعب باسم فلسطين».

ووجدت النساء في جبريل الرجوب، رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم والرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي، الذي كان مرهوب الجانب عندما كان رئيسا لجهاز الأمن الوقائي بالضفة، نصيرا غير متوقع لهم. ففي مقابلة معه في رام الله قبل أيام من المباراة أشار إلى أنه عمل خلال مسيرته العملية على تعزيز دور النساء، حيث فتح جميع الإدارات أمامهن للتطوع، وقال: «محوت فكرة أن يقتصر عمل النساء على أعمال السكرتارية». ويبدي الرجوب رغبته في أن يرسل الاتحاد الأميركي لكرة القدم فريق كرة القدم النسائية الأميركي للعب في الضفة الغربية، وأشار إلى أن ذلك سيسهم بفاعلية في كسب قلوب وعقول الفلسطينيين بصورة أكبر من الزيارات المتكررة لجورج ميتشل، مبعوث إدارة أوباما الخاص للشرق الأوسط.

وقال الرجوب: «الطريقة المثلى التي نستطيع من خلالها أن نظهر أننا نسعى إلى السلام والاستقلال هي أن نكون سفراء سلام لقضيتنا». وعندما سئل عن اللعب مع الإسرائيليين أضاف: «لا يزال من المبكر الحديث في هذا الشأن، فاللاعبات ما زلن يواجهن ظروفا صعبة جدا في نقاط التفتيش». وخلال المباراة احتشد الآلاف من الفلسطينيين على أسطح المنازل وحول الملعب، حيث انتهى الشوط الأول للمباراة بفوز منتخب الأردن 1 ـ 0 بعد أن أحرز الفريق الفلسطيني هدفا عن طريق الخطأ في مرماه.

وكانت المباراة حماسية وشديدة الخشونة من كلا الجانبين، فأصيبت لاعبتان من المنتخب الأردني وحصل الفريق الفلسطيني على ضربتي جزاء لتنتهي المباراة بالتعادل 2 ـ 2.

كانت النتيجة مكافأة للمنتخب الفلسطيني الذي يحمل آمالا متواضعة. فقالت التكروري مديرة المنتخب بعد المباراة: «إنها نتيجة جيدة بالنسبة لنا، فلم نكن نعتقد أننا سنسجل أهدافا».