بعد فضيحة «كليرستريم».. شيراك ينتظر دوره وقد يضطر للمثول أمام المحكمة

الساسة الفرنسيون ينشرون غسيلهم الوسخ في المحاكم وخارجها

TT

ينتظر أن تصدر قاضية التحقيق في باريس كزافيير سيميوني في الساعات القليلة القادمة، قرارها بخصوص إمكانية جلب الرئيس السابق جاك شيراك للمحاكمة بسبب اتهامات عائدة للفترة التي شغل فيها رئاسة بلدية باريس والتي سبقت وصوله إلى رئاسة الجمهورية في عام 1995.

ويؤخذ على شيراك أنه استفاد من منصبه كرئيس لبلدية باريس لتشغيل موظفين يقبضون رواتبهم من البلدية في مهام لا علاقة لها بالبلدية، وفي أكثر الأحوال لخدمة حزب التجمع من أجل الجمهورية الديغولي اليميني .وإذا أمرت القاضية بغرسال شيراك بالمثول أمام العدالة، فستكون فيها المرة الأولى في فرنسا التي يمثل فيها رئيس للجمهورية أمام المحكمة.

وتتواصل مسلسلات المحاكمات والفضائح التي أفضت إليها. فقبل أيام، انتهت المرافعات في فضيحة كلير ستريم التي مثل فيها رئيس وزراء سابق هو دومينيك دو فيلبان أمام المحكمة بتهم التزوير والسكوت عن عمل جرمي استهدف رئيس الجمهورية الحالي ووزير الداخلية السابق نيكولا ساركوزي الذي كانت له صفة الادعاء في المحاكمة. وللتذكير، فإن ساركوزي وفيلبان كانا معا وزيرين في حكومات جان بيار رافاران المتعاقبة تحت رئاسة شيراك الثانية. ثم كان ساركوزي وزيرا في حكومة رئيسها دو فيلبان ودامت حوالي السنتين قبل أن ينتخب ساركوزي رئيسا للجمهورية في عام 2007. واستحوذت جلسات المحاكمة التي دامت شهرا كاملا على اهتمام الفرنسيين الذين تعرفوا إلى بعض» الجانب المظلم» من الحياة السياسية الفرنسية ورأوا بعض المكائد والمؤامرات التي تحاك ضد هذا وتدبر ضد ذاك. وقبل أن يجف حبر هذه المواجهة بين رئيس حالي للجمهورية ورئيس سابق للحكومة أطل علينا حكم بالسجن استهدف أحد أهم رجالات السياسة في الجمهورية الخامسة فقد قضت محكمة البداية يوم الثلاثاء بسجن عضو مجلس الشيوخ ووزير الداخلية السابق شارل باسكوا ثلاثة أعوام منها عامان مع وقف التنفيذ وتغريمه مبلغ 100 ألف يورو بسبب الاستخدام السيئ للنفوذ عندما كان وزيرا للداخلية وقبضه عمولات من تجارة أسلحة غير مشروعة إلى أنغولا ما بين عام 1993 و 1998. ويقدر أن باسكوا حصل شخصيا على مبلغ 450 ألف دولار من تاجري السلاح بيار فالكوني وأركادي غوداماك والأخير مواطن روسي يهودي فار من وجه العدالة إذ حوكم غيابيا. وكان قد انتقل إلى إسرائيل ويبدو أنه اليوم عاد إلى روسيا. وحكم على الأخيرين بالسجن ستة أعوام. كما صدرت أحكام بالسجن والغرامات على 32 شخصا آخرين أشهرهم جان كريستوف ميتران، ابن رئيس الجمهورية الاشتراكي الأسبق فرنسوا ميتران الذي رأس الجمهورية الفرنسية طيلة 14 عاما.

غير أن باسكوا الذي كان يعد أحد أعمدة الديغولية التاريخية ليس شخصا عاديا. فقد كان مقربا من الجنرال ديغول وبدأ حياته بالاهتمام بجهاز الأمن في الحزب الديغولي المسمي (ساك). وكان لـ باسكوا يد في كل» الضربات» السياسية التي عرفتها فرنسا منذ أربعين عاما.واشتهر بجملة قالها عندما عينه رئيس الوزراء جاك شيراك في عام 1985 وزيرا للداخلية إذ وعد بترهيب الإرهابيين. وكان له دور في إخراج الرهائن الفرنسيين من بيروت وفي حياكة الاستراتيجيات السياسية لمنافسة اليمين المتطرف واجتذاب الأصوات التي تصب لصالحه. و لذا، فإن باسكوا لم يسكت بعد الحكم الذي صدر بحقه. فقد قرر أولا استئنافه وطالب ثانيا برفع السرية الدفاعية عن الوثائق الخاصة بهذه المرحلة من أجل أن «تنجلي الحقيقة. «واتهم ثالثا رئيسين سابقين للجمهورية هما ميتران وشيراك وكذلك رئيسين للحكومة هما ألان جوبيه وادورا بالادور ووزراء الدفاع والمال في حكومات متعاقبة بأنهم كانوا «على علم» بتهريب السلاح نحو أنغولا التي كانت تعرف وقتها حربا أهلية رغم الموقف الفرنسي الرسمي بمنع إيصال السلاح إلى أي من الفرقاء المتقاتلين.

ويبدو أن باسكوا اعتمد تكتيك أن «أفضل وسائل الدفاع هي الهجوم «وقرر ألا يكون الضحية الوحيدة لعدالة لا ترى سوى بعين واحدة. وفي تقدير باسكوا أن «التهديد» برفع السرية الدفاعية عن الوثائق الموجودة في وزارة الدفاع من شأنه إغراق الآخرين في الفضائح وربما «تخويفهم» ما قد ينعكس على مسار استئناف الدعوى وتبييض ساحته في مرحلة لاحقة. وتتالت ردود الفعل في الساعات الأخيرة، إذ أعلن وزير الدفاع هيرفيه موران عن استعداده للامتثال للجنة الوطنية الخاصة بالسرية الدفاعية. وسارع الاشتراكيون لتسيير عريضة تطالب بذلك. وأدلى المرشح الرئاسي السابق فرنسوا بايرو بدلوه فأعلن عن دعمه لهذا الطلب بغرض «صقل» الممارسات في حقل المبيعات الدفاعية التي تشهد عادة عمولات بمئات الملايين. غير أن رفع السرية الدفاعية ليس بهذه السهولة إذ إن الوثائق تنص على العمولات التي دفعت لمسؤولين أجانب مقابل شراء أسلحة فرنسية كما تتضمن العمولات التي «عادت» إلى فرنسا بعد مرورها بمصارف سويسرية أو في الفراديس المالية التي تعتمد السرية المصرفية. ولعل أبلغ مثل على ذلك أن قاضي التحقيق رينو فان ريمبيك أغلق ملف بيع فرقاطات فرنسية لتايوان بدأه في التسعينات لأنه اصطدم بحائط ولأن الحكومات المتعاقبة رفضت رفع السرية المصرفية. وفي الأسابيع الأخيرة، تواترت معلومات تفيد بأن الاعتداء الذي ضرب فنيين فرنسيين كانوا يعملون كمستشارين عسكريين في باكستان لم يكن إرهابيا بل على علاقة بعمولات غير مدفوعة بحيث جاء الاعتداء الذي قتل فيه عدة فرنسيين بمثابة رسالة لمن يعنيهم الأمر.

هكذا تتوالى الأيام في فرنسا على وقع الفضائح .فمن فضيحة المصاريف الباهظة التي تكلفها المواطن الفرنسي بمناسبة القمة المتوسطية صيف عام 2009 حيث كلف عشاء الرؤساء المدعوين إلى43 و التجهيزات الخاصة به 1.1 مليون يورو بمعدل 5 آلاف يورو للشخص الواحد، وفق نائب اشتراكي، إلى المكتب والحمام ؟؟ ؟؟؟؟ في» القصر الكبير» غران باليه، لا يجد الفرنسيون فرصة للضجر. وإذا لم تكفهم هذه الأخبار المثيرة، فإن طموحات الابن الثاني للرئيس ساركوزي واسمه جان الذي كان يرغب بترؤس الهيئة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ إدارة أكبر حي للأعمال في أوروبا «حي لا ديفانس» و هو لم يتجاوز الثالثة العشرين من، العمر وما زال في السنة الثانية في فرع الحقوق يمكنها أن تسليهم. أما إذا لم تكفهم كل هذه المسكنات، فبإمكانهم أن ينظروا إلى إحصائيات البطالة التي تقفز قفزا أو القدرة الشرائية التي تتراخى وغلاء المعيشة الذي يدق بابهم يوما يوما.