محامية بريطانية: المتعاونون العراقيون لهم الحق في التعويض لفشل الجيش البريطاني في حمايتهم

سابنا مالك: رفعنا 21 دعوى قضائية.. ونطالب بتعويضات مادية فقط

المحامية البريطانية سابنا مالك («الشرق الأوسط»)
TT

بعد غزو القوات البريطانية جنبا إلى جنب مع القوات الأميركية للعراق وإزاحة النظام العراقي السابق، كان من البديهي أن يحتاج الجيش البريطاني الذي تمركز في محافظة البصرة والمناطق الجنوبية، إلى موظفين محليين يعملون لديه بصفة مترجمين أو طباخين أو منظفين أو ما إلى ذلك. ولكن بعد تدهور الأوضاع الأمنية في العراق وتمكن الميليشيات من زحزحة الأوضاع ومحاولة استهداف عناصر القوات الأجنبية وكل من يتعاون معها من العراقيين، أصبحت حياة هؤلاء المستخدمين وحياة أفراد عوائلهم في خطر، وتعرضوا إلى تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية التي طالت بالفعل عددا غير قليل منهم.

وقد قامت الحكومة البريطانية بإعادة توطين عدد قليل من هؤلاء في المملكة المتحدة، أما البقية التي تشكل الكثرة الكاثرة، فإنهم إما تمكنوا من الهرب من العراق في محاولة للفرار بجلدهم والاستقرار في الدول المجاورة، أو ما زالوا في العراق تحت رحمة التهديدات أو محاولات الابتزاز من قبل الميليشيات المسلحة.

شركة «لي داي آند كو» شركة محاماة بريطانية تختص بقضايا حقوق الإنسان والتعويضات داخل بريطانيا وخارجها. وتقوم بالمرافعة عن قضايا المترجمين أو المستخدمين العراقيين لدى المحاكم البريطانية. والتقت «الشرق الأوسط» المحامية سابنا مالك، وهي شريكة في «لي داي» ومشرفة على متابعة هذه القضايا، والمحامية سارة مور العضو في الفريق المكلف بمتابعة القضية، لمعرفة المزيد من تفاصيل قضية المترجمين العراقيين، والتي حددت عدد الدعاوى قائلة «هناك 21 دعوى حاليا مرفوعة ضد الحكومة البريطانية، إلا أننا تلقينا تعليمات بتمثيل 5 دعاوى أخرى، وبالتالي فمن المتوقع أن يصل العدد إلى 26 دعوى مؤكدة. وهذا العدد في تصاعد بعد أن تلقينا مجموعة أخرى من الطلبات عقب الإعلان عن بدء التسجيل».

أما عن طبيعة المهام التي كان يخدم بها هؤلاء المتضررون الجيش البريطاني أو مؤسسات بريطانية أخرى، فتقول سابنا مالك إن «التسجيل يتضمن في معظمه الادعاءات التي يقدمها المدنيون المحليون الذين عملوا في مختلف الوظائف لدى المدعى عليهم؛ (وزارة التنمية الدولية، وزارة الخارجية، أو الجيش البريطاني). وعلى سبيل المثال، يتضمن الادعاء الحالي مترجمين وحراسا كانوا يعملون لدى وزارة الخارجية البريطانية، ونجارا وميكانيكيا وكهربائيا كانوا يعملون لدى الجيش البريطاني، كما أننا نستطيع أن نضيف إلى هذه القائمة الرجال الذين كانوا يعملون في الغسيل والنظافة أيضا». والقضية الأساسية لهؤلاء الأشخاص، في رأي مالك، هي أنهم كانوا يعملون لدى الجيش البريطاني ويتعرضون للتهديدات المباشرة وغير المباشرة نتيجة عملهم لديه. وهذه ليست قضية خطيرة بالمقارنة مع البعض الآخر الذين اختطفوا أو تعرضوا للتهديد حتى بعدما تركوا وظائفهم، وكانت الملابسات تشير إلى أن السبب يرجع إلى عملهم مع البريطانيين.

أما فيما يتعلق بالذريعة أو المدخل القانوني الذي تعتمد عليه شركة «لي داي» لملاحقة الحكومة البريطانية لتعويض هؤلاء المستخدمين، فتقول سارة مور، محامية من نفس الفريق التي تكفل بالدفاع في هذه القضية: إن المدخل القانوني يعتمد على حجتين رئيسيتين؛ أولاهما أن المدعى عليهم (الجيش البريطاني، وزارة الخارجية، وزارة التنمية الدولية) لم يبدوا اهتماما كافيا باتخاذ الخطوات الضرورية للحفاظ على هويات الموظفين المدنيين الذين يعملون لديهم. والثانية هي أن المدعى عليهم خرقوا التزاماتهم التعاقدية كرؤساء لمدنيين محليين، وتعتمد تلك الحجة الثانية على الشروط المحددة لكل عقد خاص بكل عامل منهم. «لكن عامل الإهمال ينطبق على كل العاملين المتقدمين بالادعاء وسوف يكون أساس كل الادعاءات المقدمة ضد الحكومة البريطانية، بالإضافة إلى إخفاقهم في حماية هويات العاملين لديهم، فنحن نتحجج كذلك بأن المدعى عليهم فشلوا في اتخاذ الخطوات الضرورية لحماية العاملين لديهم بعد انكشاف هويتهم».

وردا على سؤال حول أي القانونين العراقي أم البريطاني هو المعمول به أثناء النظر في هذه القضايا، فتقول مور: «نحن نقدم تلك الادعاءات بموجب القانون الإنجليزي و/أو القانون العراقي. ونرى أن القانون الإنجليزي ينطبق أكثر على تلك القضية لأن ارتكاب الخطأ أو التقصير الذي قاد إلى الإصابات والخسائر المادية التي تعرض لها المدعون كان في المملكة المتحدة، نظرا لأن تلك القرارات السياسية قد اتخذتها وزارة الدفاع البريطانية، بالإضافة إلى أن عمل أغلبية المدعين كان يبدأ قبل انتقال السيادة إلى الإدارة العراقية في 2004. وفي حال إلحاح المدعى عليهم بتطبيق القانون العراقي، فسوف تعد الادعاءات بارتكاب الخطأ والتقصير خرقا للقانون المدني العراقي أيضا.

أما عن الأضرار التي لحقت بهؤلاء المستخدمين، تقول سابنا مالك: إن التفاصيل تختلف من حالة إلى أخرى؛ ففي بعض الحالات مثلنا أرامل المدنيين المحليين الذين من المعتقد أنهم اختطفوا وقتلوا كنتيجة لعملهم مع البريطانيين. وفي حالات أخرى، كانت الإصابة نفسية، كما تعرض بعض المدعين لخسائر مالية كنتيجة لارتباطهم بالجيش البريطاني.

وتضيف المحامية البريطانية: إنه في العديد من الحالات، تعرض المدعون للإصابة خلال تأديتهم لعملهم، وفي بعض الحالات جاءت الإصابات لاحقة على العمل. وفي كل الحالات، نحن ندعي أن الميليشيات المناهضة للوجود البريطاني كانت تستهدف هؤلاء الأفراد نظرا لعملهم مع البريطانيين، وأن ذلك كان سهلا بالنسبة لهم نظرا للتقصير الذي قام به المدعى عليهم في توفير الحماية بشكل كاف لهوية الموظفين المحليين.

وتقول مالك إن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هي التي حوّلت إلى شركة «لي داي» القضايا الأولى لهؤلاء المستخدمين، ومن ثم تعرّف البقية على الشركة عن طريق التناقل الشفوي بين بعضهم بعضا.

وردا على سؤال حول مصاريف وتكاليف رفع الدعاوى في المحاكم، في حالة ربحوا القضية أو خسروها، قالت المحامية سارة مور: «إذا نجحت قضايانا فسيتم إلزام المدعى عليهم بدفع المصاريف وتعويض المدعين. وسوف نقيم تلك القضايا باتفاقات مختلفة فيما يتعلق بالأجور وفقا لما سيتم التفاوض عليه مع كل من هؤلاء المدعين، ولكننا سوف نقدم خدماتنا بالمجان إذا ما تم رفض الدعوى، وخسرنا القضية». وأضافت أن التعويض الذي تسعى إليه الشركة لهؤلاء المتضررين هو تعويض مادي فقط، وليس تعويضات من نوع آخر.

ولدى سؤالنا عن الأدلة التي بحوزة المتضررين لتدعيم دعواهم، قالت مور، إن «ذلك يختلف من حالة إلى أخرى. وسوف نسعى للحصول على بعض تلك الأدلة، فعلى سبيل المثال سنستعين بسجلات العاملين المهنية لدى المدعى عليهم مثلا».

وعن الأشخاص الذين تضرروا بيد القوات الأميركية وإمكانية الدفاع عنهم ورفع قضاياهم في المحاكم البريطانية، قالت مالك بأن شركة «لي داي» تختص بالدفاع عن أشخاص تضرروا من قبل الجيش البريطاني أو مؤسسات بريطانية أخرى فقط، أما قضايا المتضررين من قبل الجيش الأميركي أو بسبب عملهم معه، فسوف نحولها قدر الإمكان إلى جهات أخرى مختصة لتمثيلهم ورفع دعاواهم في محاكم أميركية.

أما بخصوص قضية «بهاء موسى» عن العراقيين التسعة الذين تعرضوا للضرب والإهانات وحالة وفاة واحدة، والتي تتردد في وسائل الإعلام أنها تحت التحقيق في محكمة التحقيق العامة هذه الأيام، فتقول المحامية سابنا مالك: إن التحقيق في هذه القضية ما زال مستمرا، والمحكمة الآن بصدد الاستماع لشهادة الشهود، ولن يتم نشر النتائج حتى العام القادم. ولمتابعة النتائج يمكن الاطلاع على موقع الشركة الذي يتم تحديثه دوريا فيما يتعلق بتلك القضية وغيرها من القضايا.

وأضافت مالك أن «قضية المترجمين وقضية «بهاء موسى»، ليستا القضيتين الوحيدتين لدينا في العراق، فنحن نمثل عددا من المواطنين العراقيين الذين يدعون أنهم تعرضوا لعنف غير قانوني أو للاحتجاز على أيدي القوات البريطانية في العراق. كما أننا نمثل الأرامل وأسر الجنود البريطانيين الذين قتلوا في الصراع حيث يوجد شكوك حول كفاءة معداتهم. وعن أهم الصعوبات التي تواجه الشركة في متابعة القضايا وتمثيل المتضررين، تقول سابنا مالك: إن أهم التحديات هي نشر الفكرة والتأكد من أن جميع الذين يحق لهم الادعاء قد سمعوا بالتسجيل قبل أن يغلق السجل في 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.