البصرة: طلبة يعزفون عن إكمال الدراسة.. ويتوجهون إلى أسواق العمالة

خبراء يعزونها إلى الفقر وتدني مستوى التعليم وضعف الحماس

TT

أجمع المعنيون بالعملية التربوية في محافظة البصرة على أن ظاهرة عزوف الأطفال عن الالتحاق بالمدارس وترك الدراسة فيها خلال السنوات الأولى تعد من أخطر الظواهر الاجتماعية التي برزت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة لعدم قدرة الأجهزة التنفيذية على تفعيل قانون التعليم الإلزامي.

وأكدوا في أحاديث لـ«الشرق الأوسط» أنه إذا تم استثناء الجانب الأمني، فإن عوامل كثيرة أدت إلى أن تكون تلك الظاهرة عامة، ومن بينها تدني المستوى التعليمي، وانخفاض نسب النجاح، وانتشار الفقر بين قطاعات واسعة، وقلة وتباعد الأبنية المدرسية خاصة خارج المدن، وقلة الحماس للحصول على التعليم لكثرة العاطلين من حملة الشهادات الجامعية، وغياب الدولة في رعاية تعليم الأيتام وإهمالها للعملية التربوية، وانتشار المدارس الأهلية. وأشاروا إلى أن تلك العوامل وغيرها أدت إلى توجه القاصرين إلى أسواق العمل بدلا من التعليم. وظاهرة التسرب من المدارس برزت لأول مرة في عقد التسعينات إثر الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق، مما دفع بالأطفال إلى اللحاق بسوق العمل وترك مقاعد الدراسة.

ويرى مكي محسن، مدير عام تربية المحافظة، أن قلة الأبنية المدرسية من أهم المشاكل التي تواجه العملية التربوية، موضحا «لدينا 752 بناية منها 60 بناية مخصصة لرياض الأطفال و12 بناية للمعاهد والإعداديات التجارية، وتتبقى 680 بناية تشغلها 1400 مدرسة، مما نجم عنه اكتظاظ المدارس فيها بعد تحول الدوام فيها إلى ثلاثي، بمعنى أن هناك بناية واحدة لثلاث مدارس». وأضاف محسن أن كل عام دراسي يشهد زيادة في عدد المدارس وبقاء عدد البنايات على ما هو عليه، في الوقت الذي تؤكد فيه الإحصاءات الرسمية زيادة عدد سكان المحافظة بما يقرب من 750 ألف ولادة جديدة كل عام، في حين تتخرج في المدارس الإعدادية سنويا أعداد متواضعة قياسا بالمشمولين بالتعليم الإلزامي.

وما إن تدخل إحدى أسواق المحافظة حتى تحيط بك مجاميع من الأطفال القاصرين من كلا الجنسين يناشدونك اقتناء أكياس نايلون للتسوق، وعندما تسألهم عن سبب عدم ذهابهم للمدارس يرددون «المدارس ما توكل خبز»، وكأنهم متفقون على حفظ هذه العبارة. وقال حازم كريم (8 أعوام) إنه أقل حظا من بقية الأطفال الذين يعملون مع آبائهم وأقاربهم في سوق الخضراوات والمهن الأخرى.

وعلل طارق رمضان، أب لخمسة أطفال، حرمان أطفاله من إكمال دراستهم بالقول إن «التعليم لم يكن مثل السابق، وأحد أولادي وصل إلى الصف الثالث الابتدائي ولا يجيد القراءة والكتابة، وكل ما تعلمه بعض الحروف والأرقام، ولذلك جعلته يعمل معي بدلا من الإنفاق على دراسته من دون نتيجة».

وأوضح أن «العوائل الميسورة نقلت أولادها إلى المدارس الأهلية التي يتلقى فيها الطالب العلوم بشكل جيد، وأنا وأمثالي غير قادرين على تسديد الأجور المرتفعة لتلك المدارس». ولا تخلو ساحة أو تقاطع طرق من إعلان مروج لمدرسة أهلية، وتشير الإحصاءات الرسمية عن مديرية تربية البصرة، إلى وجود 67 مدرسة أهلية بالمحافظة.

وأوضح محمد شلال، مدير التخطيط في تربية المحافظة، أن «مديرية تربية البصرة سباقة في فتح المدارس الأهلية على نحو أفضل حتى من العاصمة بغداد، بعد أن أثبتت إيجابياتها في المستوى العلمي ونسب النجاح»، مضيفا أن «هذا العام شهد فتح 12 مدرسة جديدة، والعدد مفتوح وحسب توجيهات وزارة التربية بدعم التعليم الأهلي».

وأكد شلال أن «ازدياد عدد المدارس الأهلية يرفع من حدة المنافسة، بالإضافة إلى استثمار خيرة المدرسين المتقاعدين من ذوي الخبرة الذين يعملون فيها»، مؤكدا «تدني» المستوى العلمي في المدارس الحكومية.

فيما يرى الدكتور لؤي حمزة، أديب وأكاديمي بجامعة البصرة، أن «المدارس الأهلية هي مشروع استثماري، وهو استثمار لا يتعلق على نحو كامل ونهائي بالموضوعة المالية، وإنما استثمار لفشل التعليم الرسمي»، مشددا على أن «تلك المدارس حصاد لما وصل له التعليم الرسمي من ضعف وانحدار وعدم قابليته على مواكبة التطور».

وحذرت هناء ماضي، ناشطة نسوية، من «مخاطر رمي الأطفال القصر في أسواق العمل كونهم سيلتقطون كل معاني الرذيلة ويكسبون عادات سوقية، وسيصبحون مشاريع للجريمة وأعمال العنف والشذوذ بالشكل الذي يهدد المجتمع».