شيخ الخطاطين السوريين يرفض استعمال الكومبيوتر

زهير زرزور يكافح من خلال محله الصغير وسط دمشق منذ 70 عاما

زهير زرزور منشغل بإنهاء أحد أعماله («الشرق الأوسط»)
TT

في دكانه الصغير بالزقاق الواصل بين شارعي 29 أيار والعابد قرب سوق الصالحية وسط العاصمة السورية دمشق والذي افتتحه قبل ستين عاما يصر الخطاط السوري زهير زرزور، 82 عاما، على إنجاز كل ما يطلبه منه الزبائن من أعمال خط ولوحات إعلانية بأصابعه وريشه وأقلام الحبر.

وعلى الرغم من وجود أكثر من 100 محل ومكتب في دمشق يعمل بها خطاطون يستخدمون الكومبيوتر في عملهم حيث استغنوا من خلاله عن العمل اليدوي كونه يحقق لهم سرعة في العمل وربحا أكبر، فإن الخطاط الدمشقي زهير يرفض رفضا قاطعا إدخال الكومبيوتر لمحله ويبرر ذلك بأن الخط حتى ولو كان لأعمال تجارية فيجب أن يبقى فنا وإبداعا وعلى الخطاط أن يعطي اللوحات التي يخطها صغيرة أو كبيرة من روحه ومن أحاسيسه ومن تاريخه، خاصة أن زهير يعتبر حاليا شيخ الخطاطين السوريين وهو رئيس جمعيتهم الحرفية.

ويفتخر زهير بأنه بدأ رحلته مع الخط العربي منذ عام 1937 أي قبل 72 عاما كما يفتخر بأنه أول من أدخل فن «السيلوويت» إلى سورية في خمسينات القرن العشرين وظل الوحيد حتى الآن الذي يمارس هذا الفن الذي يتحدث عنه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «درست هذا الفن الفرنسي في بيروت وتخصصت فيه في عام 1950 وكنت الشخص الثاني في العالم العربي الذي تعلمه بعد الفنان اللبناني عبد الله الشهال وأدخلته إلى دمشق من خلال محلي». ويستطرد زهير في ذكرياته قائلا إنه اشترك بلوحاته في دورات معرض دمشق الدولي السنوية حتى عام 1970 وكان يحصل على ليرة سورية من الزبون الذي يرسم له بروفيل لوجهه بفن «السيلوويت» في ذلك الوقت.

ويقول زهير إن فن السيلوويت لم يلق الكثير من التشجيع ولم يتعلمه أحد غيره، فتفرغ بشكل كلي للخط العربي الذي تعلمه وهو في عمر 10 سنوات. يقول زهير: «شجعني والدي على تعلم هذا الفن، حيث كان يعمل في ترميم البيوت الشامية التقليدية ويعرف مدى أهمية وجماليات الخطوط بأنواعها في زخارف هذه البيوت، وعملت مع والدي فيما بعد في ترميم اللوحات الخطية الزخرفية التي كانت تضمها البيوت الدمشقية التي يرممها».

يضيف زهير: «من خلال محلي أمارس حتى اليوم احترافي للخط وألبي طلبات الزبائن الذين يرغبون بأن أخطط لهم لوحات إعلانات أو بطاقات المناسبات الاجتماعية وأنفذ كل هذه الأعمال بشكل يدوي، حيث كما تشاهد لا يوجد في دكاني كومبيوتر بعكس كل زملائي، فأنا لا أرغب في إدخاله بعملي حتى ولو كان سيريحني ويسرع من عملي ومن إنجاز طلبات الزبائن بسرعة أكثر، فأنا أعتبر الخط إبداعا وفنا غير تجاري، وأدوات الخطاط يجب أن تبقى كما هي؛ القصبة والحبر والورقة والشخص المبدع».

وشارك زهير بلوحاته في ثلاثين معرضا جماعيا للخط العربي وأقام معارض فردية داخل وخارج سورية، ويقول: «منذ احترافي الخط العربي كان لي العديد من المحطات معه، فقد عملت خطاطا في الجيش الإنجليزي عند دخوله لسورية عام 1945 ولمدة ستة أشهر وكان عمري وقتها 18 عاما وقبل عام 1947 عملت خطاطا ورساما لعدد من صالات السينما في مدينة دمشق ومنها سينما (دنيا) و(عائدة) و(الأهرام) و(الرشيد) (لونا بارك)، ويزورني حاليا العديد من الباحثين السينمائيين للحصول على معلومات عن الأفلام التي عرضت في تلك الصالات منذ تاريخ افتتاحها بقصد توثيقها، ومنهم الباحث والموثق الدمشقي محمد لبابيدي الذي يقتني مجموعة كبيرة من ملصقات الأفلام السينمائية العربية والأجنبية القديمة». في رحلته مع الخط العربي يتذكر زهير أنه صمم أول خلفية لوحة للملاعب لطلاب المرحلة الابتدائية في مدرسة «ابن العميد» بدمشق قبل 60 عاما وكانت تتألف من 11 كلمة وهي «اسبارتكياد»، كذلك شارك في كتابة الصفحة الأولى لأكبر مصحف في العالم والذي بلغ وزنه 150 كلغ وشارك في كتابته كبار الخطاطين من 18 دولة إسلامية ويقوم حاليا بتدريس أصول الخط العربي لـ13 طالبا من سنغافورة وماليزيا في «مؤسسة حسان الحموي» بدمشق. وعن أحب أنواع الخطوط إليه، يقول زهير: «الخط الرقعة كان مهملا جدا عندما بدأت أتعلم فنون الخط على الرغم من أنه أساس الكتابة في المدارس ولتعليم التلاميذ، حيث كان تعليم الخط العربي إلزاميا في مدارس دمشق، وكان هناك خلط بين الخط الرقعة والديواني والثلث، ولذلك رغبت من خلال التركيز على الخط الرقعة تصحيح هذا الخلط وأن يشاهد الطلاب والناس أصول هذا الخط الذي تعلمته على يد أهم خطاط رقعة في العالم الإسلامي وهو الخطاط التركي الراحل محمد عزت، أما بقية أنواع الخطوط فقد تعلمتها بشكل شخصي من خلال متابعة (آرمات) الشوارع في دمشق، حيث كانت تنفذ بشكل يدوي وراق بعكس ما نشاهده اليوم، إذ صارت تكتب من خلال الكومبيوتر وبخطوط رديئة غير مفهومة أحيانا». وحول تأثير الكومبيوتر على عمله ودخله، قال زهير إنه أثر تجاريا عليه، أما فنيا فلم يتأثر، ويضيف: «هناك عدد من الدمشقيين ما زالوا يرفضون كتابة آرمات محلاتهم أو مكاتبهم أو اسمهم بخط الكومبيوتر ويطلبون كتابته بالخط اليدوي لأنهم يعتبرونه تراثيا وجميلا، وهؤلاء هم زبائني. وهنا أناس أجانب ومن جميع دول العالم يزورون دمشق ويأتون إليّ يطلبون لوحات مكتوبة بخط معين مثلا الطرة على شكل الطغراء، ولذلك ألبي طلباتهم وبتصاميم مختلفة وضمن أصول الخط العربي.. أعتبر نفسي مع زملائي ـ (يتابع زهير) ـ حاملين لشعلة الدفاع عن الخط العربي وحراسا على هذا التراث. ومنذ احترافي الخط لم يكن لدي أي مطمح مادي أو أن أتحول لمليونير من عملي في الخط العربي، فأنا أحمل رسالة أؤديها، وهي حماية الخط بكل إمكانياتي، وأقوم بعمل ما يلزم من دعاية له وتعليمه لمن يرغب».

وحول أجمل الخطوط العربية واستخداماتها، يقول الخطاط زهير: «لكل نوع من الخطوط جمالياته واستخداماته، وهناك 7 أنواع من الخطوط الرئيسية، فعندما نريد كتابة آية قرآنية نستخدم خط الثلث وكذلك في المساجد، وكذلك إذا أردنا كتابة عنوان كتاب بخط راق فنستخدم الثلث، وهناك الخط المرافق للثلث وهو النسخي، وهناك أناس يرغبون في الخط الديواني أو الفارسي (والذي يسمى «تعليق» وهي تسمية خاطئة)». وزهير على الرغم من تفرغه بشكل كامل للخط العربي، فإنه يمتلك هوايات فنية متنوعة يمارسها أيضا، ومنها الرسم والعزف الموسيقي، حيث يعزف بشكل جميل على آلة العود التي تعلم العزف عليها عام 1940 ولم يعوقه كبر سنه عن أن يمارس هواية العزف، فهو عضو في فرقة فنية دمشقية تقيم الحفلات باستمرار وهي فرقة «الدراويش الشامية».