عام على انتخاب أوباما: كيف تحول الشاب النحيف إلى قوة سياسية مرهوبة

المدير السابق لحملته: لاعب ماهر لا يتدرب كثيرا ويعد خطاباته قبل ساعة من إلقائها واعتبر كلينتون ذكية ومنضبطة

TT

بعد مرور عام على انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، هل يريد المواطنون تذكر الماراثون الانتخابي الذي استمر على مدار 21 شهرا والذي بدأ قبل ثلوج آيوا ونيوهامبشير ومضى بعنف في العديد من المراحل خلال الانتخابات التمهيدية ومن بعدها الانتخابات العامة؟ وبعد كتب قيمة عن الحملة الانتخابية لريتشارد نولف (صناعة رئيس) ودان بالز وهاينز جونسون (معركة أميركا عام 2009: قصة انتخابات غير اعتيادية)، هل بقي شيء للحديث عنه يتعلق بمسيرة أوباما الطويلة نحو فوز تاريخي؟

فيما يتعلق بالكتاب الجديد لهندريك هرتزبيرغ، «Obamanos»، فإن الإجابة قطعا لا. وعلى الرغم من أن بعضا من الكتابات السياسية للهرتزبيرغ في ملحق «حديث المدينة» التابع لـ«نيويوركر» والإضافات على مدونته بموقع المجلة newyorker.com، كانت تتسم بنفاذ البصيرة في هذا الوقت، نجد أنه من الصعب تخيل السبب الذي يدفع أي شخص إلى العودة للخلف وإعادة قراءتها الآن في شكل كتاب، ما لم تكن هناك رغبة حقيقية في استعادة بعض الأشياء الماضية المرتبطة بالحملة الانتخابية والأعوام الأخيرة من إدارة بوش. ويُنظر إلى كتاب «الجرأة على الفوز» للمدير السابق لحملة أوباما الانتخابية ديفيد بلوف على أنه أكثر إثارة إلى حد بعيد. وعلى الرغم من أن بلوف لم يقدم الكثير من الأخبار وأنه بصورة واضحة يستعيد الكثير من الأشياء المعروفة (ومن بينها النقاشات التي أصبحت الآن مملة حول المناظرات وضريبة الغاز والانتخابات التمهيدية في فلوريدا وميتشغان المتنازع على نتائجها)، فإنه يعطي للقراء إحساسا عميقا بالحملة الانتخابية من وجهة نظر شخص شارك في تلك المعمعة. وعلى الرغم من أن محللين سياسيين وصحافيين كتبوا الكثير منذ ذلك الوقت عن الأسباب التي تقف وراء فوز فريق أوباما (بدءا من إصرار المرشح على سد الهوة بين تقسيم الولايات الجمهورية والولايات الديمقراطية مرورا بالتميّز الذي حققته حملة أوباما على الإنترنت ووصولا إلى رغبة البلاد في التغيير بعد قضاء الرئيس جورج دبليو بوش فترتين في منصب الرئيس)، يقدم بلوف تقريرا به الكثير من التفاصيل ويتحلى بالدقة عن الطريقة التي صاغ بها ونفذ برنامج أوباما ومعه المخطط الاستراتيجي الرئيسي لأوباما ديفيد أكسلرود. وقد تمكن هذا البرنامج من تحويل السيناتور الصغير من ولاية إلينوي ـ «هذا الشاب النحيف من ساوث سايد الذي يحمل اسما طريفا» كما وصف المرشح نفسه في يوم من الأيام ـ إلى قوة سياسية مرهوبة الجانب تعيد رسم الخريطة الانتخابية وتهزم هيلاري كلينتون التي خاضت صولات وجولات وتنظيمات الحزب الجمهوري. ويسرد بلوف كيف تمكنت قوتهم المتمردة الصغيرة من النمو والتحول من كيان صغير تكون ليواجه منافسا قويا إلى أن صار حملة انتخابية متكاملة تجذب المتطوعين من كافة الاتجاهات السياسية التقليدية وتجمع تبرعات غير مسبوقة عبر الإنترنت من متبرعين صغار وتؤسس لعمل ينتشر بين القواعد في المجتمع الأميركي. ويصف بلوف الطريق الضيق لتحقيق النجاح الذي كان على الحملة الانتخابية المضي فيه. (وباسترجاع ما حدث، ربما يرى كثير من المنافسين أن تنفيذ ذلك لم تشوبه عيوب). ويسترجع إصرار فريقه، في مواجهة العديد من الأشياء، على الحفاظ على تركيز الاهتمام بالاستراتيجية الشاملة: الفوز بولاية آيوا؛ والعمل بجد في انتخابات الولايات الأخرى؛ والحصول على تقدم صغير لا يصعب أن تتجاوزه هيلاري رودهام كلينتون؛ وفي الانتخابات العامة القيام بالهجوم عن طريق اختيار مجموعة واسعة من الولايات المستهدفة «حتى نفوز بالرئاسة مع احتمالية أن نخسر بعضها». وكان بلوف بمثابة شخصية بارعة في المنظومة التي ساعدت أوباما على ضمان ترشيح الحزب الديمقراطي وفي المنظومة التي هزمت مرشح الحزب الجمهوري السيناتور جون ماكين، وهو يميل للكتابة في هذه الصفحات مثل شخصية رياضية مستخدما النثر دون كثير من الشعر. وعلى عكس السيد أكسلرود فهو ليس متمرسا في التعبير عن نظرة أوباما للعالم ولكن يميل إلى الحديث عن الحملة الانتخابية. «جعل أفراد حملتنا هذا الفوز واقعا، لا يوجد من يستطيع نقل رسالة أفضل ممن يؤمنون بها وممن اعتنقوها بحماس». لم يبذل أي جهد في أن يضع الحملة الانتخابية في إطار الظروف التي أحاطت بوجود السيد أوباما في منصبه حتى الآن ـ فعلى سبيل المثال، لم يناقش السبب الذي جعل الاستخدام الناجح للتكنولوجيا في التواصل مع المقترعين المحتملين لم يثبت نفس الفعالية في الاستحواذ على المساندة فيما يتعلق بإصلاح الرعاية الصحية ـ وفي ظل التغطية الإعلامية؛ فهو عادة ما يلقي تعميمات حول الصحافة.

ومن الناحية الإيجابية، قام بلوف بدور فعال في عرض ولاء المتطوعين الذين ساعدهم على أن يصبحوا منظمين؛ حتى وهو يتعرض للضغط والتوتر المستمرين لحملته الانتخابية: يذكر بلوف أن أوباما عندما كان في منزله كان يجري الاتصالات الهاتفية من الحمام وهو المكان الوحيد في منزل أسرته الصغير الذي يستطيع أن يتحدث خلال المساء المتأخر منه دون أن يوقظ زوجته وابنه.

ويقدم بلوف تقديرات دقيقة فيما يتعلق بالعوامل الكبرى المؤثرة في سباق 2008 كما أنه صريح فيما يتعلق بالإخفاقات التي ارتكبتها حملة أوباما خلال الطريق، مثل الإخفاق في تقصي المشكلات المحتملة (بما فيها التعليقات الساخنة التي ألقى بها قس الرئيس أوباما السابق ريف جيرمياه رايت)، ووصوله إلى حالة من الرضا في أعقاب «آيوا»، ثم خسارته لنيو هامبشير، بالإضافة إلى الفشل في الاستعداد لـ«الانتصار الساحق في تكساس» وبدلا من ذلك «شتت موارده في أوهايو» التي ضمنت أن يمتد السباق الأساسي إلى بنسلفانيا.

وكان بلوف صريحا في أفكاره حول اختياره لنائب الرئيس السيناتور جوزيف بايدن قائلا إنه على الرغم من تمتعه بالخبرة والمعرفة، فإنه «معروف بأنه يتجاوز حتى معايير مجلس الشيوخ المتعلقة بالإطناب الممل فهو يستغرق ساعة في قول ما لا يحتاج إلى أكثر من 10 دقائق»، كما أنه يقول إن بايدن يشاركه «معتقداته بأن السيد ماكين يقدر كونه لا يمكن التنبؤ به فوق كل شيء آخر»، وهي ملاحظة أكدها اختياره لسيناتور أريزونا سارة بلين من ألاسكا كنائب له في السباق الانتخابي.

وفيما يتعلق باختيار السيناتور هيلاري كلينتون كنائب للرئيس، يذكر بلوف نقلا عن أوباما قوله إن هيلاري لديها كل ما يسعى وراءه ـ «ذكية، ومنضبطة، بالإضافة إلى الإخلاص» ـ ولكنه كان قلقا إذا ما اختارها من أن يصبح بيل كلينتون «عقبة كبرى»: «إذا اخترتها، فأخشى أن يصبح هناك أكثر من اثنين في هذه العلاقة».

وبالنسبة لباراك أوباما نفسه، يسهب بلوف فيما يعرفه ببساطة معظم القراء عن الرئيس سواء من الكتاب السابق أو التقارير الصحافية: وهو أنه مثالي ولكنه في نفس الوقت براغماتي ـ هادئ، وواثق من نفسه، متأن، ويميل «لتأمل الأشياء من مسافات بعيدة».

بالإضافة إلى أنه صوره باعتباره شخصا معتادا على أن يصبح مسيطرا على الأمور؛ عندما التقى به بلوف لأول مرة خلال سباق مجلس الشيوخ الانتخابي في 2004 كتب أن أوباما كان «يواجه صعوبة في السماح لفريق عمله الخاص بالحملة الانتخابية بالاضطلاع بالمزيد من المسؤوليات سواء فيما يخص الحملة أو حياته الشخصية».

«يجب أن تتعامل مع الأمور ببساطة وأن تثق في الآخرين» هذا ما يتذكر بلوف أن أوباما قاله مذكرا إياه بأن عليه «أن يصبح المرشح. وليس مدير الحملة، والمنظم والسائق».

وقد رد عليه أوباما قائلا: «أعي ذلك على المستوى النظري ولكن هذه هي حياتي ومستقبلي المهني. وأعتقد أنني أستطيع أن أقوم بكل عمل يخص الحملة أفضل من الأشخاص الذين استأجرتهم لكي يقوموا به. فمن الصعب أن تتخلى عن السيطرة إذا كان ذلك هو كل ما تعرفه من خلال حياتك السياسية. ولكنني أصغي إليك وسوف أحاول أن أحسن أدائي».

وكما في كتاب ريتشارد وولف «المرتد»، يظهر أوباما في هذه الصفحات باعتباره لاعبا ماهرا يمكنه أن يصيب الهدف الصعب ولكنه لا يقوم بممارسة الكثير من التدريبات».

ويضيف السيد بلوف: «إن الاستعداد للمؤتمرات الصحافية يعكس واحدا من أوجه الاختلاف بين ميشيل وباراك». «وذلك حيث ترغب ميشيل في إعداد مسودة لخطابها قبل شهر حتى يمكنها الاعتناء بالتفاصيل، والاعتياد عليه والتدريب على إلقائه، ولكن باراك كان دائما ما يعد خطابه في الساعة السابقة على المؤتمر.

وعلى هذا الصعيد كانت ميشيل عازفة بيانو بفرقة موسيقية ـ منضبطة، ومنظمة، ومنهجية ـ بينما كان باراك عازف جاز، سريعا، وارتجاليا، ويعزف من دون نوتة موسيقية».

* خدمة «نيويورك تايمز»