خامنئي يرفض «علاقات الذئب والحمل» ويهاجم واشنطن.. والغرب أمام 3 خيارات

جماعة معارضة تتحدث عن موقع نووي خفي شرق طهران * مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط» : الأميركيون لم يتغيروا

صورتان لموقع خفي نووي مفترض تقول المعارضة الإيرانية إنه بني تحت الأرض شرق طهران، وذلك خلال مؤتمر صحافي في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

في أول موقف علني له من مسودة الاتفاق الدولي بين إيران والغرب والذي يقضي بإرسال نحو ثلثي المخزون الإيراني من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الخارج للتخصيب بدرجة أعلى في روسيا، خيّر المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي الغرب بين تعديل الاتفاق الدولي مع إيران أو رفض طهران للعرض على أساس انه «ضغط غير مقبول». وبينما ما زالت وكالة الطاقة الذرية والدول الغربية تتوقع الرد الإيراني «الرسمي» على مسودة الاتفاق الدولي، قالت مصادر إيرانية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن المسؤولين الإيرانيين لا يدعمون مسودة الاتفاق الدولي مع الغرب ويعتبرون أنها لا «تشكل نقطة الانطلاق التي تريدها» طهران. وقال مسؤول إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن الإيرانيين أوضحوا للمسؤولين الغربيين المعنيين أن «إيران تريد اتفاق دولي لا يقتصر على الموضوع النووي ولا يقف عند تخصيب اليورانيوم».

وتابع: «المقترح الدولي بشكله الحالي لا يحقق لإيران أي مصلحة. وهو يعكس تغييرا في الطريقة الأميركية. كأن الأميركيين لم يتغيروا يقدمون أفكارا تركز على حقوقنا النووي من دون معالجة باقي القضايا محل القلق من دول المنطقة مثل الأمن والإرهاب والتنمية». وفيما ما زالت العواصم الغربية بانتظار إعلان طهران موقفا رسميا لتقرر الدول الغربية ما إذا كانت طهران تتحرك تكتيكيا، أم أنها فعلا لا تريد هذا الاتفاق النووي مع الغرب، تبدو التوجهات في طهران أكثر حسما ووضوحا. وجاءت أمس على لسان المرشد الأعلى آية الله على خامنئي الذي قال إن إيران ترفض أي مفاوضات تكون نتيجتها مفروضة سلفا من جانب الولايات المتحدة.

وأوضح خامنئي في خطاب أمام طلاب عشية إحياء الذكرى الثلاثين للاستيلاء على السفارة الأميركية في طهران «نرفض أي مفاوضات (حول الملف النووي) تكون نتيجتها مفروضة سلفا من جانب الولايات المتحدة». واعتبر أن «حوارا كهذا يشبه علاقة قوة بين الذئب والحمل»، في إشارة إلى عبارة استخدمها قائد الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني الذي كان قد قارن العلاقة بين واشنطن وطهران بعلاقة بين الذئب والحمل. وتابع خامنئي: «لا نريد هذه العلاقة. كذلك، ندد خامنئي بسياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما، مؤكدا أن عرضه لإجراء حوار ينطوي على تهديدات. وقال «هذا الرئيس الجديد (باراك أوباما) بعث برسائل شفوية ومكتوبة مقترحا علينا طي صفحة والتعاون لتسوية مشاكل العالم». وأضاف «خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، ما لاحظناه معاكس لما يقولونه. ظاهريا، يقولون إنهم يتفاوضون ولكن في الوقت نفسه هم يهددون ويقولون إنه إذا لم تؤد هذه المفاوضات إلى النتائج التي يريدونها فإنهم سيقومون بهذا الأمر أو ذاك». وتابع خامنئي أن «الأمة الإيرانية لن يتم خداعها باللهجة المتساهلة للولايات المتحدة وستدافع عن حقها واستقلالها وحريتها». وأضاف «في كل مرة يوحي المسؤولون الأميركيون أنهم يبتسمون لإيران، فإنهم يخبئون خنجرا وراء ظهرهم».

ووصف خامنئي الولايات المتحدة بأنها «قوة متغطرسة فعلا»، مشددا على أن بلاده لن تنخدع وتدخل في مصالحة مع عدوها اللدود. ونقلت الإذاعة الإيرانية عنه قوله «الحكومة الأميركية قوة متغطرسة فعلا والأمة الإيرانية لن تنخدع بما تبديه من نبرة تصالحية إلى أن تتخلى أميركا عن موقفها المتغطرس». ومع تصريحات خامنئي أمس والتي تعني ضمنا أن المرشد الأعلى «أغلق الباب» أمام الصفقة النووية بشكلها الحالي، سيكون أمام الدول الغربية 3 خيارات. الأول أن تحاول الدول المعنية، أميركا وروسيا وفرنسا، مع وكالة الطاقة الذرية إقناع إيران مجددا بقبول مسودة الاتفاق من دون تعديل، وهو خيار تبدو حظوظه قليلة. أما الخيار الثاني فهو إجراء مزيد من المناقشات بين الدول الغربية ووكالة الطاقة وإيران لتغيير بعض بنود الاتفاق الدولي وهو أيضا خيار صعب في ضوء التصريحات المتكررة للمسوؤلين الغربيين ومن بينهم وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزيرا الخارجية البريطاني ديفيد مليباند والفرنسي برنارد كوشنير الذين قالوا إنه لا تعديل في مسودة الاتفاق الدولي وانه بشكله الحالي مناسب لجميع الأطراف. أما الخيار الثالث وهو أصعب الخيارات فهو إعلان واشنطن الفشل الضمني لجولة المباحثات الأولى مع طهران وفرض الكونغرس عقوبات مشددة على طهران وهو سيكون بمثابة آخر سيناريو أمام إدارة أوباما المفترض أن يقرر بنهاية العام الجاري مسار الاستراتيجية حيال طهران وما إذا كانت في سبيلها للنجاح أم لا. وفي هذا الصدد أكد مسؤولون أميركيون سابقا لـ«الشرق الأوسط» أن واشنطن ستعطي للدبلوماسية مسارها وان الجهد منصب كليا لإنجاح الحوار مع طهران، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن واشنطن جاهزة لباقي السيناريوهات. وكثف المجتمع الدولي خلال اليومين الماضيين ضغوطه على طهران، مطالبا إياها برد سريع على مشروع الاتفاق الذي اقترحته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حين تطالب إيران بعقد اجتماع دولي جديد لبحث مسألة الوقود النووي لمفاعلها للأبحاث. ولم يظهر بعد ما إذا كان الغرب سيوافق على تلك الفكرة التي من شأنها أن تمدد أجل التفاوض. وفي خطاب في الأمم المتحدة أول من أمس، حض مدير الوكالة الذرية محمد البرادعي مجددا طهران على إظهار أكبر قدر من الانفتاح والرد سريعا على عرض الوكالة. اقترحت الوكالة الذرية في 21 أكتوبر مشروع اتفاق يتضمن أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم الضعيف التخصيب الذي لديها في الخارج تمهيدا لتحويله وقودا يستخدم في مفاعل الأبحاث في طهران. وهدف هذا الاقتراح إلى احتواء قلق المجتمع الدولي حيال البرنامج النووي الإيراني لأنه سينقل لروسيا نحو 70% من اليورانيوم الإيراني المخصب مما يعطل قدرة إيران على تطوير أي سلاح نووي لمدة عام على الأقل. ووافقت الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا على هذا المشروع. لكن طهران لم تعلن بعد موافقتها عليه ولا رفضها إياه. لكن إيران ردت على لسان مندوبها لدى الوكالة الذرية علي أصغر سلطانية أنها تأمل باستكمال مشروع الاتفاق لتبديد «قلقها حيال نقاط فنية». واقترح سلطانية عقد اجتماع جديد «في أسرع وقت» في مقر الوكالة الذرية في فيينا. فيما تحدث مسؤولون إيرانيون آخرون عن تغييرات لابد من إدخالها مع مسودة المشروع، وذلك بعدما ارتفعت أصوات عدة في طهران تنتقد تسليم طهران القسم الأكبر من مخزونها من اليورانيوم، فيما دعا بعض المسؤولين إلى أن تقوم إيران بشراء وقودها النووي بدل أن تقايضه بقسم من اليورانيوم الذي تملكه نافين فكرة الاتفاق الغربي من أساسها. وحول الخلافات بين المسؤولين الإيرانيين حول الصفقة النووية مع الغرب، قال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط»: «كل رئيس إيراني يريد أن يكون الشخص الذي تتغير في عهده العلاقات مع أميركا من عداء إلى تسوية. وأحمدي نجاد قد يكون من ضمن هؤلاء. لكن هناك من هو أقوى منه ولهم حسابات أخرى. البعض ينسى أن علاقات أميركا وإيران تعاني من أزمة طالت 30 عاما. هذه تعقيدات لا تحل بسهولة. ليست إيران هي فقط المشكلة. أميركا أيضا مشكلة، فهي تبدأ من نقطة أن إيران خطر عليها وعلى المنطقة. هذه هي المشكلة، ولا أعتقد أن الرئيس أوباما غير الطريقة التي ينظر بها لإيران. والإيرانيون يعرفون ذلك، ولا يقبلون ذلك». وكان لافتا أن حتى الإصلاحيين وعلى رأسهم زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي قد انتقدوا مسودة الاتفاق النووي مع الغرب، وقال موسوي في انتقادات نقلتها وسائل الإعلام الإيرانية قبل أيام موجها كلامه لأحمدي نجاد حول الاتفاق النووي: «هل هذا انتصار أم خديعة؟». فيما تبادل رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الأدوار مع أحمدي نجاد، فبعدما كان أحمدي نجاد يستخدم لغة متشددة خلال رئاسة لاريجاني لمجلس الأمن القومي الإيراني حول حقوق إيران النووية، أصبح لاريجاني اليوم يستخدم لغة أكثر تشددا من احمدي نجاد. إذ هاجم لاريجاني الأسبوع الماضي بلهجة حادة مسودة الاتفاق الدولي، موضحا أن أطرافا ثالثة، من دون أن يسميها، وضعته مع أميركا كي تجرد إيران من حقوقها النووية. وهي لهجة مختلفة تماما عن لهجة الرئيس الإيراني الذي قال قبل أيام في لهجة تحذيرية إن إسرائيل ترفض الاتفاق النووي بين إيران والغرب وتريد أن تفسده، مما أعطى انطباعا انه يدعم ضمنا الاتفاق النووي أو على الأقل يوافق على الإطار العام له في محاولة لتحقيق نصر أمام الإيرانيين بعدما خرج مجروحا بعد أزمة الانتخابات الرئاسية.

ويأتي ذلك فيما دعت جماعة إيرانية معارضة وكالة الطاقة الذرية إلى عدم إضاعة الوقت و«تفتيش موقع خفي» بالقرب من طهران، تقول المعارضة الإيرانية انه يشغل للمساعدة في بناء صواعق نووية. وقال المجلس الوطني للمقاومة، وهي جماعة معارضة إيرانية، في مؤتمر صحافي في باريس إن المنشأة تقع تحت جبل شرق طهران و«تتشكل من عدد من القنوات الأرضية الموصولة ببعضها البعض». وكانت الجماعة نفسها قد أعلنت لأول مرة عن ذلك الموقع في مؤتمر صحافي في سبتمبر (أيلول) الماضي، إلا أنها عرضت أمس ما قالت انه تفاصيل حول أعمال البناء في الموقع الذي قال تنظيم المعارضة الإيراني في الخارج انه يبنى تحت مركز للأبحاث يعرف باسم «ميتفاز» يتبع لوزارة الدفاع الإيرانية. وقالت جماعة المعارضة بحسب ما نقلت وكالة الأسوشييتدبرس أمس إنها حصلت على معلوماتها من مسؤول رفيع بالحرس الثوري الإيراني، موضحة أنها بعثت بمعلوماتها إلى وكالة الطاقة الذرية، إلا أنها لم تتلق ردا. وانتقدت الجماعة ضمنا وكالة الطاقة لعدم تحركها بسرعة للكشف عن منشأة «قم» التي قالت إنها تعرف بشأنها منذ عام 2005. وتابعت في المؤتمر الصحافي: «نأمل أن لا تنتظر وكالة الطاقة 4 سنوات أخرى كما فعلت في قم كي تتحرك وتزور الموقع». إلى ذلك وعلى صعيد متصل وجه خامنئي أمس تحذيرا إلى المعارضة الإيرانية التي تنوي التظاهر اليوم على هامش إحياء الذكرى الثلاثين للاستيلاء على السفارة الأميركية، ونبه في كلمته أمام الطلاب إلى أن «الأشخاص السذج والسيئي النية» لن يتمكنوا «من السماح للولايات المتحدة بالتدخل». وتحيي إيران اليوم ذكرى استيلاء طلاب إسلاميين في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 1979 على السفارة الأميركية واحتجاز دبلوماسييها لـ444 يوما. ومنذ ذاك، قطعت العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وطهران. وكانت المعارضة الإيرانية انتهزت في 18 سبتمبر فرصة تنظيم تظاهرة رسمية تضامنا مع الفلسطينيين للنزول إلى الشارع وتكرار إعلان دعمها للمرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران) مير حسين موسوي.