إيران وسورية تنفيان اتهامات إسرائيل بإرسال سفينة أسلحة لحزب الله

تل أبيب تعد بمواصلة قرصنتها البحرية «لمنع طهران من إغراق المنطقة بالأسلحة»

الجيش الإسرائيلي يعرض الأسلحة التي قال إنه عثر عليها في السفينة الإيرانية، في مرفأ أسدود أمس (أ.ف.ب)
TT

نفت طهران أمس إرسال سفينة محملة بالأسلحة إلى حزب الله في لبنان عبر سورية، كما قالت إسرائيل أول أمس، ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إرنا) عن وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متقي، قوله إن «هذا التقرير غير صحيح.. كانت السفينة متجهة إلى إيران، قادمة من سورية، ومحملة ببضائع سورية وليس أسلحة». وأكدت سورية قصة إيران، ونفى وزير الخارجية السوري وليد المعلم بدوره احتجاز سفينة إيرانية قبالة سواحل إسرائيل، وقال «إن هذا الخبر لا أساس له من الصحة وأن السفينة کانت متجهة من سورية إلى إيران ولا تحمل السلاح أو المعدات المستخدمة في صناعة الأسلحة».

من جهتها، أعلنت إسرائيل أنها ستواصل ملاحقة السفن التي تنقل السلاح من إيران إلى ما وصفته بـ«منظمات الإرهاب في لبنان وقطاع غزة»، مثلما فعلت فجر أمس مع السفينة القبرصية «فرانكوب». وعرض سلاح البحرية الإسرائيلي على الصحافيين حمولة هذه السفينة من الأسلحة، في ميناء أسدود في الجنوب. وحيا وزير الدفاع، إيهود باراك، القوات التي شاركت في الاستيلاء على السفينة، معتبرا إياها «عملية نصر جديدة على محور الشر والإرهاب». وحياها رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، معتبرا ما نفذته «ضربة معلم، منعت خطرا إضافيا عن المواطنين الإسرائيليين».

وكان الجيش الإسرائيلي قد كشف أن سلاح البحرية وسلاح الجو، تمكنا من السيطرة على سفينة تجارية ضخمة تحمل خمس حاويات من الأسلحة الإيرانية، كانت في طريقها إلى حزب الله، وأن القوات جرت السفينة إلى ميناء أسدود وتجري تحقيقا مع أفراد طاقمها، وهم جميعا من البولنديين.

واتضح من المعلومات الإسرائيلية الأولية التي نشرت حول الموضوع أن السفينة المذكورة «فرانكوب»، حملت علم أنتغوانا، مع أنها تعمل لدى شركة قبرصية. وهي مصنوعة عام 2003، وطولها 138 مترا وعرضها 22 مترا. وتعمل في التجارة المدنية ليس فقط من إيران، بل بالأساس في البحر الأبيض المتوسط وفي البحر الأسود. وتتبعت المخابرات الإسرائيلية مسارها، كما قال وزير الدفاع إيهود باراك، منذ انطلاقها من ميناء بندر عباس الإيراني على الخليج. فعبرت البحر الأحمر وقناة السويس، ورست لخمس ساعات في ميناء دمياط المصري، ثم انطلقت باتجاه ميناء ليماسول في قبرص، قاصدة الرسو فيه لبضع ساعات، ثم الاستمرار إلى بيروت ومن ثم إلى ميناء اللاذقية السوري، حيث خططت قضاء نهاية الأسبوع فيه.

ولكن إسرائيل شوشت هذا المسار، وعلى بعد 180 كيلومترا من الشواطئ الإسرائيلية وقبل أن تصل إلى قبرص، داهمتها قوة كبيرة من سلاحي البحرية والجو وقوات الكوماندوز الإسرائيلية، وحاصرتها بحرا وجوا، وطلبت من ربانها وأفراد طاقمها أن يستسلموا. فاستسلموا على الفور ومن دون مقاومة أو اعتراض. وأجرى الإسرائيليون تفتيشا دقيقا فيها، فوجدوا خمس حاويات تحتوي على أسلحة خفيفة وقنابل وقذائف وصواريخ ذات مدى قصير بقطر 122 و107 مليمترات، أي من النوع نفسه الموجود بحوزة حزب الله. وعلى الفور اعتقل أفراد الطاقم، وقام ربان سلاح البحرية الإسرائيلية بقيادة السفينة إلى الميناء الإسرائيلي.

وكان الطاقم الوزاري الأمني المصغر في الحكومة الإسرائيلية مجتمعا، أمس، للبحث في أوضاع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عندما جاء الخبر بوصول السفينة إلى أسدود. فاحتل الموضوع جدول أعمال الطاقم، وتحولت الجلسة إلى مهرجان نصر احتفالي. وهنأ الوزراء الجيش الإسرائيلي على هذه العملية، معتبرينها انتصارا جديدا، مذكرين بسلسلة عمليات قرصنة ناجحة في الماضي ومصممين على الاستمرار في هذا النهج.

يذكر أن إسرائيل كانت قد سيطرت على سفينة «كارين إيه» الفلسطينية في فبراير (شباط) 2002 في البحر الأحمر، التي ضبطت فيها صواريخ كتف مضادة للطائرات كانت موجهة إلى السلطة الفلسطينية، واتهمت فيها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وقبلها سيطرت في عرض البحر على سفينة «سانتوريني» اللبنانية في مايو (أيار) 2001 وكانت موجهة أيضا للسلطة الفلسطينية. وفي مارس (آذار) وأبريل (نيسان) من السنة الحالية نشرت أنباء في الخارج تقول إن إسرائيل دمرت ثلاث شحنات أسلحة إيرانية موجهة إلى حركة حماس في قطاع غزة، الأولى في يناير (كانون الأول) عندما قصفت قافلة من 17 شاحنة على الأراضي السودانية قتل خلالها 37 مواطنا، والثانية في مارس عندما أغرقت سفينة في ميناء بورت سودان والثالثة لم يكشف تفاصيلها. لكن إسرائيل لم تعترف بها رسميا، ورئيس حكومتها آنذاك، إيهود أولمرت، ألمح تلميحا بأن إسرائيل لن تتردد في الوصول إلى أي مكان لمنع الإرهاب من الحصول على أسلحة. ويوم أمس، تباهى النائب شاؤول موفاز، بأنه عندما كان وزيرا للدفاع، راقب بنفسه من الجو عملية السيطرة على سفينة الأسلحة الفلسطينية «كارين إيه».

يشار إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1747، الصادر سنة 2007، يتيح لأية دولة تابعة للأمم المتحدة أن تفتش سفينة مشبوهة بنقل أسلحة إيرانية. ولكنه لا يجيز لهذه الدولة أن تعتقل ركابها أو تصادر حمولتها. ويلزم الدولة بأن تسلم السفينة إلى الدولة التي تتبع لها، لتقوم هي بالإجراءات القضائية اللازمة. لكن إسرائيل تدعي أنها قامت بسحب السفينة إلى مينائها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي يمنع حزب الله اللبناني من التزود بأسلحة. وقد شكلت وزارة الخارجية الإسرائيلية، أمس، طاقما خاصا مهمته تفسير الجوانب القانونية والسياسية لهذه العملية، في العالم.

ويذكر أن مجلة «دير شبيغل» الألمانية نشرت تحقيقا مطولا هذا الاسبوع ، قالت فيه إنها تحدثت طوال الأشهر الماضية مع مسؤولين بارزين وخبراء حول التفجير الغامض في الصحراء السورية الذي استهدفت المفاعل النووي السوري في موقع الكبر. وقالت في تقرير لها، إن من بين الذين تحدثت إليهم، الرئيس السوري بشار الأسد، والخبير الإسرائيلي البارز في الاستخبارات رونن بيرغمن، ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، والخبير الأميركي البارز في الطاقة الذرية ديفيد أولبرايت. وقالت المجلة أيضا إنها تحدثت مع أشخاص على صلة بالعملية، وافقوا على التحدث إليها شرط عدم كشف هوياتهم.

وقال التقرير نقلا عن عملاء إسرائيليين في دمشق، إن سورية كانت تحاول تعزيز موقعها عبر اعتماد مواقف راديكالية ومتشددة. وقالت إن دمشق أمنت أعدادا كبيرة من الأسلحة لحزب الله في لبنان، دعما لـ«نضاله في سبيل الاستقلال» عن «النظام الصهيوني». وأضاف إن دمشق استقبلت مسؤولين كبارا من كوريا الشمالية، وأن الموساد كان واثقا من أن مواضيع تلك الأحاديث السرية كانت حول تطوير القدرات العسكرية لسورية. وأشار التقرير إلى أن بيونغ يانغ كانت قد ساعدت دمشق في السابق لتطوير الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، والأسلحة الكيميائية. وقال إنه عندما أبلغت استخبارات الجيش الإسرائيلي الموساد بأن سورية في طور بناء مفاعل نووي، غض المسؤولون في الاستخبارات الطرف.

وأضافت المجلة إن سورية عدلت موقفها أخيرا وإن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد يرسل مبعوثا عسكريا إلى دمشق قريبا، ويتبعه بسفير. وأشارت إلى أنه يمكن أن تتم إزالة اسم سورية عن لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وأنه يمكن أن تحرك مليارات من المساعدات لسورية. وقال التقرير إن الرئيس السوري يعلم أن هذا ربما يكون أمله الوحيد لإعادة إحياء اقتصاده المعتل منذ فترة طويلة.

وتحدث التقرير عن العلاقات بين سورية وإيران التي ساءت في الأسابيع الأخيرة الماضية. وقال نقلا عن تقارير وكالات الاستخبارات إن القيادة الإيرانية تطالب بأن تعيد سورية، بشكل كامل، شحنات كبيرة من اليورانيوم لم تعد بحاجة إليها الآن بعد أن تم تدمير مفاعلها النووي.

وأشارت «دير شبيغل» إلى أن بشار الأسد يفكر في أن يتخذ خطوة سياسية حساسة، وقالت إنه يُعتقد أن الأسد عرض على أشخاص في بيونغ يانغ أنه يفكر في الكشف عن البرنامج «الوطني» النووي، ولكن من دون الإفصاح عن أي تعاون مع شركائه من كوريا الشمالية وإيران. وأضافت أن رد الفعل من كوريا الشمالية كان سريعا وقاسيا «أرسلت بيونغ يانغ مسؤولا كبيرا إلى دمشق لإعلام السلطات السورية أن الكوريين الشماليين سينهون كل التعاون حول الأسلحة الكيميائية إذا نفذ الأسد خططه.. وهذا بغض النظر عما إذا ذكر بيونغ يانغ أم لا».

وتابع التقرير أن رد إيران كان حتى أشد قسوة. وقال إن سعيد جليلي، كبير المفاوضين الإيرانيين بالملف النووي، حمل رسالة طارئة من المرشد الأعلى آية الله الخميني، حيث قال الخميني إن خطة الأسد «غير مقبولة»، وهدد بأنها ستكون نهاية للتحالف الاستراتيجي بين الدولتين. ونقلا عن مصادر استخباراتية، قالت المجلة إن الأسد تراجع عن خطته في الوقت الحالي. ولكنها أضافت أنه يبحث عن سبل لعقد صفقات مع أعدائه، من بينهم حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني بنيامين نتنياهو. وأشارت إلى أن الأسد لن يريد التخلي عن علاقاته مع إيران وحزب الله بشكل كامل، وأنه سيطالب بسعر عال جدا لاحتمال السلام والتطبيع مع إسرائيل وللعب دور الوسيط مع طهران، وتحديدا إعادة الجولان بشكل كامل لسورية.