تقليد «الكوامة» العشائري في التهديد والابتزاز يعاود الظهور.. في مدن العراق

لا أحد بمنأى عنه.. وغياب القانون وضعف الأجهزة التنفيذية يساعد في شيوعه

وزيرة حقوق الإنسان العراقية وجدان ميخائيل سالم تتحدث في مؤتمر لأعضاء مجالس المحافظات في بغداد أمس عن محنة من فقدوا ذويهم في تفجيرات ولم يعثروا على رفاتهم (أ.ف.ب)
TT

انتشرت بين أوساط اجتماعية واسعة في محافظة البصرة وغيرها من المدن العراقية وسائل التهديد والابتزاز خلال السنوات القليلة الماضية منها ما هو مبتكر ومنها ما له جذور عشائرية بالية كاد أن يتلاشى ويختفي لكنه عاد بقوة في ظل غياب القانون وضعف الأجهزة التنفيذية وبات شائعا في ظل الاحتلال. ولا أحد بمنأى عن التعرض لإحدى وسائل التهديد والابتزاز التي يطلق عليها «الكوامة» والتي عادة ما تكون إما شفاهة بين المتخاصمين أو برسالة مرفقة بإطلاق مسدس أو بندقية أو إطلاق عيارات نارية في الهواء عند أبواب المساكن أو إيصال التهديد عبر آخرين.

وانتشرت ظاهرة «الكوامة»، وهي إحدى القيم العشائرية بين الموظف ومسؤوله الإداري، وبينهما والمراجعين، وبين السواق ورجال المرور، والمتهمين ورجال الشرطة، والطالب والأستاذ، والعمال والمقاولين، والصانع ورب العمل، وأهل الزوج والزوجة. ويرى مشايخ ووجهاء أن تلك الظاهرة دخلت إلى المدن بعد الاحتلال بعدما كانت محصورة على نطاق ضيق بين العشائر في القرى والأرياف، ويهدف كثير منها إلى التلويح باستخدام وسائل العنف إذا لم تلب حاجة صاحب التهديد، لذا يخشى كثير من المعنيين في الدوائر الرسمية وغيرها التصادم مع الغير ويفضلون معالجة الأمور بالتي هي أحسن تحسبا لعواقب التهديد.

وقال الشيخ محمد الغانم، وهو من وجهاء البصرة، لـ«الشرق الأوسط» إن «(الكوامة) تعني التهديد بالقتل تحت حماية العشيرة وإرغام الخصم على تحقيق مطالب صاحب التهديد، وقد برزت بشكل حاد عند تصاعد أعمال العنف من قتل واختطاف ولم ينج منها كثير من الضحايا وهم من الأطباء ومديري دوائر وأعضاء مجالس محلية». وأضاف أن «تعرض المسؤول الذي يؤدي خدمة عامة للتهديد معناه تعطيله عن أداء واجباته واستباحة حرمة الوظيفة العامة وبالتالي تغلب الفوضى على النظام، وتعطيل القانون». لكن الشيخ عبد الكاظم ساهي يرى مشروعية للجوء المظلوم إلى «الكوامة» مع الظالم وإن كان موظفا ويؤدي خدمة عامة عند عدم قيام الموظف بتأدية واجباته بشكل اعتيادي ولجوئه إلى المماطلة بغية ابتزاز المراجع وإجباره على دفع رشوة». وقال: «اضطر أحد معارفي إلى تهديد مسؤول بإحدى الدوائر الحكومية بعدما ادعى المسؤول فقدان ملف معاملته، لكنه أعلن العثور عليها وإنجازها في وقت قياسي بعد تبليغه بـ(الكوامة)». وأضاف أن «الكوامة» لا تؤدي دائما إلى استخدام العنف، إذ قد يلجأ المتخاصمان إلى العقلاء لفض النزاع بشكل ودي بعد تطييب النفوس والخواطر، مستدركا أن «اللجوء إلى الشرطة والمحاكم يتطلب اتخاذ إجراءات مطولة يرافقها تشدد الطرفين وتعقيد المشكلة».

أما حامد السدخان (من وجوه المجتمع) فيرفض كل أشكال التهديد، معتبرا التهديد «من الوسائل البدائية التي كانت سائدة في المجتمعات قبل أن يدون حمورابي القوانين المدنية في مسلته المشهورة». وأضاف أن «المشرع في القوانين العراقية قد أولى أهمية كبيرة لقضايا التهديد ووضع مواد جزائية للفاعلين، خاصة بحق من يتعرض لموظف يؤدي خدمة عامة في دائرة رسمية»، مستدركا أن «معظم قضايا (الكوامة) تنتهي بإجبار الطرف الضعيف على دفع أموال للطرف الآخر المرتبط بعشيرة قوية وإن كان معتديا، وهذا من أشد أنواع الظلم الاجتماعي».