كوشنير لطهران: سنوقف المفاوضات إذ لم تردوا على العرض النووي

العلاقات الفرنسية ـ الإيرانية مرشحة لمزيد من التدهور.. والملفات الخلافية كثيرة

TT

أدانت باريس بشدة أمس عمليات القمع التي تعرض لها المتظاهرون في طهران، الذين نزلوا إلى الشوارع على هامش المظاهرات الرسمية بمناسبة الذكرى الثلاثين لاحتجاز الدبلوماسيين الأميركيين في العاصمة الإيرانية. ويأتي ذلك فيما حذر وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير طهران من أنها اذ لم ترد على مسودة الاتفاق النووي، فإن الغرب سيوقف المفاوضات. ومن المرجح أن تدفع اللغة الفرنسية إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين باريس وطهران المتوترة أصلا بسبب موقف باريس من الانتخابات الرئاسية والقمع الذي تعرض له المعارضون، وبسبب ملف الباحثة الجامعية كلوتيلد رايس الملاحقة قضائيا في إيران، فضلا عن الملف النووي الإيراني والموقف الفرنسي المتشدد تجاهه.

وقال برنار فاليرو، الناطق باسم الخارجية الفرنسية أمس في إطار المؤتمر الصحافي الإلكتروني، إن فرنسا «تدين الموجة الجديدة من العنف والقمع»، مستندا إلى المعلومات التي تحدثت عن لجوء الأجهزة الأمنية الإيرانية إلى العنف ضد المتظاهرين وإلى التوقيف «الاعتباطي» الذي تعرض له مواطنون «كانوا يتظاهرون سلميا». وأعربت باريس عن قلقها البالغ إزاء هذه التطورات، مشيدة بشجاعة «كل الذين يناضلون سلميا في إيران من أجل المحافظة على حقوقهم الأساسية».

ويأتي الموقف الفرنسي على خلفية توتر في العلاقات الفرنسية ـ الإيرانية على الرغم من استمرار التواصل بين الوزيرين برنار كوشنير ومنوشهر متقي اللذين التقيا للمرة الأخيرة في نيويورك بمناسبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أنهما يتواصلان هاتفيا.

وأفادت مصادر فرنسية رسمية بأن تعبير باريس المتواتر عن موقف الإدانة العلني لعمليات القمع التي يرتكبها النظام ضد المتظاهرين وضد المعارضة «أقل ما يمكن أن تقوم به فرنسا» إزاء المعارضة. وتحرص باريس، في كل مناسبة، على الإشادة بـ«شجاعة» المتظاهرين. ومنذ الانتخابات الرئاسية في 12 يونيو (حزيران) الماضي وما تبعها من مظاهرات وأعمال عنف، التزمت باريس موقفا متشددا من النظام الإيراني، ولم تتردد في الحديث عن «اهتزاز» النظام الإيراني، مما أثار حفيظة طهران.

وأمس، كشفت صحيفة «لوفيغارو» أن السفير الفرنسي في طهران برنار بوليتي بعث برسالة خطية إلى المسؤولين الإيرانيين يؤكد فيها أن الجامعية الفرنسية كلوتيلد رايس، الموجودة منذ شهور في السفارة الفرنسية بانتظار صدور حكم بحقها بخصوص اتهامات وجهت إليها لدور مزعوم لها أثناء مظاهرات يونيو، جاهزة لتلبية أي استدعاء من قبل القضاء شرط توافر ضمانات بتمكينها من العودة إلى السفارة. ويطالب السفير الفرنسي بـ«ضمانات مكتوبة» من الجانب الإيراني لأن باريس تتخوف من أن تستغل السلطات الإيرانية مثولها أمام القضاء لإرسالها مجددا إلى السجن الذي خرجت منه بكفالة إلى السفارة الفرنسية. وبحسب الصحيفة المذكورة، فإن الرئيس ساركوزي أكد في نيويورك أواسط سبتمبر (أيلول) أن رايس «لن تخرج من السفارة» من غير توافر هذه الضمانات.

وتعتبر مصادر فرنسية أن توقيف رايس وقبلها موظفة إيرانية في السفارة الفرنسية في طهران سببه مواقف باريس المتشددة وانتقاداتها العنيفة ضد ما اعتبرته تزويرا واسعا في الانتخابات الرئاسية ودعما للمعارضة.

غير أن الملف النووي يطأ بثقله الأكبر على علاقات البلدين. وقبيل اجتماع فيينا في الحادي والعشرين من الشهر الماضي، اعتبرت إيران أن باريس «غير مؤهلة» لحضور الاجتماع «مع ممثلي الوكالة وروسيا والولايات المتحدة الأميركية وإيران» والذي عقد بحثا عن اتفاق لإخراج 1200 كلغم من اليورانيوم ضعيف التخصيب إلى روسيا لمعالجته هناك «ثم في فرنسا» وتحويله إلى قضبان تستخدم في المفاعل النووي في طهران لإنتاج النظائر الطبية. وتأخذ طهران على باريس أنها لا تفي بالتزاماتها النووية إزاء طهران التي تملك حصة في شركة «أريفا» النووية الفرنسية، كما أنها «تؤلب» الوكالة الدولية للطاقة النووية والدول المعنية بالملف الإيراني لالتزام مواقف أكثر تشددا من طهران.

وحقيقة الأمر أن باريس التي كانت الوحيدة التي أكدت على أعلى المستويات أن البرنامج الإيراني «ذو أهداف عسكرية» تعتبر أن طهران «لا تريد حلا بل تريد كسب الوقت». وترى المصادر الفرنسية أن طهران «تمتلك القدرة والمعرفة» لتخصيب اليورانيوم بدرجات أعلى «بنسب تزيد على التسعين بالمائة»، ما يمكنها من استخدامه لأغراض عسكرية. وكانت باريس «مع واشنطن ولندن» أحد الأطراف الثلاثة التي كانت على علم بوجود محطة نووية سرية بالقرب من قم، وهي تتبادل المعلومات الاستخبارية مع عدة جهات بينها إسرائيل. وقبل أسابيع قليلة جاء إلى فرنسا رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غابي أشكينازي، حيث التقى في منطقة النورماندي رئيس الأركان الأميركي الجنرال مايك مولين، وفي باريس نظيره الفرنسي جان لوي جورجولان. ومن بين المواضيع التي بحثت، وفق وزارة الدفاع الفرنسية، الملف النووي الإيراني.

إزاء مجمل هذه التداخلات، ليس من المستبعد أن تدفع الإدانة الفرنسية الرسمية لما جرى في طهران أمس إلى مزيد من التصعيد في العلاقات «الحامية» بين البلدين التي تتغذى من انعدام الثقة ومن المآخذ المتبادلة لكل طرف على الآخر.