جدل سياسي في الخرطوم بعد قرار تسريح 2500 من العاملين بمشروع الجزيرة الزراعي

المنتقدون يعتبرون القرار مؤامرة.. والمدافعون يؤكدون أن التسريح يمهد لإعادة هيكلة

TT

استقبلت الخرطوم قرار تسريح أكثر من 2500 عامل الذي أعلنته إدارة مشروع الجزيرة، أكبر مشروع زراعي في أفريقيا، بردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض للقرار، ففيما اعتبره البعض بداية لـ«مسيرة إصلاح المشروع»، قال آخرون إن القرار جزء من مخطط «إجرامي» يستهدف مشروع الجزيرة والعاملين فيه.

وقال عثمان عمر، النائب البرلماني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة محمد عثمان الميرغني، لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار تصفية العاملين في مشروع الجزيرة بمثابة «رصاصة الرحمة» التي أطلقت على المشروع، واعتبر أن القرار جزء من مخطط إجرامي بدأ منذ سنوات يستهدف البنيات التحتية للمشروع، من بحوث زراعية إلى هندسة زراعية إلى سكك حديدية، والآن وصل المخطط لمرحلة تسريح العاملين في المشروع.. وقال «لم يعد هناك مشروع جزيرة».

وتبلغ مساحة مشروع الجزيرة نحو 2. 2 مليون فدان، ويروى بالري الانسيابي عبر أقنية تمتد من سد سنار على نهر النيل وسط البلاد، وينظر إليه منذ تأسيسه على أنه أكبر مشروع زراعي في أفريقيا من حيث المساحة وتنوع المحاصيل الزراعية فيه.

وقال عمر، وهو من السياسيين البارزين في مدينة ود مدني، ثاني أكبر مدينة في السودان، وتقع في قلب مشروع الجزيرة، إنهم في المعارضة ظلوا يتابعون منذ عشرة أعوام ما أسماه استهداف المشروع من قبل الحكومة، وقال إن الاستهداف بدأ منذ أن صدر تقرير شهير للجنة حكومية آنذاك كلفت بدراسة مشروع الجزيرة عرف بـ«تقرير تاج السر»، وأضاف أن الحكومة ظلت منذ ذلك الوقت تظهر مشروع الجزيرة على أنه مشروع عاجز «وتبتدع له المشكلات من موسم إلى آخر، مثل إثارة موضوع الملاك، ورفع سعر الأرض بصورة خيالية، ومضت الأمور إلى أن جاءت اليوم مرحلة التخلص من العاملين في المشروع، لتصدر الحكومة بالقرار شهادة الوفاة لمشروع الجزيرة».

وحسب عمر فإن من يدفع ثمن ما يحدث في مشروع الجزيرة هو المواطن، وقال «سيكون هو المتضرر الوحيد من نهاية المشروع»، وحول مصير المشروع قال: «لا أحد يعرف ما هو مصير المشروع»، وأضاف: «هناك حديث بأنه سيباع إلى أربع شركات، ولكن لا ندري ما هي حقيقة أمر بيع أكبر مشروع جاهز للري الانسيابي، كما لا يعرف مصير المزارع». وقال «الصورة قاتمة».

وأبرز محاصيل مشروع الجزيرة هو القطن، حيث يحتل أغلب المساحات، بجانب القمح والذرة ومحاصيل أخرى نقدية وغذائية، ويرصد في الأعوام الأخيرة حدوث تدهور في إنتاجية بعض المحاصيل في المشروع خاصة القطن من 500 ألف فدان إلى 30 ألف فدان، وفي البنيات التحتية للمشروع مثل القنوات الرئيسية والفرعية، وخطوط السكك الحديدية الداخلية، كما تمت خصخصة بعض إداراتها الفنية.

ووصف الدكتور عبد الحليم المتعافي، وزير الزراعة والغابات، الخطوة بالجيدة، وأنها بداية لمرحلة جديدة في تاريخ المشروع. وقال إن المرحلة المقبلة ستكون علمية وحديثة وفق الوصف الوظيفي بمنهج مختلف، وأضاف «واهم من يقول إن الدولة ستهمل المشروع». وقال إن العطش الذي حدث في العروة الصيفية ناتج من أسباب أجملها في عدم تطهير القنوات وقلة الأمطار وزيادة المساحات المزروعة بالذرة، قائلا: «إن الدولة تتحمل السبب الأول، وأشار إلى الفراغ الإداري الذي حدث، وتعهد بإحكام الإدارة وضبط عمليات الري والإسهام في تطوير العمليات الإرشادية، وإدخال محاصيل جديدة وبذور محسنة». وقال «إننا فشلنا خلال 80 سنة من عمر المشروع في تحقيق إنتاجية تفوق 6 قنطارات في الفدان».

وفي سياق ردود الفعل حيال القرار، قال عمر علي المدير السابق لمشروع الجزيرة، إن القرار يمثل تطبيقا لقانون المشروع الذي سن في عام 2005، ولكنه قال «لا بد من وضع هيكل واضح ومدروس قبل تطبيق القرار»، وأضاف «عرفنا أن هناك هيكلا جديدا للمشروع، وأن الناس غير راضين به.. ولكن لا بد من هيكل واضح»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الخطوة بالنسبة له ليست نهاية مطاف مشروع الجزيرة، ومضى «لا بد من هيكل جديد يستوعب الناس».

فيما وصف عباس الترابي، رئيس اتحاد مزارعي مشروع الجزيرة والمناقل، الخطوة بأنها بداية لمسيرة إصلاح المشروع، وقال إن القرار صدر بعد دراسة مستفيضة لكل أبعاده، ويجيء في إطار خطة الإصلاح المؤسسي للمشروع، وحسب الترابي فإنه في حال اكتمال حلقات تطبيق إصلاح مشروع الجزيرة فإنه سيكون هناك خير كبير لأهل السودان.

وكان تقرير صادر في يوليو (تموز) الماضي من لجنة خبراء زراعيين، أقر بوجود تدهور كبير في المشروع، وقال إن هذا التدهور ينبغي أن يسأل عنه القائمون على أمر المشروع «لا بد من المحاسبة الصارمة الأمينة لكل من فرط في أمانة التكليف وتسبب في انهيار كل بنياته الأساسية». وقال التقرير إن المشروع يعيش ما تعارف عليه اليوم بـ«الصوملة»، أي التفكيك، وأضاف أنه فقد تماما البوصلة في كل نواحيه الزراعية والإدارية والفنية. وأوصى الدولة «بإعادة النظر فيما يجري واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإصلاح الحال فبل فوات الأوان، وإصلاح ما تم تخريبه وهدمه حتى يعود المشروع لسيرته الأولى كأحد أعمدة الاقتصاد والتنمية».