ترجمة إلكترونية.. بلمسة إنسانية

تفاعل الجمهور والكومبيوتر يمنح النصوص المترجمة مرونة اللغة الحقيقية

ديفيد لوبنسكي (يسار) مع سالم رقص («نيويورك تايمز»)
TT

ما مدى صعوبة تعلم اللغة الصينية ـ كما تقول النكتة؟ (الجواب: الأطفال في عمر السادسة يتحادثون بها دوما). حقا، فقد أصبح تعلم اللغات من المهارات التي يستطيع الكبار بل حتى الأطفال الصغار إجادتها في وقت قصير للغاية. وأصبح الأمر سهلا إلى الدرجة التي يمكن أن تدفع الكومبيوترات شديدة التطور إلى أن تغار منهم.

وحاليا، يعمل فريق من 100 موظف في شركة «آي بي إم»، يضم علماء رياضيات ومبرمجين، على تطوير أداة ترجمة أوتوماتيكية يطلق عليها «الترجمة الآلية» تتسم بالسرعة والدقة الكافيتين لنقل الرسائل الفورية بين المتحدثين بلغات مختلفة.

ومن المقرر أن يدرب المشروع الذي أطلق عليه «إن فلوينت» n.Fluent على إدخال المصطلحات، التي كانت مقصورة على العاملين بشركة «آي بي إم»، إلى الكومبيوتر، بل والأهم من ذلك أنه سوف يسمح للكومبيوتر بأن يتعلم من الأخطاء التي يرتكبها. وبالتالي تعمل الشركة حاليا على استخلاص وتنظيم ما توصل إليه فريق عمل «آي بي إم» الذي يبلغ عدده 400 ألف شخص والمنتشر في 170 دولة، لإضافة اللمسة الإنسانية على ذلك المشروع. وعلى مدار أسبوعين خلال الشهر الماضي، أعلنت الشركة عن مسابقة عالمية لموظفيها في جميع أنحاء العالم، استخدمت خلالها نظاما يعتمد على النقاط لمنح مكافآت للفائزين على هيئة تبرعات خيرية. وقد قدم نحو ستة آلاف موظف في «آي بي إم» تعديلات بإحدى عشرة لغة على أكثر من مليوني كلمة من النصوص التي ترجمها برنامج «إن فلوينت».

وهكذا، وعندما تترجم «الترجمة الآلية» عن الفرنسية («إم تي تي بي» MTTP هو زمن الـ30 دقيقة الذي يتناقص بانتظام منذ يناير (كانون الثاني) 2006)، فإن التعديلات البشرية التي يتم إدخالها على العبارة تقود إلى إنتاج تلك النسخة الإنجليزية المعدلة: «إم تي تي بي هو زمن التأخير الذي يصل إلى 30 دقيقة والذي يتناقص بانتظام منذ يناير (كانون الثاني) 2006».

يقول سالم رقص، الباحث بتقنيات اللغات بمعمل «جي تي واطسون» التابع لشركة «آي بي إم» بمرتفعات يوركتاون: «نعمل من خلال هذه البيانات المتوازية على تحديث النماذج. فإذا كنت تريد أن تتعلم التعبيرات المجازية، فعندما تقول إن أحدهم قد ذهب بلا رجعة، فإنك لا تريد أن تترجم ذلك حرفيا». وحتى الآن كانت «إن فلوينت» تستهدف موظفي «آي بي إم» فقط، ولكنها تعتزم إصدار منتج يمكن بيعه لغيرها من الشركات الأخرى.

وتمثل مثل تلك المساعي في شركة «آي بي إم» بالإضافة إلى أدوات الشبكات الاجتماعية التي تعمل خلف برامج الجدار الناري للشركة خطوة جديدة في مجال crowdsourcing أو «إسناد الأعمال إلى الجمهور»، وهو المصطلح الذي يستخدمه العاملون بشركة «آي بي إم» لوصفها.

وبالإضافة إلى مشروع «إن فلوينت»، فإن شركة «آي بي إم» لديها نسختها الخاصة من ويكيبيديا (بلوبيديا) بمشاركة نحو 1300 موظف.

ووفقا لإرين غريف من مركز البرمجة الاجتماعية التابع لـ«آي بي إم» في كمبريدج بولاية ماساشوستس، فإن أحدث الابتكارات المتعلقة بالشبكات الاجتماعية بالشركة هو برنامج «دوغير» الذي يشبه إلى حد كبير برنامج «ديليشيوس» الذي يسمح للموظفين بمشاركة الروابط وإضافة التعليقات على شبكة الإنترنت، بالإضافة إلى الشبكة الداخلية الخاصة بالعاملين في «آي بي إم». ويعد المشروع في حد ذاته تجربة فريدة، وتضيف أيرين أن المبرمجين يعملون باستمرار على تطوير تلك الأدوات. وقد أسفرت جهود التطوير تلك عن إصدار دوغير، وهو نظام من البيانات المرسلة والتعريفات التي أسهم نحو 10% من المستخدمين في وضعها. وقد أصبح أكثر شعبية من محرك البحث الداخلي الخاص بشركة «آي بي إم»، فتقول السيدة أيرين: «إن عددا محدودا من الجمهور، أو الجمهور المتطوع، هو شيء مفيد في معظم الحالات».

ويبرز ذلك الفارق بين ما يحدث في «آي بي إم» وغيرها من الشركات الكبرى، بالإضافة إلى ما يشكل في العادة «إسناد الأعمال إلى الجمهور». ولا يمثل العاملون بـ«آي بي إم» أي نوع من الجمهور، فلديهم الخبرة والولاء لشركتهم التي ربما لا يحظى بهما أي من الحشود التي تتجادل على شبكة الإنترنت. وفي الحقيقة، فإن «إسناد الأعمال إلى الجمهور» ربما لا يكون الوصف الملائم لتلك المشروعات التي يتم إنتاجها داخل الشركات. فربما يكون مصطلح «إسناد الأعمال إلى الموظفين» هو الأفضل؟ أو ربما يكون مصطلح «التعاون» العام هو أفضل الطرق للتفكير فيما يمكن أن تجلبه تكنولوجيا الشبكات الاجتماعية إلى مقار العمل. وفي النهاية، فإن التعاون هو الهدف القديم للعلاقة بين الموظفين والشركة.

وبالنسبة لمشروع «إن فلوينت»، لا يحاول المبرمجون أن يجعلوا الكومبيوتر يجيد «قواعد» اللغة، بل إنهم يبحثون عن الأنماط الإحصائية بين نمطين من النصوص المترجمة وبين الكلمات نفسها. فعلى سبيل المثال، يقول السيد روكوس إن نص المناقشات البرلمانية الكندية بالفرنسية والإنجليزية ربما يساعد المبرمجين على «بناء نماذج إحصائية اعتمادا على القوانين المتوازية».

يذكر أن مرونة اللغة وكونها غير متوقعة هما العاملان الأساسيان اللذان يجعلان الترجمة تقاوم الحلول الكومبيوترية البسيطة؛ مما يعني أنه بالنسبة للمستقبل القريب، فسوف يحتاج خبراء الترجمة إلى أن يصبحوا خبراء في التعاون كذلك. فيقول ديفيد لوبنسكي: «من أحد الأسباب التي تجعلنا لدينا تنفيذيون كبار هو أن الأمر يشبه الدراسات التي تجريها أكاديمية المال والأعمال بهارفارد حول كيفية مساهمة الجماهير في تطوير المنتجات. فيجب أن نكون قادرين على محاكاة ذلك في مجالات مختلفة». فعلى سبيل المثال، جاءت كل مكافآت المساهمات في البداية على شكل تبرعات إلى واحدة من سبع مؤسسات خيرية عالمية، وعلى مدار الوقت، كان الفريق يسمع أن بعض المساهمين «ربما يريدون الحصول على شيء صغير طريف»؛ حيث أصبح للهدايا الصغيرة معجبوها كذلك. وهو أمر ربما يخبرك به أي طفل في السادسة من عمره.

*خدمة «نيويورك تايمز»