مجلس الشيوخ الفرنسي ينظم ندوة لتوثيق العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج

مسؤول رفيع: دعوة لتغيير أسلوب التعامل وقيام شراكات حقيقية

TT

«دول مجلس التعاون والعراق وإيران واليمن: التحديات والفرص» عنوان الندوة التي نظمها واستضافها أمس مجلس الشيوخ الفرنسي بالتعاون مع (UBIFRANCE)، وهي الهيئة المكلفة بالترويج للتجارة الخارجية وللاستثمارات الفرنسية عبر العالم.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تنظم فيها الهيئة المذكورة ندوات عن بلدان خليجية أو شرق أوسطية. لكنها، هذه المرة، سعت إلى مقاربة شاملة للمنطقة تحت اسم الشرق الأوسط. غير أن الأساسي من المداخلات والمناقشات دار على الدول الخليجية وعلى ما وصلت إليه على درب تجاوز الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وانعكاساتها المحلية.

ولإعطاء طابع رسمي للقاء، ألقيت كلمة تشجيعية من رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، وقدم عضو مجلس الشيوخ ورئيس مجموعة الصداقة (الفرنسية ــ السعودية ــ الخليجية) فيليب ماريني الذي أعد بناء على طلب من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تقريرا عن العلاقات الفرنسية ــ الشرق أوسطية وأساليب تشجيع الشراكة الاقتصادية والتجارية معها، مداخلة شدد فيها على الفرص الاقتصادية والاستثمارية المتاحة أمام الشركات الفرنسية في المنطقة، وعلى إمكانيات التعاون مع الصناديق السيادية الخليجية، وإفساح المجال أمام الصناعة المالية الإسلامية للعمل في فرنسا، فضلا عن إقامة شراكات صناعية استراتيجية في كل الميادين بما في ذلك في قطاع النووي السلمي. وما يشجع على السير في هذا النهج، وفق ما قاله سيريل فورجيه، رئيس دائرة الشرق الأوسط في وزارة الاقتصاد، أن رئيس الجمهورية والحكومة الفرنسية يعملان بقوة على تشجيع هذه العلاقات وإقامة الشراكات. والدليل على ذلك الزيارات المتتالية التي قام بها ساركوزي لكل دول المنطقة و«العناية» الخاصة التي تحتلها لدى وزيرتي الاقتصاد والتجارة الخارجية.

غير أن الفكرة ــ الأساس وراء عقد الندوة، التي لم تحظ بالإقبال الذي تستحقه من رجال الأعمال والشركات الفرنسية رغم اتساع المدى الجغرافي الذي تعالجه (9 بلدان)، تقوم على اعتبار أن دول المنطقة نجحت أكثر من غيرها في التغلب على الصعوبات المالية والاقتصادية التي ترتبت على الأزمة العالمية بفضل قدراتها المالية وتدخل الحكومات لحقن كميات كبيرة من الأموال في مشاريع استثمارية أساسية. وقدمت إحصائيات وأرقام تفيد بأن معدل نسبة النمو لبلدان مجلس التعاون زاد على 8 في المائة العام الماضي. وإن كان سيشهد انخفاضا حادا العام الحالي قياسا بالذي سبقه (2.47 في المائة)، إلا أنه سيعود إلى الارتفاع العام القادم 4.43 في المائة. تضاف إلى ذلك المحفزات التقليدية، ومنها أهمية السوق الشرق أوسطية (170 مليون شخص) وناتجها الداخلي الخام 1600 مليار دولار، وقدراتها الاستيرادية 300 مليون دولار في العام. وخلال العام الماضي زادت مبادلات فرنسا معها بنسبة 10 في المائة، فيما تبلغ الاستثمارات الفرنسية المباشرة 7.3 مليار دولار.

وقالت جيزل هيفير ميسيكا، إحدى مسؤولات هيئة UBIFRANCE والتي أشرفت على التحضير للندوة، إن الدول الخليجية «أظهرت قدرة على تفادي الكساد الاقتصادي». لكن ثمة تحديين رئيسيين يواجهانها: تنويع اقتصاد لتخفيف الاعتماد على النفط والسير بالإصلاحات الاقتصادية والتشريعية لتحفيز الاستثمار الخارجي. واتخذ بيار مورلفا، رئيس قسم الشرق الأوسط الاقتصادي ورئيس المكتب الإقليمي للهيئة الفرنسية للاستثمارات الدولية، من دولة الإمارات نموذجا على الخروج من الأزمة بالتركيز على أولويتين: الأولى ضخ أموال حكومية في مشاريع استثمارية تستهدف التنويع الاقتصادي، لإقامة صناعات عالية التكنولوجية وذات قيمة مضافة مرتفعة.. والثانية توفير البنى القادرة على تسهيل هذا الإنتاج وإيصاله إلى الأسواق، مثل إنتاج الطاقة الكهربائية وتطوير وسائل النقل. لكن نقطة الاستفهام بالنسبة إليه تبقى إمارة دبي التي يواجهها تحديان: خفض وزن القطاع العقاري في ناتجها الداخلي الخام وهو الذي يصل إلى 50 في المائة حاليا.. والثاني توفير الأموال لدفع مستحقات ديونها. ويرى مورلفا أن «الصعوبة» التي تواجهها دبي رغم دعم إمارة أبوظبي تتمثل في أنها تمول مشاريع بعيدة الأمد بديون قصيرة الأمد. وبحسب المسؤول الاقتصادي الفرنسي فإنه يتعين على دبي أن تسدد ديونا تتراوح ما بين 10 و20 مليار دولار في العام حتى عام 2014. ونبه مورلفا بأن عجز دبي عن التسديد من شأنه «إخافة» الأسواق المالية.

من جانبه، أشار سيريل فورجيه إلى أن الحكومة الفرنسية تعتبر منطقة الشرق الأوسط «أولوية»، مثل الهند أو الصين أو البرازيل، مشددا على حرص الحكومة على دعم الشركات الفرنسية على تكثيف وتعميق حضورها في المنطقة عبر مواكبة لبلدان المنطقة في رغبتها تنويع اقتصادياتها، خصوصا القطاع الصناعي والاستثمار في ما يسمى «اقتصادات المستقبل» من التكنولوجيا المتقدمة وتقنيات المعلومات، وتشجيع حضور الشركات الصغرى والمتوسطة الفرنسية.

وهذه النقطة بالذات شدد عليها جيل كيبيل، وهو أستاذ جامعي خبير في الشؤون العربية والإسلامية، إذ دعا عالم المال والشركات والأعمال إلى التعاطي مع منطقة الخليج بمقاربة جديدة، إذ إن الخليج «لم يعد يريد أن يتم التعاطي معه على أنه محطة تزود بالنفط أو صندوق سحب أموال». ونبه الشركات الفرنسية إلى ضرورة أن يأتي حضورها في إطار المشاريع التنموية والتطويرية للبلدان الخليجية، داعيا إلى إقامة شراكة مثلثة الأضلع بين الاتحاد الأوروبي والخليج وشمال أفريقيا وبلدان الشرق الأدنى في إطار تنافس عالم متعدد الأقطاب. وبحسب كيبيل، فإن أوروبا تملك التكنولوجيا والمهارات والرغبة في الشراكة، والخليج يملك المقومات والقدرات التمويلية، وشمال أفريقيا وبلدان الشرق الأدنى (لبنان، مصر، فلسطين، سورية) تملك العنصر الإنساني المتعلم والقادر.