هيلاري وبيل كلينتون يسعيان بصعوبة لإبعاد الصدام عن عالميهما

تركيزهما «غير المقصود» على القضايا العالمية نفسها يكلفهما الكثير من الانتقاد

أوباما يتحدث إلى بيل كلينتون فيما تبدو هيلاري خلفهما خلال جنازة السناتور إدوارد كينيدي في 29 أغسطس (آب) الماضي (رويترز)
TT

منذ توليها منصب وزيرة الخارجية، بذلت هيلاري كلينتون جهودا كبيرة لضمان الحيلولة دون إثارة أي انطباع بسقوطها تحت وطأة نفوذ زوجها. وعليه، نادرا ما زار بيل كلينتون، مقر وزارة الخارجية، ولم يرافق زوجته قط في زياراتها الرسمية إلى دول أجنبية. ومع وجود مقر إقامة الرئيس الأسبق في نيويورك، وتركز إقامة زوجته في واشنطن، فإنهما يعيشان منفصلين معظم الوقت. في أغسطس (آب) الماضي عندما سألها طالب من الكونغو، حول وجهات نظر زوجها، أجابت هيلاري بحدة مؤكدة أنه (زوجها) «ليس وزير الخارجية»، وأنها لن تعمل «كقناة لنقل آراء زوجي». بيد أن القصة الحقيقية وراء علاقتهما معقدة، نظرا لأنه بعد مرور 10 أشهر على توليها حقيبة الخارجية، بدا واضحا أنه من المتعذر تجنب وقوع تداخل بين عالميهما ومصالحهما. فمن جانبها، وضعت هيلاري مشكلات مثل أيرلندا الشمالية وهاييتي والتنمية في العالم الثالث في مرتبة متقدمة في أجندتها داخل وزارة الخارجية. كما تشكل القضايا ذاتها جزءا من المهمة الخيرية التي أخذ الرئيس السابق على عاتقه الاضطلاع بها. وساعد بيل كلينتون سرا في دفع أجندة الإدارة الأميركية الحالية، وأجندة زوجته، المتعلقة بكوريا الشمالية خلال زيارة قام بها للبلاد وصفت رسميا بأنها مهمة إنسانية. بالنسبة لمجموعة منتقاة من القضايا، يمكن أن تشكل طاقة كل من بيل وهيلاري مجتمعة قوة كبيرة. فمثلا، بعد أيام على تعيين هيلاري كلينتون، ديكلان كيلي مبعوثا اقتصاديا لأيرلندا الشمالية، لجأت إلى زوجها لطلب العون. ووافق كلينتون على تضمين جلسة حول أيرلندا الشمالية في إطار الحدث الخيري الضخم السنوي الذي ينظمه، والذي يتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي. عجت القاعة بالمئات من المسؤولين التنفيذيين في شركات تجارية للاستماع إلى المقترحات الاستثمارية التي يطرحها كلينتون وكيلي. وأكد كيلي أن الحشد «جاء بمثابة مساعدة كبيرة لي في دوري». وبعد الجلسة، اصطف عشرات المسؤولين التنفيذيين للحديث إلى كيلي، طبقا لما أفاده أحد المسؤولين ممن شاركوا في الحدث. من ناحية أخرى، رفض كل من بيل وهيلاري كلينتون طلبات تقدمنا بها لعقد مقابلات معهما، لكن مساعديهما شددوا على أن هيلاري كلينتون تضطلع بتنفيذ السياسة الخارجية لإدارة أوباما وأن الأولويات المشتركة بينهما لا تعدو أن تكون مصادفة. ومع ذلك، يساور القلق بعض المشرعين من التعارض المحتمل للمصالح بين الزوجين. يذكر أن المؤسسة الخيرية التي يديرها بيل كلينتون تلقت تبرعات ضخمة في السنوات الأخيرة من حكومات أجنبية مثل الحكومة السعودية، إلى جانب عدد من كبار رجال الأعمال الهنود وأنصار بارزين لإسرائيل، يمثلون ما أطلق عليه السناتور الجمهوري ديفيد فيتر «حقل ألغام لتعارض المصالح بقيمة عدة ملايين من الدولارات». واستجابة لذلك، وافق الرئيس الأسبق على الكشف عن قائمة المتبرعين لصالح المؤسسة والسماح لمسؤولين بمراجعة بعض الإسهامات الأجنبية. ومن المقرر صدور أول كشف علني سنوي عن التبرعات للمؤسسة منذ تولي هيلاري كلينتون وزارة الخارجية في غضون أسابيع. من ناحيته، قال آندي فيشر، المتحدث الرسمي باسم السناتور ريتشارد جي. لوغار عن الحزب الجمهوري وعضو لجنة العلاقات الخارجية: «إنهما بحاجة إلى التزام حذر شديد. إنها منطقة بالغة الخطورة. ومن المأمول أن تكون هذه الأمور مأخوذة في الاعتبار فيما يخص جمع الأموال من قبل مؤسسة كلينتون». في الوقت الذي يتميز فيه بيل وهيلاري بحياتين مهنيتين منفصلتين، فإنهما يتعاملان مع المجموعة ذاتها من القضايا والقادة. ومعروف أن «مؤسسة ويليام جيه. كلينتون» تعمل في أكثر من 40 دولة فيما يتعلق بقضايا تخص الصحة والتغيرات المناخية والتنمية الاقتصادية، وغالبا ما تتعاون مع حكومات أجنبية. وقد اجتذب المؤتمر السنوي للمؤسسة الخيرية 33 رئيسا ورئيس وزراء، من دول مختلفة مثل كولومبيا وكينيا وتركيا. ونظرا لاهتمامها بالمخاوف المتعلقة بصدام المصالح، وحرصها على أن يجري الحكم عليها بناء على قدراتها وإنجازاتها، عمدت هيلاري كلينتون إلى التقليل من أهمية نفوذ زوجها. وعندما حوصرت بتساؤلات حول ما إذا كانت ناقشت مع زوجها قضية كوريا الشمالية وزعيمها كيم يونغ إيل أو أي قضايا أخرى، أجابت هيلاري في حديث أجرته معها محاورة تايلاندية: «نفعل ذلك في بعض الأحيان، لأنني أقدر حقا النصائح. لكنه منشغل للغاية بنشاطاته الخيرية في الوقت الحاضر بدرجة لا تسمح بوجود أي همزة وصل حقيقية بين ما يفعله ومسؤولياتي الرسمية». ويقول أصدقاء إن هيلاري وبيل يتحدثان ويتبادلان رسائل البريد الإلكتروني باستمرار وأبْديا دوما اهتماما عميقا بآراء الآخر. وقال دوغ هاتاوي، المتحدث باسم الحملة الرئاسية الانتخابية لهيلاري كلينتون: «هناك كثير من التداخل بين مصالحهما وعملهما الآن، الأمر الذي قد يشكل امتدادا لعملهما معا بشأن القضايا ذاتها عندما كانا في البيت الأبيض». وينطبق هذا القول بالفعل على أيرلندا الشمالية، حيث ساعد بيل كلينتون في الوساطة للتوصل إلى اتفاق سلام عام 1998. وللزوجين اهتمام بعيد الأمد بهاييتي، حيث زارا هذه البلد التي تعاني فقرا مدقعا، في بداية زواجهما عام 1975، وتعمق اهتمامهما بها مع التدخل العسكري الأميركي فيها الذي أمر به بيل كلينتون عام 1994 من أجل الإطاحة بالعصبة العسكرية الحاكمة. يذكر أن هيلاري كلينتون أولت مسؤولية ملف هاييتي إلى فريق العاملين المعاونين لها وتناولت قضية هاييتي خلال مؤتمر الجهات الدولية المانحة ـ حيث تحدث خلاله زوجها ـ في أبريل (نيسان). ودعمت مؤسسة كلينتون مشروعات تنموية في هاييتي، وعملت على إدارة مساعدات تتجاوز 100 مليون دولار من جهات أخرى موجهة إلى هاييتي. وعندما جرى اختيار بيل كلينتون مبعوثا للأمم المتحدة هناك في يونيو (حزيران)، وافق على عدم ممارسة ضغط على وزارة الخارجية من أجل تقديم أموال إلى هاييتي. وقال: «لكن نظرا لأن وزيرة الخارجية تزور هاييتي منذ فترة طويلة مثلما كان الحال معي، أفترض أنه لا حاجة لأن أتحدث كثيرا في هذا الشأن». من ناحيته، قال سفير هاييتي لدى واشنطن، ريموند ألسايد جوزيف: «أعتقد أن هاييتي محظوظة للغاية في هذه الفترة لوجود هذين الزوجين الرائعين في مناصب متنوعة تصب في مصلحة البلاد وتعنى بشؤونها وتساعدها». من ناحية أخرى، أوضح أصدقاء للزوجين أن بيل كلينتون يحرص على تجنب قول أو فعل أي شيء من شأنه إثارة مشكلات لزوجته وأنه تنازل بالفعل عن بعض فرص إلقاء خطب لهذا السبب. وقال أحدهم، رفض ذكر اسمه: «حتى الآن، نجح هذا النهج نظرا للحرص الشديد الذي توخاه».

يشار إلى أن بيل كلينتون توخى حذرا بالغا إزاء المهمة الدبلوماسية الوحيدة التي اضطلع بها لصالح الإدارة، وهي تأمين إطلاق سراح صحافيتين أميركيتين كانتا محتجزتين لدى كوريا الشمالية، حيث عمد إلى تصوير زيارته لكوريا الشمالية لهذا الغرض في أغسطس (آب) باعتبارها مهمة إنسانية، تمت بناء على طلب من الزعيم الكوري الشمالي. لكن بعيدا عن الدعايات، عمد بيل كلينتون إلى تعزيز الجهود الدبلوماسية التي تبذلها زوجته، طبقا لما أكده جون دي. بوديستا، رئيس «مركز التقدم الأميركي»، الذي رافق كلينتون في رحلته.

*خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط».