وزير الداخلية يدعو إلى تضافر كل الجهود لحل أزمة السير ووزير الأشغال يتهم ضباطا في قوى الأمن بمخالفة القوانين

الأمطار الغزيرة كشفت حالة شبكة الطرق في لبنان

TT

حمل وزير الداخلية اللبناني زياد بارود شؤون «أزمة السير» وشجونها، ولم يسترح خلال «الويك إند»، فقام أمس بجولة تفقدية على الطرق برفقة فريق من قوى الأمن الداخلي واستفسر من السائقين عن المشكلات التي يواجهونها. وعندما بادرت إحدى السائقات إلى الإشادة بجهوده، شكرها وطلب إليها وضع حزام الأمان. كما أشار إلى أنه طلب تأجيل الأشغال غير الضرورية في فترة الأعياد الحالية، حتى لا تؤدي إلى مزيد من الازدحام.

بارود، الذي يطيب للبعض أن يلقبه بـ«وزير السير»، جعل من هذه الأزمة عنوانا كبيرا لعمله، لا سيما بعد أن احتُجز في سيارته لفترات طويلة، ما اضطره قبل أسبوع إلى أن ينزل إلى الشارع ليعمل على فتح الطريق في وسط بيروت.

ويعتبر بارود أن أزمة السير «تقض مضاجع اللبنانيين. كما أن مئات آلاف السيارات تدخل إلى العاصمة وتخرج منها كل يوم»، ويضيف أنه لا يستطيع «القيام بمعجزات لحل هذه الأزمة التي تتطلب تضافر جهود كثيرة». وكان أعلن أن «الوزارة بدأت بتعزيز مفارز السير ورفعت العدد من 500 عنصر إلى 1757 عنصرا، وسيلاحظ الناس النتائج قريبا، خصوصا في بيروت الكبرى وجبل لبنان».

ولعل الأمطار الغزيرة التي هطلت اليومين الماضيين تعطي الدليل الواضح على حال الطرق والسير في لبنان، ما يجعل أي خطة من دون جدوى إذا لم تتم معالجة وضع الطرق وأنظمة السير بشكل جذري. وزير الأشغال غازي العريضي، الذي يشارك بارود همّ السير لأن الطرق من ضمن صلاحيات وزارته، طالب بخطة متكاملة وبدور فاعل للأجهزة الأمنية المختصة حتى يصار إلى حل هذه الأزمة. وهو يعتبر أن «البلد فالت، فلا مراقبة ولا متابعة حتى بعد الاجتماع حصل الاجتماع، واتخذنا سلسلة من القرارات الميدانية على الأرض التي يجب أن تنفذ من قبل المسؤولين الأمنيين». ويشير إلى أن «ضباطا في الأمن الداخلي يخالفون قانون السير، ويتهاونون في مراقبة الحمولة على الطرق، والسرعة، وتجاوز إشارات المرور حيث توجد إشارات مرور». وطالب بـ«اتخاذ الإجراءات الرادعة القاسية ضد أي إنسان في لبنان مهما علا شأنه، ومهما كان انتماؤه السياسي».

والمعروف أن العوامل الطبيعية أو الطارئة تترجم على الطرق اللبنانية، لتزدحم ويصبح عبور السيارات عليها مهمة مستحيلة. وتأتي الأشغال العامة على رأس قائمة هذه الأسباب، فغالبية هذه الأشغال تبدأ ولا تنتهي، ولا يتم التنسيق بين ملتزمي الأعمال ما يسبب قطعا للطرق وإحداث حفر في غالبيتها. ويدفع العابرون ثمن هذه الأشغال من أعصابهم فيتسمرون في أماكنهم لفترات طويلة وتتعرض سياراتهم إلى الأعطال. أما السبب الثاني الذي يؤدي إلى ازدحام السير، فيرتبط ارتباطا مباشرا بالطبيعة، وتحديدا بموسم الأمطار، التي تفاجئ اللبنانيين كل عام من دون أن تتمكن الجهات المختصة من تلافي الأمر قبل وقوعه وتنظيف العبارات والمجاري، لتغرق الطرق في البحيرات والسيول الجارفة التي تصل غالبا إلى المتاجر والطبقات الأرضية للأبنية. ولا تخرج عن السياق فترات ما قبل الأعياد، ليصبح جحيما عبور السيارة من شارع إلى آخر، وتحديدا في المناطق المتاخمة للأسواق التجارية التي تشمل تقريبا العاصمة بكل مفارقها.

لكن السبب الفعلي لهذه الأزمة أن طرق بيروت لا تتحمل عدد السيارات التي تجوبها يوميا، فقد تم تنظيمها منتصف الستينات لتستوعب نحو خمسين ألف سيارة. إلا أن عدد السيارات التي تعبرها حاليا يتجاوز مليونا، في حين أن العدد الإجمالي للسيارات في لبنان يقارب مليون ونصف المليون، نحو 350 ألف سيارة منها في حالة سيئة ولا مواصفات تخول لها البقاء على قيد العمل. وتفيد الإحصاءات أن ثلث سكان لبنان يملكون سيارات. ولا حاجة إلى الإحصاءات لمعرفة حجم «التضخم السيري»، ففي منزل مؤلف من أربعة أشخاص راشدين هناك ثلاث سيارات. وبالطبع لا تتوفر حظائر لهذا الكمّ من السيارات في الأبنية، ما يعني حكما أنها ستبقى على جوانب الطرق وتسهم في عرقلة السير.

كذلك يشكل السائقون سببا رئيسيا لأزمة السير، فغالبيتهم من جيل الشباب، وبالتالي فهم يعتبرون أن الطرق ملكهم ولا يتحملون شريكا مضاربا لهم وهم يقودون سياراتهم بسرعة جنونية، حتى داخل الأحياء الضيقة. وما يزيد الطين بلّة أن الحصول على رخصة القيادة من دون أن يكون الإلمام الكافي بقوانين السير ممكن في لبنان. يكفي أن يبلغ أحدهم الثامنة عشرة ويجيد الإمساك بالمقود ليتقدم إلى امتحان القيادة البدائي وغير الملائم لما طرأ على هذا المجال من تغييرات. وأحيانا يحصل على الرخصة من دون الخضوع للامتحان، ويعود ذلك إلى أن نسبة الرشوة في الدوائر المختصة بالموضوع هي الأعلى في لبنان ربما. مشكلة الدراجات النارية تدخل أيضا على خط الازدحام الخانق، وذلك رغم الجهود التي بُذلت وتبذل للحد منها، لأسباب أمنية بشكل أساسي، إلا أن سائقي هذه الدراجات لا يعترفون أصلا بقوانين السير، ولا محرمات عندهم، فهم لا يتورعون عن سلوك اتجاها معاكسا لوجهة السير أو عن محاصرة السيارات من اليمين واليسار والأمام والخلف، مما يُحدِث هستيريا متواصلة على الطرق. وللمارة أيضا إسهامهم في هذه الحالة المتردية، لا سيما في الأحياء، حيث يصبح الرصيف مكانا لركن السيارات ويصبح وسط الشارع مرتع المشاة الذين يتحدّون السيارة ويتبخترون أمامها.

الحافلات الكبيرة والمتوسطة وسيارات الأجرة التي تعمل دون تنظيم وبشكل عشوائي لها دورها في زحمة السير. وهذا القطاع يحتاج إلى إعادة تنظيم جذرية.

لكن العبرة تبقى في إعداد رجال شرطة السير ليتمكنوا فعلا من مواجهة الأوضاع الصعبة. فغالبية هؤلاء لم يخضعوا إلى دورات تأهيلية فاعلة. وإذا خضعوا فلا يحاولون الاستفادة من المعلومات التي يتلقونها.