هواية تخفي وراءها كثيرا من الجد

قبل أن تقدم على الاستقالة من وظيفتك عليك إمعان النظر في الجهد المطلوب

حققت فاسكويز مبيعات بقيمة 120.000 دولار العام الماضي عبر متجرها على «إتسي» المتخصص في المصنوعات الخزفية والخشبية المرتبطة بحفلات العرس والمناسبات الخاصة الأخرى (نيويورك تايمز)
TT

بالنسبة لبعض المتحمسين تجاه الصناعات اليدوية، لا يعدو ذلك كونه اسما لمنتدى شعبي على موقع «إتسي»، أسرع مواقع شبكة الإنترنت نموا، والذي يعمل بمثابة سوق للسلع يدوية الصنع والأخرى الكلاسيكية. لكن بالنسبة ليوكو غبران، كان الأمر بمثابة ميلاد جديد. كانت غبران، وهي في الثلاثينيات من عمرها، تبيع الأوشحة والإكسسوارات المصنوعة يدويا منذ أقل من عام عندما قررت، نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الاستقالة من عملها اليومي الثابت بأحد مراكز تصوير المستندات في أتلانتا. بعد 13 شهرا، بدا أنها تعيش في حلم «إتسي»، حيث أدارت وحدة نشاط تجاري مؤلفة منها بمفردها للحياكة، تدعى «يوكو»، من داخل منزلها، وتجاوزت عائداتها سنويا 140.000 دولار، مما يفوق دخل الكثير من المحامين. هل يثير ذلك غيرتك؟ وكيف لا، خاصة أن هوايتها أصبحت عملها ومصدر رزقها. لكن قبل أن تقدم على الاستقالة من وظيفتك عليك إمعان النظر فيما يلي: تبعا للوتيرة التي تعمل بها غبران، فإنها ربما لا تقل في المجهود الذي تبذله عن المحامين. في هذا الصدد، قالت غبران «أضطر للاستيقاظ في 8 صباحا، وأحصل على كوب من القهوة أو الشاي، ثم أشرع في الحياكة لساعات وساعات. أعيش كما لو كنت سيدة عجوزا، حيث أجلس على مقعد، وأشاهد أفلام هيتشكوك القديمة. وأعكف على ذلك لمدة 13 ساعة يوميا». وحتى بعد هذه الساعات الطويلة من العمل، تحرص غبران باستمرار على وضع تصميمات جديدة أو تبادل رسائل عبر البريد الإلكتروني مع قرابة 50 عميلا يوميا. يذكر أن غبران استغلت الشهرة التي حققتها لها مشاركتها بموقع «إتسي» لعقد صفقة مع متجر «أربان أوتفيترز». عن الموقع، قالت غبران «لقد أنقذ (إتسي) حياتي»، لكنها أردفت قائلة «هذه هي الوظيفة الأصعب التي عملت بها على الإطلاق». حاليا، لم تعد الرغبة في بناء حياة مهنية على موقع «إتسي» محض أحلام، فحتى قبل أن تمنى البلاد بحالة ركود، كان الموقع، الذي أنشئ في بروكلين عام 2005، يعكس ازدهارا بمجال الصناعات اليدوية. وعندما انهار سوق العمل والوظائف، كان الكثير من أصحاب هواية الحرف اليدوية يبيعون بالفعل قطعا من الحلي أو المصنوعات الزجاجية كنشاط هامشي، لكنهم باتوا فجأة في حاجة إلى مصدر حقيقي للدخل. رغم أن غالبية الأفراد قد يجابهون صعوبة في سداد المدفوعات المرتبطة بالرهن العقاري عبر بيع أغطية منسوجة للأكواب الخزفية سعر الواحدة منها 8 دولارات، فإن بعض كبار الباعة بموقع «إتسي» انتقلوا إلى ما هو أبعد من مرحلة جني عائدات زهيدة، ويبنون الآن مستقبلا مهنيا لهم على هذا الصعيد وفي بعض الحالات، يجنون عائدات بالملايين. إلا أنه حتى هذه النجاحات تقتضي من الجميع توخي الحذر، حيث يرى البعض أن بناء نشاط تجاري مربح على الموقع يستلزم العناصر التي يتطلبها نجاح أي نشاط تجاري، مثل بناء هوية مميزة للعلامة التجارية، الأمر الذي غالبا ما يعني التودد إلى المدونات المعنية بالتصميم ووسائل الإعلام. كما يتعين على صاحب النشاط التجاري إدارة عملية التوزيع، الأمر الذي قد يعني الوقوف في الصفوف المكتظة بمكاتب البريد، حاملا طفلا رضيعا على قدميك وحقيبة ممتلئة بـ30 صندوقا ينبغي شحنها. علاوة على ذلك، ومثلما الحال مع أي شركة تجارية ناشئة، ينبغي أن تحافظ على الروح المعنوية المثالية لفريق العمل، مما قد ينطوي على تحد كبير عندما تكون أنت بمفردك قوة العمل تلك، ويمتد يوم العمل الخاص بك من بداية برنامج «صباح الخير أميركا» إلى نهاية برنامج «آخر الليل مع جيمي فالون». في هذا السياق، أوضحت كارولين كولوم فاسكويز، من أوستن بتكساس «قد يعتقد الناس أن العمل من المنزل أمر بالغ السهولة والروعة. لكن لا أحد هنا يخبرك أن عليك أخذ قسط من الراحة أو الحصول على إجازة». يذكر أن فاسكويز حققت مبيعات بقيمة 120.000 دولار العام الماضي عبر متجرها على «إتسي» المتخصص في المصنوعات الخزفية والخشبية المرتبطة بحفلات العرس والمناسبات الخاصة الأخرى. هذا العام، تتوقع فاسكويز تحقيق مبيعات بقيمة 250.000 دولار، لكنها ستضطر إلى تقسيم هذه العائدات مع ثلاثة موظفين آخرين استعانت بهم للتو لأن فاسكويز، وهي أم لطفلة صغيرة، لم يعد بمقدورها تحمل الضغوط الشديدة عليها. عن ذلك قالت «بدنيا، لم أعد قادرة على العمل لمدة 24 ساعة. وقد اعتدت أنا وزوجي الاستيقاظ في الرابعة أو الخامسة صباحا قبل طفلتنا، والسهر حتى الساعة الواحدة أو الثانية ليلا، حيث نعكف على إعداد الصناديق وملصقات الشحن». مع تزايد المبيعات بقدوم موسم العطلات، قالت أنغي ديفيز، وهي مهندسة معمارية سابقة من مينيابوليس فقدت وظيفتها العام الماضي، إن مبيعات محلها على «إتسي»، «بيرد آند بيل» «وصلت بسهولة في غضون خمسة أيام إلى مستوى الراتب الشهري لمهندس معماري. إلا أنني أعمل 16 ساعة يوميا». يذكر أن «بيرد آند بيل» متخصص في بيع الحقائب المصنوعة يدويا وأغطية لأجهزة «آي بود» والحواسب الآلية المحمولة والهواتف النقالة. من أجل التعامل مع الإقبال الشديد في موسم العطلات، اضطرت ديفيز إلى صنع 112 غطاء خلال 48 ساعة فقط، مما تتطلب منها تحويل الغرفة العلوية بمنزلها إلى خط تجميع صغير، حيث عكفت على قص وحياكة الجلود والأنسجة القطنية والصوفية حتى الـ10 مساء. وقالت «من المثير للدهشة تخيل حجم الضغط الذي تعرضت له عضلاتي». ومن أجل إنجاز العمل، اضطرت ديفيز إلى الاستعانة بوالدتها المقيمة في أيوا. من غير المعروف تحديدا أعداد الأشخاص الذين تحولوا إلى «إتسي» كمصدر عمل دائم لهم، ذلك أن الموقع لا يتابع أعداد أعضائه الراغبين في كسب الرزق، ولا يفصح عن أرقام المبيعات بالنسبة للبائعين الأفراد، حسبما ذكرت ماريا توماس، الرئيسة التنفيذية للموقع. إلا أنه على مدار العام الماضي، زاد عدد الأعضاء المسجلين إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 3.75 مليون شخص، وتجتذب مدونة «كويت يور داي جوب» (استقل من عملك الصباحي) على «إتسي» مليوني مشاهد لصفحاتها شهريا. وأعرب العديد من أصحاب المتاجر ممن أجرينا لقاءات معهم من أجل هذا المقال، بمن فيهم مورغان بيترسون التي تتولى إدارة متجر «إليزا آند إكسل» على «إتسي»، عن اعتقادهم بأن تسريحهم من وظائفهم التقليدية كان بمثابة فرصة لبناء حياة مهنية أفضل على شبكة الإنترنت. بالنسبة لمورغان، فقدت وظيفتها كمساعدة مصمم بمتاجر «ديلاردز»، وقررت تصميم وبيع منتجات خاصة بها. وقالت «في مدارس الموضة، يعلموننا أن بمقدورنا صنع كل شيء، ويدفعوننا كي نتحلى بالإبداع. لكن بمجرد أن تحصل على وظيفة في شركة ما، لا يصبح بإمكانك سوى القيام بمهام محددة ويجب أن تكون مهام مربحة. أما مع «إتسي»، أطرح العديد من الطرز الخاصة بي التي أربح من ورائها كثيرا من المال». مثلما الحال مع «إيباي»، عادة ما تتميز تكلفة افتتاح متجر على «إتسي» بانخفاضها الشديد مقارنة بتكاليف افتتاح متجر في «مين ستريت»، حيث يفرض الموقع رسوما على الباعة تتمثل في 20 سنتا عن كل سلعة مسجلة و3.5 في المائة عن كل عملية بيع. كما يوفر «إتسي»، الذي يتمتع بقاعدة مستخدمين غالبيتها من النساء، شبكة دعم، تضم العديد من المدونات والمنتديات يجد الباعة بها الكثير من عبارات التشجيع. ومع ذلك، لا تعد مسألة الحصول على دخل مناسب عبر الموقع أمرا مضمونا. يذكر أنه بعدما تعرضت تارا شويرمان للتسريح من عملها كمساعدة بإحدى الكليات في ميلوكي، شرعت في تأسيس شركة خاصة بها تحمل اسم «كراكيد دزاينز» تعمل بمجال بيع بطاقات التهنئة ودعوات حفلات الزفاف على موقع «إتسي». بعد بداية بطيئة، قالت إن شعورا بالإثارة طغى عليها ببيعها أكثر من 50 بطاقة أسبوعيا، ويحدوها التفاؤل حيال الأرباح التي ستجنيها على المدى البعيد. لكنها أشارت إلى أنها تعمل حاليا أكثر من 40 ساعة أسبوعيا، ليس فقط بمجال التصميم وصنع المنتجات، وإنما كذلك العمل بدأب على الترويج لها عبر المدونات المعنية بالتصميم، مثل «بوبي توك» و«دزاين سبوندج»، بجانب المجلات (ظهرت بطاقاتها أخيرا في مجلة «هاوس بيوتيفل»). وأشارت إلى أنها حتى الآن تجني ما يتراوح بين 15.000 و20.000 دولار سنويا، ما يعادل قرابة 7.25 دولار للساعة وهو نفس الحد الأدنى للأجر في ويسكونسن. وقالت شويرمان، 26 عاما، التي تعتمد بصورة أساسية على دخل زوجها «على المرء التحلي بالواقعية عند تحديده أهدافه، وإدراك أنه ربما يعجز حتى عن جني أي أرباح خلال أول عامين». من ناحية أخرى، كانت مثل هذه التجارب محور مقال ذاع صيته بين أعضاء «إتسي» وظهر في يونيو (حزيران) الماضي على «دوبل إكس»، وهي مجلة ترفيهية تصدر على شبكة الإنترنت. عبر المقال، أشارت الصحافية ساره موسل (إحدى المتعاونين مع «نيويورك تايمز») إلى أن «إتسي» يستفيد من الطموحات غير الواقعية للكثير من السيدات. وأوضحت أن ما يبيعه الموقع فعليا ليس مصنوعات يدوية فحسب، وإنما «الحلم الأنثوي بإمكانية بناء أسرة وابتكار منتجات فنية من داخل المنزل عبر ساعات عمل مرنة ومعقولة، مع التمتع في الوقت ذاته بعمل محترم وواعد ومربح». إلا أن بعض تجارب من نجحوا عبر الموقع لا تتفق مع هذا الاعتقاد، مثل فاسكويز، حيث أوضحت أن هناك ضريبة نفسية غير ظاهرة للعيان يتكبدها المرء عندما تتجاوز أرباحه توقعاته المبدئية. فمع نمو نشاطها التجاري عبر الموقع، التهم المزيد من غرف منزلها، واقتطع جزءا من حياتها الأسرية. وأثناء تناول العشاء، يقتصر حديثها مع زوجها عن العمل. وقالت «شعرت بأنني أم وزوجة غير صالحة لانهماكي الشديد في العمل. وكانت تلك النقطة الفاصلة». وأخيرا، وجدت فاسكويز مساحة لالتقاط الأنفاس منذ استعانتها بثلاثة موظفين، بل وقامت أسرتها برحلة، تعد الأولى من نوعها منذ بدئها نشاطها التجاري، إلى تكساس هيل كنتري المجاورة.

*خدمة: نيويورك تايمز