تشيلي تستعد للولوج إلى نادي الدول الغنية

خفضت الفقر.. وتبنّت الديمقراطية بقوة.. وتلقت دعوة لدخول «منظمة التعاون التنمية»

TT

بالنسبة لفلوريبا لازاما وأسرتها، فإن الماضي يتعلق بالمنزل الخشبي الذي يقع قرب إحدى القنوات الإسمنتية القبيحة، إذ إنهم سينتقلون إلى الحياة في منطقة جديدة تمولها الحكومة، تقع على مقربة من منطقتهم المتداعية. ويأتي هذا ضمن مشروع لتحديث تشيلي لن يقلل فقط حجم المساكن العشوائية التي تقع داخل العاصمة، ولكنه سيساعد تشيلي على تحقيق أحد الأهداف الكبرى الأخرى، وهو الانتقال من كونها دولة نامية إلى دولة غنية. وتقول لزاما (65 عاما): «إن العمليات التنموية تتطور في تشيلي، ونحن نبتعد كل يوم عن الفقر».

وخلال الأسبوع الحالي، وجهت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المنظمة التي تضم دولا غنية مثل الولايات المتحدة واليابان ودولا أوروبية، دعوة رسمية إلى تشيلي للانضمام، ولتكون بذلك أول دولة من أميركا الجنوبية ضمن أعضاء المنظمة الذين يبلغون 30 دولة. ويعد هذا إشارة قوية على التقدم الثابت الذي أحرزته تشيلي منذ الثمانينات عندما كانت في قبضة الحكم الدكتاتوري. ويقول أندريس فلاسكو، وزير المالية التشيلي في حوار أجري معه الأسبوع الماضي: «ذلك تكليل للجهود التي بذلناها».

يذكر أن تحول إحدى الدول من دولة نامية إلى دولة متقدمة لم يحدث منذ أكثر من جيل، وكان آخر تلك الدول آيرلندا وكوريا الجنوبية. ولا يوجد من يستطيع تحديد التوقيت الذي ستنضم فيه تشيلي، إلا أن الخبراء الاقتصاديين يقولون إن هذه الدولة التي تضم 17 مليون نسمة ستصبح أول دول أميركا اللاتينية، تنتقل بين هاتين الفئتين في وقت ما خلال العقد القادم.

ويقول ماركيلو غيوغل، مدير قسم الحد من الفقر والإدارة الاقتصادية المختصة بشؤون أميركا اللاتينية في البنك الدولي: «لقد أصبحت على الطريق الصحيح لتصبح إحدى الدول المتقدمة، فلا يتعلق الأمر بأننا نرى إحصاءات وأرقاما تبدو مبشرة. أعتقد أن هناك تحولات عميقة تجري في المجتمع التشيلي تبشر بانضمام تشيلي إلى قائمة الدول المتقدمة في وقت قريب للغاية».

يذكر أن معدل النمو الاقتصادي في تشيلي كان أسرع معدلات أميركا اللاتينية خلال جيل كامل، بالإضافة إلى انخفاض معدلات الفقر من نسبة 45% قبل انتقال السلطة إلى الجنرال أوغستو بينوشيه إلى أقل المعدلات الإقليمية حيث يبلغ 14% في الوقت الراهن. ويقول غيوغل وغيره من خبراء الاقتصاد إن تشيلي أحرزت تقدما في مجالات أكثر صعوبة من أن يتم قياسها مثل تعزيز مؤسسات الدولة مثل المحاكم ومكافحة الفساد.

كما أن تشيلي لديها ديمقراطية ثابتة وقوية، حيث يحكمها منذ التسعينات تحالف من الاشتراكيين والديمقراطيين المسيحيين الذين أطاحوا ببينوشيه. وقد أحرزت رئيسة تشيلي الحالية، ميشيل باشيلي، قدرا من الشعبية فاق نسبة 80%. وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن رجل الأعمال المعارض المحافظ، سباستيان بانيرا، ربما يفوز بالرئاسة في انتخابات يناير (كانون الثاني) القادمة، فإنه لا يتوقع أي من الخبراء أن يتعرض النظام الاقتصادي لتغيرات كبرى. ومن جهة أخرى، أكد بانيرا الذي تغلب في الجولة الأولى من الاقتراع، الأحد الماضي، على مرشح التحالف، إدواردو فري، أنه لن يقلل أو يحد من شبكة الأمان الاجتماعي القوية. وظاهريا، لا يبدو أن تشيلي من الدول المرشحة للتنمية السريعة، فهي دولة منعزلة على هامش القارة، وصفها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنغر، مرة بأنها «سكين موجه إلى قلب إنتاركتيكا». وطوال القرن العشرين، كان اقتصادها يمر بفترات متتالية من الرخاء الاقتصادي والكساد. لكن في الوقت الراهن حافظت الدولة على الإصلاحات التي تمت في عصر بينوشيه مثل سياسة الخصخصة والتخفيضات على تعريفات الواردات.

وتزامن انفتاح تشيلي التجاري مع الإنفاق الاجتماعي الكبير. ففي السنوات الأخيرة، تسارعت معدلات الإنفاق على التعليم والحضانات. كما أن نحو 40% من الشباب يذهبون حاليا إلى الجامعات أو غيرها من المؤسسات التعليمية التالية للمدارس الثانوية، إضافة إلى أن نحو 70% من هؤلاء الذين تمكنوا من إتمام تعليمهم هم من أوائل الأشخاص الذين تمكنوا من تحقيق ذلك في عائلاتهم.

ووفقا لما يقوله المسؤولون هنا، فإن الإدارة الاقتصادية المتعقلة لم تساعد فقط تشيلي على تجاوز كونها دولة مدينة إلى دولة دائنة ولكنها ساعدت كذلك على حمايتها من الأزمة الاقتصادية العالمية. ويقول فيلاسكو، وزير المالية، إن تشيلي كانت قد أنشأت حسابا احتياطيا يقدر بالمليارات من عائدات ازدهار سوق العقارات في بداية العقد الحالي.

ووفقا لفيلاسكو فإن تشيلي استخدمت تلك الأموال عند ظهور الأزمة المالية للمساعدة على تحقيق أحد أكثر خطط التحفيز الاقتصادي تقدما وطموحا في العالم بأسره. وسيتعرض الاقتصاد التشيلي للتقلص خلال العام الحالي، ولكنه سيعود إلى تحقيق معدل نمو يصل إلى 4.5% خلال 2010.

ورغم ذلك توجد وجهات نظر معارضة، فيقول مانويل ريسكو، الخبير الاقتصادي في مركز الدراسات القومية للتنمية البديلة، وهو مركز أبحاث يميل إلى اليسار في تشيلي، إن الليبرالية الاقتصادية أفادت الشركات الكبرى والشركات الأجنبية ولكنها أخفقت في حل مشكلة التفاوت الطبقي التاريخية.

ومن جهة أخرى، يقول فريدي أكوستا (37 عاما)، رئيس إحدى شركات تقديم المأكولات، إنه تم تجاهل الطبقة الوسطى. ويضيف: «هناك معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، ولكن هناك في الوقت نفسه تزايد لتجارة المخدرات وانتشارها بين الأطفال. أنا من الطبقة الوسطى ولا أشعر أن هناك معجزة كبرى تحدث في تشيلي».

ومع ذلك، فإن الرخاء في العاصمة سانتياغو، التي يقطنها ثلث التشليين، أمر يمكن ملاحظته من خارجها حيث تتلألأ الأبراج الإدارية وتنتشر المحلات الفاخرة.

وخلال فترة حكم باشيلي، تم بناء أكثر من 446 ألف منزل جديد، تم تخصيصها للأسر الفقيرة غير المدينة، أو يتم منحها كنوع من الدعم للطبقة العاملة، بالإضافة إلى وجود صندوق حكومي آخر لمساعدة نحو 250 ألف أسرة على تجديد منازلهم.

من جهة أخرى، تقول باولينا مانوز، المسؤولة بقطاع الإسكان، خلال جولة في منطقة تحتوي على 150 منزلا جديدا، إن الهدف ليس هو الأحياء الفقيرة بحلول العام القادم، وإنما توفير منازل في مناطق مدنية تحتوي على حدائق ومدارس. ويضيف: «الفكرة هي رفع المستوى بشكل عام».

وأحد تلك المنازل الجديدة سيصبح ملكا لفلوريبا لازما وزوجها ليونيل فاسكويز (56 عاما). وقال الزوجان، وهما يصعدان الدرج، الذي ما زال بحاجة إلى اللمسات النهائية، إن لديهما 3 غرف للنوم يمكنهما مشاركة الأولاد فيها. ويقول فاسكويز: «لقد كنا نعيش طوال الوقت في المعسكرات، لكننا الآن نملك منزلا خاصا بنا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»