2009 نهاية عقد : إيران: عام «الثورة الخضراء».. وكسر المحرمات

مواجهات بين الإصلاحيين والحكومة.. وندا سلطاني أصبحت رمزا

موسوي خلال احتجاجات المعارضة في يونيو الماضي بعد انتخابات الرئاسة (أ.ف.ب)
TT

بين مطرقة الداخل وسندان الخارج، عاشت إيران طيلة عام 2009 على صفيح ساخن، لم تبرد ناره بعد، بل مرشحة للتأجج والاشتعال، ربما بشكل أكثر قسوة وضراوة في العام المقبل. داخليا فجرت أزمة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية أزمة طاحنة قسمت البلاد إلى فريقين، ما بين مؤيد ومعارض، وضاعت في غبارها مصداقية النخبة الدينية الحاكمة.. ولم تكد تهدأ هذه الأزمة حتى تصاعدت أزمة الملف النووي بوتيرة حادة، ولم يحسم الجدل الدائر حتى الآن بين إيران والغرب بقيادة الولايات المتحدة حول حق طهران في الحصول على تكنولوجيا نووية وفرض المزيد من العقوبات عليها.

هذان الحدثان وغيرهما من الأحداث الهامة لم يقتصر تأثيرهما على الواقع الإيراني الداخلي فحسب، بل استدعى ذلك لدى كثير من الدول والقوى المؤثرة في العالم إعادة القراءة والمراجعة لزاوية النظر للشأن الإيراني برمته، ومن ثم تغيير طبيعة التعامل مع إيران في المستقبل.

ويظل الحدث الأبرز في إيران هذا العام، والذي لم يكن أشد المعارضين للثورة الإسلامية يتوقعه، تداعيات الانتخابات الرئاسية العاشرة التي جرت في 12 يونيو الماضي، وفاز فيها أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية مدتها أربع سنوات بعد حصوله على 63% من أصوات الناخبين، وتفوقه على المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق، والذي حصل على 33.8%، ومحسن رضائي أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام رئيس الحرس الثوري الأسبق، الذي حصل على 1.7%، والشيخ مهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الأسبق الذي حصل على 0.9% وفقا للنتائج الرسمية لوزارة الداخلية.

فبمجرد إعلان النتيجة وفوز التيار المحافظ اندلعت في المدن الإيرانية الرئيسية موجة عارمة من الاحتجاجات والمظاهرات قادها موسوي، بمعاونة رضائي وكروبي، حيث رفض موسوي النتائج وأكد أنها مزورة، وأعلن نفسه الفائز بالانتخابات، ونظمت مظاهرات كبرى أمام السفارات الإيرانية في تركيا ودبي وباريس وبرلين ولندن وروما وسيدني وفيينا ولاهاي. وسقط العشرات من القتلى والجرحى في حمى المظاهرات، والتي اعتمد فيها اللون الأخضر كرمز للاحتجاج، وكان أبرز القتلى الشابة «ندا أغا سلطان» على يد قوات الحرس الثوري في 20 يونيو، وأصبحت رمزا للاحتجاجات الإيرانية. وتم اعتقال المئات من المعارضين والمسؤولين الإصلاحيين ومحاكمتهم وعلى رأسهم محمد علي أبطحي، عبد الله رمضان زاده، بهزاد نبوي، محسن أمين زاده، محسن مير دامادي، ومحمد عطار يانفار.

واتهمت السلطات الإيرانية الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا بدعم حركات الاحتجاج، وعلى أثر ذلك اعتقلت عددا من الأجانب في طهران بتهمة المشاركة وتأجيج المظاهرات. لكن ومع استمرار الضغوط أعلن مجلس صيانة الدستور في 16 يونيو قيامه بفرز جزئي للأصوات للتحقق من الاتهامات بالتزوير، وخلص في 29 يونيو إلى فوز نجاد، وتم التصديق على ذلك من قبل البرلمان الإيراني في الخامس من أغسطس (آب) الماضي.

تدخل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في الأزمة ودعواته للإيرانيين للتوحد وراء أحمدي نجاد الذي وصف انتصاره بأنه «تقييم إلهي»، لم يسفر عن أي نتيجة سوى المزيد من القمع ضد المعارضين، واستمرت تداعيات الأزمة في التضخم إلى وقتنا الراهن حتى صارت ككرة الثلج، بل وصل الأمر إلى قيام متظاهرين بكسر أحد المحرمات السياسية الإيرانية وأحرقوا صور الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية والمرشد الحالي علي خامنئي في ذكرى يوم الطالب أوائل ديسمبر (كانون الأول)، ووصف المتظاهرون الرئيس أحمدي نجاد بـ«الدكتاتور» وهتفوا: «الموت للطاغية.. سواء كان الشاه أو الزعيم».

كما تجددت الاشتباكات بين الشرطة وأنصار المعارضة مرة أخرى قبل حفل تأبين المعارض الأبرز، أحد كبار المراجع الشيعية آية الله حسين علي منتظري، الذي توفي في 19 ديسمبر الحالي، وكان من أشد المنتقدين للرئيس نجاد واتهم حكومته بممارسة الدكتاتورية.

هذه الأزمة، التي تعد الأخطر والأعنف منذ قيام الجمهورية الإسلامية قبل ثلاثين عاما، كشفت - كما يرى مراقبون - عن عدة حقائق خطيرة في النظام الإيراني، لعل أبرزها أن كلمة المرشد الأعلى صاحب السلطة شبه المطلقة في البلاد لم تعد ملزمة عند نسبة كبيرة من الإيرانيين، خاصة بعد فشله في وقف الاحتجاجات، وأن تمتعه بسلطات واسعة لا بد أن يعاد النظر فيه. كما أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن النظام الإيراني ضعيف داخليا، رغم الهيبة الظاهرية التي يتباهى بها وسيطرته على الوضع، وأكدت أن هناك صراعا بين المؤسسات المنتخبة والمعينة داخل النظام الحاكم، الذي أصبحت شرعيته منقوصة لدى كثير من الفئات في المجتمع. كما أسفرت عن تقارب ملحوظ بين الإصلاحيين ومن أطلق عليهم «المحافظون المعتدلون أو البرغماتيون»، وهو ما أدى إلى تفكيك النخبة العليا الحاكمة.

ورغم تقليل العديد من المراقبين من تأثير تداعيات هذه الأحداث على طبيعة نظام الحكم الإسلامي في إيران، فإنه من الثابت أن هذه التفاعلات سوف تنتج تداعيات مؤثرة على مؤسسات النظام، وأن إيران مقبلة على مرحلة جديدة ربما تشهد معها تغييرات مهمة في توازنات القوى داخل نظامها السياسي.

وخارجيا استبشرت إيران خيرا مع مطلع عام 2009 فيما يتعلق بأزمة الملف النووي الإيراني، بالدعوة التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما بمجرد تسلمه السلطة في يناير (كانون الثاني) الماضي، وأكد فيها «أنه سيسعى إلى فتح حوار مع إيران وسيجرب نهجا جديدا معها لإقناعها بالتخلي عن برنامجها النووي، يقوم على الاحترام والرغبة في الحوار». بالإضافة إلى بعثه برسالتين إلى القيادة والشعب الإيراني؛ إحداهما بمناسبة عيد النيروز، وعرض فيها فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الجمهورية الإسلامية عبر الحوار الدبلوماسي وطي ثلاثة عقود من العداء بين البلدين، إلا أن هذه الإطلالة لم تدم طويلا، فقد تفاعلت الأحداث، وانقلبت مبادرات أوباما الطيبة رأسا على عقب، وأصبحت ترجمتها إلى واقع عملي على الأرض أمرا غير وارد على الإطلاق.

وعلى العكس من ذلك فقد أحدثت هذه التطورات تحولا في الخطط والسياسات الأميركية تجاه إيران، وعادت إشارات التصعيد الأميركية والغربية مرة أخرى تجاه إيران، بل إن روسيا والصين الحليفين البارزين لإيران الكابحين لأي خطط دولية لشن هجمات عسكرية أو تشديد العقوبات ضد طهران، تغير موقفهما إلى حد كبير، وباتا أقل دعما لإيران في مواجهة القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

وأخيرا فإنه في ظل هذا الوضع المعقد، وبعد التأكد من عدم نية إيران التخلي عن برنامجها النووي مهما بلغت الضغوط، لم يصبح من الصعب التنبؤ بما يعتزم المجتمع الدولي اتخاذه حيال الملف النووي الإيراني خلال العام القادم (2010)، والذي لا يتوقع منه الكثير غير مزيد من التصعيد في العقوبات الاقتصادية والتلويح بالضربات العسكرية من حين لآخر، ناهيك عن تهديدات إسرائيل بالقيام بذلك، مع صعوبة ترجمة هذه التهديدات إلى واقع وفقا للمؤشرات الحالية إلا إذا حدث اختراق ما.

في خضم هذه الأحداث لم تغفل إيران عن دعم قدراتها العسكرية، وواصلت على مدار العام عمليات زيادة قدراتها العسكرية لحماية منشآتها النووية من أي ضربة عسكرية محتملة. وأجرت في 28 سبتمبر (أيلول) الماضي تجربة جديدة لإطلاق صواريخ بعيدة المدى، في إطار تدريبات عسكرية تطلق عليها اسم «مناورات الرسول الأعظم - 4»، واختبرت بنجاح صاروخ «قدر - 1» النسخة المعدلة من «شهاب - 3» ويبلغ مداه 1800 كلم. كما أجرت إيران اختبارا جديدا لصاروخها الباليستي «سجيل - 2» الذي يصل مداه إلى ما بين 2000 و2500 كلم مما يتيح له نظريا الوصول إلى إسرائيل، وأيضا كل جيرانها في المنطقة بما فيها تركيا وروسيا وباكستان، كما يصل إلى أجزاء من قارة أوروبا.

ويبقى في جعبة هذا المشهد شغب إيران إقليميا، وسعيها الدؤوب لأن تكون لاعبا مركزيا في المنطقة، تارة بالتدخل المباشر والملتوي في شؤون دول الجوار، أو دعم حركات التمرد، مثلما يحدث مع الحوثيين، أو عدم التجاوب مع مشكلات قديمة كمشكلة الجزر الثلاث الإماراتية، وكذلك تحريض حركة حماس ضد المصالحة الوطنية، وأخيرا احتلالها لبئر الفكة النفطية في محافظة ميسان جنوب العراق، كتلويح بالقوة، قبل أن تنسحب منه في منتصف ديسمبر بعد أزمة مع الحكومة العراقية خشية أن تخسر التعاطف العراقي الرسمي معها.. كل هذه التداعيات وغيرها تجعل من المشهد الإيراني بكل أقنعته أحد فرسان الحلبة في مجريات العام الجديد.

* سبتمبر (أيلول):

ـ 1/9: المجلس الأعلى الإسلامي العراقي ينتخب عمار الحكيم رئيسا له خلفا لوالده الراحل عبد العزيز الحكيم.

ـ 3/9: الإعلان عن فوز علي بن بونجو نجل الزعيم الراحل عمر بونجو بالانتخابات الرئاسية في الغابون بعد حصوله على 42% من الأصوات.

ـ 4/9: العراق يوجه طلبا رسميا إلى مجلس الأمن الدولي لفتح تحقيق في سلسلة التفجيرات التي قتلت 95 شخصا في بغداد في 19 أغسطس (آب) الماضي والتي يتهم فيها سورية.

ـ 10/9: رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري يعلن اعتذاره عن تشكيل الحكومة بعد رفض الأقلية تشكيل حكومة وحدة وطنية.

ـ 15/9: الإفراج عن الصحافي العراقي الشهير منتظر الزيدي الذي رشق الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بحذائه.

ـ 16/9: الرئيس اللبناني ميشال سليمان يعيد تكليف زعيم تيار المستقبل النائب سعد الحريري بتشكيل الحكومة اللبنانية.

ـ 17/9: الولايات المتحدة تلغي مشروع الدرع الصاروخية في أوروبا، والرئيس الأميركي باراك أوباما يقول إن الدرع الصاروخية ستعوض بنظام يوفر حماية أقوى، وروسيا ترحب بالقرار.