تفعيل تجربة عالمية لبناء جسر مهني بين «التعليم» و«العمل»

مؤسسة خيرية غير رسمية تطلق مناهج تدريبية بين الطلاب والطالبات وتتعاون مع «التربية والتعليم»

مجموعة من اعضاء «إنجاز» («الشرق الأوسط»)
TT

يسعى متطوعون سعوديون إلى تفعيل تجربة عالمية محليا عبر تطبيق حلول جديدة تسهم في ردم الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، من خلال مؤسسة خيرية غير هادفة إلى الربح تتولى تدريب الطلاب والطالبات بالتعاون مع الجهات المسؤولة. وتهدف هذه التجربة إلى إيجاد حل جذري لمشكلة الفجوة المتسعة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وهي المشكلة التي كانت ولا تزال المسبب الرئيسي للبطالة في السعودية، بحسب تقديرات الخبراء والمختصين، وحتى العاطلين عن العمل أنفسهم.

وتقوم على هذه التجربة مؤسسة اسمها «إنجاز» التي قد لا تكون معروفة كثيرا في السعودية، إلا لدى الآلاف الطلاب والطالبات صغار السن ولدى مؤسسات تعليمية، حيث إن ذاك الاسم ليس سوى شعار تم اختياره للدلالة على تجربة رائدة وغير مسبوقة تجري في مدارس السعودية الحكومية والخاصة، ابتداء بمدارس مدينة جدة في المنطقة الغربية.

و«إنجاز الخيرية» السعودية هي امتداد لمؤسسة أوسع هي «إنجاز العربية»، التي انطلقت أعمالها من الأردن في عام 2004، بعد أن قررت الملكة رانيا العبد الله جلب خبرات مؤسسة «إنجاز العالمية» غير الربحية التي تم تأسيسها في الولايات المتحدة عام 1919 إلى الوطن العربي.

وبدأ تطبيق البرنامج منذ ذلك الحين في دول عربية عدة، من بينها الأردن ولبنان وفلسطين ومصر والبحرين والكويت وقطر والإمارات وعمان، وتونس والمغرب والسعودية، والتي بدأ تطبيق البرنامج فيها كبرنامج خيري يدعمه البنك الأهلي التجاري في عام 2007، لتصبح بعدها مؤسسة خيرية مستقلة بالكامل غير هادفة للربح، وتتمتع بميزانية وإدارة مستقلة قائمة بذاتها.

وبحسب نائل سمير فايز الرئيس التنفيذي لـ«إنجاز السعودية»، فإن المؤسسة تركز بشكل أساسي على طلاب المدارس عموما، والمدارس الحكومية خصوصا، وتعمل على عقد دورات تدريبية طوال العام تهدف إلى إكسابهم المهارات اللازمة لسوق العمل، لتحقيق الهدف المنشود من إطلاق هذا البرنامج، والمتمثل في سد الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، ما يساعد بشكل كبير على إحراز هذا الهدف.

وكشف فايز أن «إنجاز» توفر مجموعة من البرامج المنهجية التي يتم جلبها من الولايات المتحدة وتعريبها لتدريب الطلبة والطالبات على أساسها، ويتولى تدريس تلك المناهج شخصيات متطوعة من القطاع الخاص، يتم اختيارها على أساس كفاءتها في العمل، ونجاحها وتحقيقها للعديد من الأهداف العملية البارزة، وبالتالي فإن خبرة العمل يتم إعطاؤها للمتدربين من أهل الخبرة مباشرة. ويقول الرئيس التنفيذي لـ«إنجاز السعودية»: «لدينا 3 مكتسبات رئيسية لبرامجنا، وهي تنمية الحس المالي أو المعرفة المالية ونقل الخبرة العملية من أهلها، فالفرق يكمن في أن البرامج التي نقدمها لا بد أن تقدم للطلاب من خلال متطوعين من القطاع الخاص، وهؤلاء عادة شخصيات ناجحة تعمل في أكبر الشركات، رغم أن إقناع الناس بفكرة التطوع ليس بالعمل السهل».

ويضيف فايز: «ليس سهلا إيجاد الشخصية الناجحة التي تملك القدرة على إيصال المعلومة، وإحداث الأثر المطلوب لدى المستهدفين من البرنامج، ولهذا فإن قسما كبيرا من وقت البرامج يستغرق في تجميع المتطوعين من القطاع الخاص ضمن خطوات طويلة، تتضمن زيارة الشركات الرائدة في القطاع الخاص، وعرض البرنامج وأهدافه وأهميته، وبعدها يتم تدريب المتطوعين قبل بداية الفصل الدراسي، ومن ثم تتم جدولة مواعيد البرنامج بما يتوافق مع ظروف المتطوع».

ويؤكد فايز أن البرنامج في سنته الثالثة حظي بدعم وخدمات 100 متطوع، وهو يستفيد من تجارب مكاتب «إنجاز» العربية الأخرى الموجودة في 16 دولة عربية حاليا، ويهدف إلى أن يصل عدد الطلبة الذين استطاع أن يدربهم على مناهجه إلى 100 ألف طالب وطالبة بحلول عام 2018.

وأوضح أن المؤسسة لا تزال تقتصر في نشاطها على مدينة جدة فقط، بناء على قرار مجلس الإدارة، إذ ارتأى المجلس ضرورة تحقيق نجاح ملموس وقصص واقعية تدلل على الأثر الإيجابي للبرنامج وأهدافه قبل التوسع في تطبيقه، وقال: «كان من الممكن ببساطة أن يتم افتتاح فروع (إنجاز) في الرياض أو الدمام هذا العام، لكننا آثرنا الاستمرار وبناء النجاح ببطء، وبطرق راسخة تضمن الاستمرارية والفاعلية أكثر من الإنتشار السريع».

ولفت الرئيس التنفيذي لـ«إنجاز السعودية» إلى أنه رغم مضي 3 سنوات على بدء المؤسسة نشاطها في السعودية، والتعاون الكبير بينها وبين وزارة التربية والتعليم، إلا أن الفكرة ما زالت جديدة، وما زالت تواجه صعوبات ملحوظة مع من يتعامل معهم البرنامج من القطاعات الحكومية أو المتطوعين من القطاع الخاص، وحتى الطلاب أنفسهم، مرجعا السبب إلى كون الفكرة جديدة، وكون الخدمة تقدم مجانا، رغم فاعليتها وأهميتها العلمية والتدريبية.

ويشير فايز إلى أن آلية اختيار المدارس المستفيدة من البرنامج تخضع للتنسيق مع إدارة التربية والتعليم، ويضيف: «نحرص على انتشار البرنامج، لكن من خلال قنوات محددة نظامية، إذ تتولى إدارة التربية والتعليم في المنطقة تحديد المدارس التي ستقدم فيها الدورات التدريبية والبرامج، ونحن نهتم بشكل أساسي بالمدارس الحكومية بنسبة 99 في المائة، كما نقدم خدماتنا أيضا للمدارس الأهلية الراغبة عن طريق ترشيحها من قبل إدارة التربية والتعليم في المنطقة التي نوجَد فيها».

ويضيف: «كل دورة تدريبية تتعامل مع 25 طالبا على الأقل في فصل دراسي واحد يتم ترشيحه من قبل مدير المدرسة التي تم ترشيحها أصلا من إدارة التربية والتعليم في المنطقة».

وأكد أنه يتم حاليا دراسة إمكانية جعل الالتحاق بالدورات التدريبية اختياريا أو متاحا للطلبة الراغبين من غير الصف الدراسي نفسه الذي تم ترشيحه». مشيرا إلى وجود حملات إعلانية مكثفة ستنفذ مستقبلا داخل المدارس، لحث طلاب المدرسة على الالتحاق بالدورات التدريبية، خصوصا أن سياسة البرنامج تنص على إعطاء البرنامج داخل المدارس وفي أثناء الدوام المدرسي.

وحول كيفية قياس الأثر الإيجابي للبرنامج ومدى نجاحه في تحقيق أهدافه الأساسية وفاعليته، أوضح فايز أن ذلك يتم بطريقة علمية من خلال دراسة لمدى التأثير تنفذها «إعلام العربية» بالتعاون مع شركة «ماكنزي»، وهي إحدى أهم الشركات العالمية في مجال قياس الأداء والمعايير، إلى جانب الصدى الإيجابي الذي يصل بشكل متواتر من خلال الطلاب أنفسهم ومعلميهم وبيئتهم المدرسية، وأولياء أمورهم.

ورغم ضخامة المشروع ومجانيته، فإن التمويل ليس مشكلة في حد ذاتها - كما يقول الرئيس التنفيذي لـ«إنجاز السعودية» رغم كون الجمعية خيرية بالكامل وغير هادفة إلى الربح وتقدم برامجها بالمجان وبنسبة 100 في المائة، وذلك يعود إلى أن أعضاء مجلس إدارة مؤسسة «إنجاز السعودية» هم من أشهر الاقتصاديين ورجال الأعمال في المملكة، ويمولون جميع المتطلبات المالية في الفترة الحالية، وبشكل كامل تماما».