أوباما يتحمل المسؤولية عن الأخطاء الأمنية ويأمر بإصلاحات فورية

واشنطن تتعاون مع السعودية في جهود مكافحة «القاعدة»

الرئيس الأميركي باراك أوباما يعلن أول من أمس مسؤوليته عن الأخطاء الأمنية (أ.ب)
TT

بدأت الأجهزة الأمنية الأميركية، أمس، في تطبيق تعليمات محددة من الرئيس الأميركي باراك أوباما؛ لتنسيق جهودها في مكافحة الإرهاب، والعمل على منع أي خرق أمني، بعد انتقاد أوباما فشلها في منع المتهم النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب من التوجه إلى الولايات المتحدة، ومحاولة تفجير طائرة أميركية الشهر الماضي.

وتحمل الرئيس الأميركي باراك أوباما المسؤولية الكاملة عن الإخفاقات الأمنية، التي أدت إلى محاولة تفجير طائرة ركاب يوم عيد الميلاد، وأمر بتطبيق إصلاحات للحيلولة دون وقوع هجمات في المستقبل.

وقال في خطابه من البيت الأبيض: «نخوض حربا ضد (القاعدة)، وهي شبكة عنف وحقد واسعة النطاق، هاجمتنا في 11 سبتمبر (أيلول)، وقتلت نحو 3 آلاف شخص بريء، وتخطط لضربنا من جديد»، مضيفا «سنفعل كل ما ينبغي القيام به لهزيمتهم».

وخوفا من التداعيات السياسية المحتملة بسبب أسلوب تعامل الإدارة الأميركية مع الحادث، سعى أوباما، مرة ثانية، إلى طمأنة الأميركيين بأنه سيفعل كل ما هو ممكن لإصلاح أخطاء أجهزة الاستخبارات وتعزيز الأمن؛ للحيلولة دون وقوع هجمات أخرى، وفي خطابه الثاني هذا الأسبوع حول الحادثة، قال أوباما، أول من أمس «ما يعنيني ليس إلقاء اللوم، بل الاستفادة مما حدث، وتصحيح هذه الأخطاء بطريقة تجعلنا أكثر أمنا، وفي نهاية الأمر فإن المسؤولية تقع علي.. عندما يفشل النظام فإنها مسؤوليتي»، ويذكر أن أوباما كان قد عزم على التخلي عن مصطلح «الحرب على الإرهاب»، وشدد مجددا، أول من أمس، على أن الحرب هي على «القاعدة».

وحدد أوباما خلال خطابه، بعد تلقي نتائج التحقيق في الأحداث الأخيرة، الإجراءات الرامية إلى سد الثغرات الأمنية التي كشفتها محاولة التفجير، ومن بينها تبادل معلومات الاستخبارات، وتوسيع نطاق استخدام تكنولوجيا الفحص الكلي لأجسام الركاب في المطارات، ومراجعة أساليب إصدار التأشيرات وإلغائها.

ويحدد التقرير، الذي أعده البيت الأبيض بناء على أوامر أوباما، بالتفصيل كيف فشلت أجهزة الاستخبارات في الربط بين المعلومات المتاحة لديها لتحبط مؤامرة التفجير، التي ألقت السلطات الأميركية باللوم فيها على عبد المطلب، الذي يعتقد أن له صلة بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأعلن تنظيم القاعدة عن المسؤولية عن المؤامرة، وهي من أخطر الحوادث خرقا للأمن الأميركي، وإظهارا لفشل الاستخبارات منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001 على الولايات المتحدة، ويسعى أوباما، بنشر هذه المراجعة، ليس فقط إلى تهدئة مخاوف السلامة العامة، لكن أيضا إلى الحد من الضرر السياسي الذي قد يلحق بإدارته، قبل جلسات استماع من المنتظر أن تعقدها لجنة في الكونغرس حول الهجوم.

وعلى الرغم من تعهد أوباما في وقت سابق بمحاسبة المسؤولين، فإنه أكد أن محاولة التفجير تعتبر «فشلا للآليات» وليست خطأ فرديا، في إشارة إلى عدم وجود أي نية وشيكة لتغيير قيادة الاستخبارات الأميركية، لكنه واصل ممارسة الضغوط على أجهزة الاستخبارات، التي قال إنها فشلت في «الاستفادة من المعلومات المتوفرة لدينا بالفعل» والتي كانت من الممكن أن تكشف المؤامرة.

وركز أوباما في خطابه على «القاعدة»، قائلا: «على الرغم من أن أجهزة استخباراتنا كانت تعرف الكثير عن فرع (القاعدة) في اليمن.. فقد كنا نعلم أنهم يسعون لتوجيه ضربة إلى الولايات المتحدة، وأنهم يجندون عناصر للقيام بهذا، ولم تتابع أجهزة الاستخبارات نشاط هذه المعلومات».

وكان اسم عبد المطلب مدرجا ضمن قاعدة بيانات عن نحو 550 ألف شخص يشتبه في صلتهم بإرهابيين، لكن لم يضف اسمه مطلقا إلى قوائم الممنوعين من السفر جوا، على الرغم من المعلومات التي جمعت عنه، ومن بين الإخفاقات التي صدمت الأميركيين، هي أن والد عبد المطلب توجه إلى السفارة الأميركية في نيجيريا، وأبلغ المسؤولين هناك أن ابنه أصبح يتبنى وجهات نظر متشددة، ومثل عبد المطلب، أمس، أمام محكمة اتحادية في ديترويت، ويواجه اتهامات قد تؤدي إلى عقوبة بالسجن مدى الحياة.

وخلال تصريحاته، تحدث الرئيس الأميركي عن الإجراءات التي تهدف إلى تحسين جمع وتبادل وتحليل المعلومات الاستخباراتية، وزيادة القدرة على «إبعاد الأشخاص الخطرين عن الطائرات»، لكنه لم يقدم الكثير من التفاصيل، وأضاف «أوجه أوامري ببذل جهود فورية لتعزيز المعايير المستخدمة لإضافة أفراد إلى قوائمنا الخاصة بالإرهاب، خاصة قائمة الممنوعين من السفر».

ووعد باراك أوباما بوضع استراتيجية جديدة تهدف إلى التصدي لجهود «القاعدة» في اجتذاب جيل جديد من المجندين من الشبان المسلمين، وحرص في خطابه على عدم عزل المسلمين، قائلا: «نعلم أن الغالبية العظمى من المسلمين يرفضون (القاعدة) ولكن من الواضح أن (القاعدة) تسعى بشكل متصاعد لتجنيد أفراد بلا صلات إرهابية معروفة، ليس فقط في الشرق الأوسط، لكن في أفريقيا ومناطق أخرى، للقيام بعملهم»، وأضاف: «لهذا السبب طلبت من فريقي للأمن الوطني أن يطور استراتيجية تعالج التحديات التي توجد من قبل المجندين»، وشدد على أهمية العلاقات مع الجاليات المسلمة حول العالم قائلا: «علينا أن نخاطب المسلمين حول العالم بوضوح بأن (القاعدة) لا تعرض شيئا إلا رؤية مفلسة من البؤس والموت، بما في ذلك قتل المسلمين، بينما الولايات المتحدة تقف مع الذين يسعون إلى العدالة والتقدم».

وأصدر البيت الأبيض، مساء أول من أمس، وثيقتين؛ الأولى مختصر التقرير الأمني حول الهجوم الفاشل، والثانية وثيقة من 3 صفحات وقعها أوباما، تطالب بإجراءات فورية لمعالجة الثغرات الأمنية.

وقال مستشار الرئيس الأميركي للأمن ومكافحة الإرهاب، جون برينان، إنه سيقدم تقييما للرئيس الأميركي، خلال 30 يوما وبشكل دوري بعدها، حول الإصلاحات للأجهزة الأمنية، وتحدث برينان في مؤتمر صحافي، مساء أول من أمس، عن «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية قائلا، إنها «من أكثر الجماعات خطورة وتثير للقلق» وهي من الجماعات الموالية لتنظيم أسامة بن لادن، وشرح «في المعلومات التي حصلنا عليها خلال السنوات القليلة الماضية، أظهر التنظيم تطلعاته..»، مضيفا أن «غالبية أعمالها كانت في اليمن، لكنه أشار إلى الهجوم الذي استهدف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية الأمير محمد بن نايف، وضد مواقع سعودية، وداخل اليمن، وضد مواقع يمنية وأميركية، وكانت تتطلع إلى المزيد».

وأضاف «ذهبت إلى السعودية بعد أسبوع من الهجوم على الأمير محمد، وكنت قادرا على العمل مع الأمير ورؤية الموقع (الغرفة التي وقع فيها الهجوم)، وتحدثنا عن المتفجرات التي استخدمت، وكانت لدينا مخاوف جدية منها، لقد كانت محاولة اغتيال»، وتابع أن المسؤولين الأميركيين ما زالوا يتشاورون مع مسؤولين سعوديين حول التكتيكات التي تستخدمها «القاعدة».

وبالإضافة إلى العمل على تحسين الإجراءات الداخلية، ووضع لوائح جديدة لمنع السفر إلى الولايات المتحدة لكل من يشتبه في صلته بقضايا إرهاب، قالت وزيرة الأمن القومي، جانيت نابوليتانو، إنها ستعمل مع وزارة الخارجية الأميركية على تشديد الإجراءات الأمنية في المطارات الأجنبية أيضا.

ومن جهته، أصدر مدير الاستخبارات الوطنية دينيس بلير بيانا، مساء أول من أمس، تعقيبا على خطاب أوباما وأوامره لأجهزة الاستخبارات، قائلا إن الرئيس الأميركي «قد أمرني بقيادة عمل الأجهزة الأمنية في تحسين إجراءاتنا وأنظمتنا؛ لمعرفة ومنع محاولة مشابهة من النجاح»، مضيفا أن ركوب عبد المطلب الطائرة المتجهة إلى ديترويت من أمستردام كان «فشلا لنظام مكافحة الإرهاب». ويتحمل بلير 4 مسؤوليات محددة، هي التأكد من مسؤولية كل جهة أميركية للتحقيق في أي تهديد محتمل ذي أهمية ومتابعته بشكل أفضل، بالإضافة إلى توزيع تقارير استخباراتية بطريقة أسرع وإلى جهات أكثر، وتطبيق مستويات أعلى وأفضل لتحسين التنسيق الاستخباراتي، أما المسؤولية الرابعة التي تقع على بلير، فهي تحسين المعايير المحددة لوضع الأفراد على قائمة مراقبة المشتبهين في الإرهاب ومنعهم من السفر.

وسعى الجمهوريون إلى إظهار الرئيس الديمقراطي في صورة ضعيفة، فيما يتعلق بمسائل الأمن القومي، وذلك في محاولة لكسب نقاط قبل الانتخابات الدورية في الكونغرس هذا العام، وأقر أوباما، بالفعل، بوقوع تقصير فيما يتعلق بالحادث، لكنه رفض إقالة أي مسؤولين حتى الآن على خلفية الهجوم الفاشل، وقال جون كورنين السيناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ: «أخشى من أن انشغال الرئيس بالرعاية الصحية والقضايا الداخلية الأخرى قد شتت انتباهه بعيدا عن الدور الرئيسي الذي يجب أن يضطلع به كقائد لنا، وهو حماية بلادنا ومواطنينا من أي أذى».