النفوذ الصيني المتزايد يصل الكونغرس الأميركي

بكين تدفع بسخاء لحملات الضغط.. والمشرعون الأميركيون يغيرون مواقفهم تجاهها

TT

قبل عشرة أعوام اتهم مشرعون أميركيون علنا «شركة الشحن عبر المحيطات الصينية» بأنها تتستر على عمليات تجسس، وأعاقوا خططا لتوسيع محطتها البحرية في لونغ بيتش بولاية كاليفورنيا خشية أن يستخدمها جواسيس صينيون. لكن في العام الماضي، كان للكونغرس الأميركي رأي أخف وطأة إزاء الشركة العملاقة المملوكة للدولة الصينية. وتولى السيناتور الديمقراطي جون كيري صياغة بيان يثني على الشركة؛ لأنها توظف آلاف الأميركيين وتساعد على المحافظة على مياه ألاسكا نظيفة. كما أثنى النائب ستيفن لنش، على الشركة داخل مجلس النواب، ووصف رئيسها التنفيذي بأنه «سفير الشعب» إلى الولايات المتحدة بعد أن أنقذ ميناء داخل بوسطن، وأوجد آلاف الوظائف، عندما خرج خط ملاحة أوروبي. ويظهر التغير الذي طرأ على موقف الكونغرس زيادة بارزة في النفوذ الصيني. ويقول أعضاء في الكونغرس وجماعات الضغط ومراقبون آخرون إن المكانة البارزة الجديدة التي تتمتع بها الصين تعود إلى حد بعيد إلى جهود بكين الذكية للتأثير على الأحداث داخل مركز النفوذ الأميركي، كما يظهر هذا التغير إدراكا متناميا من جانب المشرعين الأميركيين بأن الصين أصبحت لاعبا اقتصاديا مهما داخل الولايات المتحدة.

ورغم أنه لا يزال عدد كبير من الأميركيين ينظرون بعين الريبة إلى الصين بسبب نظامها الشيوعي وسجلها في مجال حقوق الإنسان، تبدو نتائج حملة بكين لتلميع صورتها وتأكيد نفوذها واضحة للعيان. وبدأ أعضاء في الكونغرس «يفهمون أن الصينيين ليسوا شيوعيين وإنما هم صينيون»، على حد تعبير النائب إيرل بلومينيور الديمقراطي عن ولاية أوريغون. وتعد الصين السوق التصديرية الكبرى لولاية أوريغون بعد كندا. ويقول العضو بالكونغرس، الذي خدم لسبع ولايات: «تظهر الصين كخلفية أساسية في كل شيء ارتبطت به»، مضيفا أنه في القضايا المتنوعة مثل الاقتصاد الأميركي والتغير المناخي وسياسة الطاقة «تكون الصين عنصرا لا يمكن لأحد أن يتجاهله». على مدى أعوام، وبينما كانت الصين ترتقي بصورة مستمرة إلى ذروة الساحتين السياسية والاقتصادية، تجاهلت الكونغرس الأميركي في أغلب الأوقات، تاركة التواصل مع مشرعين أميركيين للأصدقاء في النشاط التجاري. لكن الصين دشنت حاليا جهود ضغط تتكلف عدة ملايين من الدولارات، وهي جهود فعالة لدرجة أنها تمثل تحديا للجهود التي تبذلها تايوان. قبل عشرة أعوام، كان ساسة أميركيون من الأطياف كافة يقومون بصورة مستمرة بالهجوم على الصين. لكن هناك حاليا إشارات من نوع آخر، مثل إصدار بيان بمناسبة الذكرى الـ2560 لميلاد الفيلسوف الصيني كونفوشيوس، وهو ما وافق عليه مجلس النواب بالإجماع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وتقول السيناتورة الديمقراطية ديان فينشتاين، التي كانت أول عمدة أميركي يزور الصين عام 1979، عندما كانت تشغل هذا المنصب في سان فرانسيسكو: «كانت توجد بالأساس هذه النظرة المعادية للشيوعية المرتبطة بالصين، ولكن تغير ذلك في الوقت الحالي. الصين دولة اشتراكية ولكنها الدولة التي تتحول إلى الرأسمالية بصورة متزايدة».

ولا يشارك الجميع في الانفتاح الجديد إزاء الصين، ولكن ثمة تطورا لا يمكن لأحد أن ينكره، وفق ما يقوله محللون وموظفون داخل الكونغرس؛ حيث إن أعضاء في الكونغرس لديهم استعداد أكبر لوقف أو تعديل مشاريع قانون تعارضها بكين، علما بأن الكثير منهم لديهم أعداد متزايدة من المشروعات التجارية الصغيرة والكبيرة في مناطقهم تعتمد على التجارة مع الصين. وفي الوقت الذي يوجد فيه لدى الصين فائض تجاري ضخم مع الولايات المتحدة، شهدت الصادرات الأميركية إلى الصين نموا كبيرا خلال الأعوام الأخيرة. ففي عام 2008، وفقا لبيانات مجلس الأعمال الأميركي الصيني، ارتفعت الصادرات إلى الصين بنسبة 85% من مناطق ممثلة داخل الكونغرس. وتعد الصين حاليا ثالث أكبر سوق أمام البضائع الأميركية بعد كندا والمكسيك. وقد قام السفير الصيني لدى الولايات المتحدة تشو ون تشونغ بزيارة نحو 100 سيناتور وعضو في مجلس النواب داخل مناطقهم خلال ولايته التي تستمر أربعة أعوام داخل واشنطن. وحتى نهاية التسعينات من القرن الماضي، كانت السفارة الصينية توظف دبلوماسيا واحدا مختصا بشؤون الكونغرس. وكانت وظيفة غير جذابة للموظفين الذين نادرا ما يغادرون السفارة، التي كانت حينئذ في فندق سابق داخل كونيتيكت أفنيو.

كانت الصين تعول على مؤسسات تجارية أميركية مثل الغرفة التجارية الأميركية، من أجل الضغط نيابة عنها. لكن مع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، أصبحت تلك المنظمات الأميركية مترددة في العمل نيابة عن منافس يزداد قوة. وفي منتصف التسعينات، نجحت تايوان في الضغط من أجل الحصول على تأشيرة للرئيس آنذاك لي تينغ هوي، لحضور اجتماع داخل جامعة كونيل والإدلاء بخطاب، وساعد ذلك على وقوع أزمة داخل مضيق تايوان. بعد ذلك، وفي عام 2005 حاولت شركة البترول البحري الوطنية الصينية المملوكة للدولة شراء شركة البترول الأميركية «أنوكال»، ولكنها دخلت في عملية ضغط دعمتها شركة «تشفرون» الأميركية العملاقة التي قدمت عرضا منافسا. وأنفق الصينيون 4 ملايين دولار على محاولات الضغط. لكنها خسرت الصفقة لصالح «تشفرون» عندما مرر الكونغرس قرارا يعارض عملية استحواذ يتزعمها الصينيون على أراض أمنية.

وفي العام الماضي، افتتحت الصين قلعة قيمتها 200 مليون دولار لسفارة تطل على شارع فإن نيس، وأظهر ذلك ثروات الصين المتزايدة وتركيزها على واشنطن. وهناك يضم مكتب شؤون الكونغرس على الأقل 10 دبلوماسيين معظمهم درسوا في جامعات أميركية، ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة.

وقد تطورت الطريقة التي يتعامل بها الصينيون مع الساسة الأميركيين أيضا. وعندما اقترح السيناتوران الديمقراطي تشارلس شومر، والجمهوري ليندسي غراهام، مشروع قانون عام 2005 يضع تعريفة نسبتها 27.5% على البضائع الصينية ما لم تعد الصين تقييم عملتها، اتبعت بكين نهجا جديدا. وبدلا من استنكار ما قام به السيناتوران على الصفحة الأولى من صحيفة الشعب اليومية، كما كان يحتمل أن تقوم به الصين في الماضي، رحبت وزارة الخارجية في بكين بزيارة يقوم بها الاثنان إلى الصين. وفي نهاية رحلته، قال شومر للصحافيين إنه لم يعد متأكدا هل سيطالب بالتصويت على مشروع القانون وإنه «متفائل من أنه يمكن تفهم ذلك أفضل مما كان يمكن أن يحدث في الماضي». وفي الفترة من 2005 إلى 2009، استضافت الصين للمرة الأولى عددا من الساسة الأميركيين وأعضاء طاقم الكونغرس أكثر من تايوان، حسب ما أفاد به موقع LegiStorm.com، الذي يراقب نشاط الكونغرس. ورفعت الصين من المقدار الذي تنفقه على شركات الضغط بمقدار ثلاثة أضعاف، ومن بينها مراكز النفوذ مثل باتون بوغز وهوغان آند هارستسون، منذ عام 2006 على الرغم من أن تايوان لا تزال تفوقها في النفقات. وتقول السيناتورة فينشتاين إن وجهات نظر أصدقائها أصبحت أكثر تطورا مع الوقت، وهم يعرفون أن الصين تسيطر على كمية كبيرة من الدين الأميركي وإنه يمكنها استيراد الكثير من البضائع، ما قيمته 11 مليار دولار من ولايتها وحدها العام الماضي. وأضافت: «لم أر بلدا يتغير بسرعة مثلما فعلت الصين خلال 30 عاما».

اعتادت الولايات المتحدة أن تكون مكانا لنوعين من الصينيين يعرفهم الأميركيون بالفريق الأحمر الذي يؤيد الصين والفريق الأزرق الذي يدعم تايوان. وقد نجح النفوذ المتنامي للصين في تدعيم الفريق الأحمر. ففي عام 1991 سافرت النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي إلى الصين ولوحت براية في ميدان تيانانمان في ذكرى ضحايا قتلى الاعتداءات على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية. وخلال العام الماضي عادت بيلوسي رئيسة مجلس النواب إلى الصين مرة أخرى، وعلى الرغم من استمرارها في إثارة قضايا حقوق الإنسان فإنها ركزت بصورة أكبر على قضايا المناخ، وكما أشار أحد أعضاء وفد الكونغرس أنها تصرفت بحسب مقتضيات منصبها. ويشهد الوقت الحالي جنوح بعض المشرعين الذين اعتبروا من المؤيدين بقوة لمعسكر تايوان إلى جانب الصين. فديل إيني فاليومافيغا، عضو مجلس النواب لإحدى عشرة دورة برلمانية ورئيس لجنة العلاقات الخارجية الفرعية الخاصة بآسيا والمحيط الهادي والمناخ العالمي بالمجلس، والذي اعتبر على مدى سنوات حليفا قويا لتايوان، أجهض أو ربما قتل تشريعا وقرارات مؤيدة لتايوان. وقد عزز موقفه من موقف اللوبي الداعم للصين من أجل التغيير. وقال: «إن أوثق حلفائنا، ألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان، يعرفون كيف يعمل النظام العالمي، والصين تحاول اللحاق بالركب». وقد أدت هذه المواقف إلى جرأة المؤيدين للصين في الكونغرس، خاصة مجموعة العمل الصينية الأميركية في الكونغرس المؤلفة من 60 عضوا والتي يقودها النائب الديمقراطي ريك لارسن ومارك ستيفن كيرك واللذان يمثلان مقاطعات تقوم بتجارة ضخمة مع الصين. وقال لارسن: «وثقنا بالصين عندما كانت تخطو خطواتها الأولى وما كان من سبيل لها سوى الارتقاء».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»