موسم حصاد الذرة الرفيعة يحل في جازان.. والنازحون يعيشونه بالذكريات

محاصيلهم تنتظر الحصاد وسط منطقة عسكرية محظورة

TT

بينما ينتظر النازحون من أهالي جازان مع الهدوء الذي يسود الوضع الأمني على الشريط الحدودي جنوب السعودية ضوءا أخضر للعودة إلى قراهم ومنازلهم في محافظة الحرث التي نزحوا منها مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المنصرم بعد اندلاع مواجهات مسلحة مع متسللين، يمر هذه الأيام موسم حصاد الذرة الرفيعة، محملا بذكريات مواسم الحصاد المرسومة في ذاكرة المزارعين، وباعثا لأشواق العودة إلى مزارع وحقول انتهوا من حرثها قبل أسبوع من صدور أوامر النزوح وحان الآن موعد قطافها.

وللمرة الأولى في ذاكرة مزارعين تجاوز بعضهم التسعين يمر موسم الحصاد والحرث في الأرض البعيدة التي تحولت إلى ساحة معركة بعد أن كانت سلة غذاء، وسط حقول معطلة وأرض محظورة ارتفعت فيها أغصان الذرة على سوقها حاملة سنابل محملة بأصناف الذرة الحمراء والبيضاء دون أن تجد مناجل للحصاد كما هو المشهد السنوي.

وطبقا للتقويم الزراعي الذي يتبعه مزارعو جازان فإن هذه الأيام هي وقت الحصاد لموسم «المخرط» والذي تزرع فيه الذرة الرفيعة والدخن. ويجري حرث الأرض وزراعتها لهذا الموسم خلال الفترة من 16 أكتوبر (تشرين الأول) إلى نهاية الشهر نفسه، ويبدأ موسم الحصاد بعد 75 إلى تسعين يوما من توقيت زراعتها.

وإضافة إلى ذلك تعتبر هذه الأيام توقيتا مناسبا لموسم آخر لزراعة الذرة الرفيعة والسمسم والدخن والحبحب، وهو موسم «السعودات» الذي يبدأ من مطلع يناير (كانون الثاني) من كل عام إلى نهايته.

يأتي ذلك في وقت تشتهر فيه جازان بزراعة الذرة الرفيعة والتي تعد مكونا أساسيا لكثير من الأطعمة والوجبات الشعبية في المنطقة، ومن أهمها أقراص «الخمير». وتخترق ثلاثة أودية رئيسية محافظة الحرث هي أودية خلب ودهوان والدحن، وتقوم على ضفافها مساحات شائعة من مزارع الذرة الرفيعة تشكل أحد مصادر الدخل لمواطني محافظة الحرث البالغ عددهم خمسين ألف نسمة، وتوفر آلاف فرص العمل الموسمية لسكان المحافظة والمتسللين اليمنيين في أعمال الحصاد والحرث.

ويذكر الشيخ عبد الله هزازي، شيخ قبيلة الهزازي في محافظة الحرث، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن النازحين ليس بمقدورهم الوصول إلى مزارعهم التي تقع ضمن المنطقة العسكرية المحظورة، وأن الوضع الحالي تسبب في خسارتهم لموسمين زراعيين من أصل ثلاثة يشهدها العام هما موسم المخرط الذي حان وقت حصاده الآن وموسم السعودات.

وناشد الهزازي المسؤولين أن يجري بحث آلية يتم بموجبها تسهيل استفادة المزارعين من محصولهم من الذرة الرفيعة الذي أصبح مرتعا للقرود وغيرها من الحيوانات، مضيفا أن هؤلاء النازحين في حاجة إلى هذا المحصول وعوائده المادية.

ويقول قاسم شراحيلي، وهو مزارع من قرية الخشل الحدودية «لا أدري ماذا حل بحقولنا بعد النزوح، ولكن أعتقد أنها استوت على سوقها وأصبحت جاهزة للحصاد»، مضيفا أنه حاول في أكثر من مرة التسلل إلى مزرعته غير أن جميع الطرق كانت موصدة بحواجز عسكرية.

وإضافة إلى خسارة محصول موسمين، تسبب الوضع الحالي في خسارة آلاف الأعمال الموسمية في حرث وحصاد حقول الذرة الرفيعة، حيث ينخرط المئات (غالبيتهم من الشبان اليمنيين) في حرث حقول الذرة الرفيعة وحمايتها وحصادها وتعبئتها في أكياس يتم بيعها في الأسواق الشعبية بمبالغ تتراوح بين 80 و150 ريالا للكيس الواحد.

ويذكر إبراهيم عبده مجرشي، وهو نازح يمتلك حقولا تطل على وادي خلب في شمال الخوبة، أن هذه المزارع يعتمد عليها المزارعون في طعامهم وإطعام مواشيهم وكذلك كتجارة لبيعها في الأسواق الشعبية. مناشدا أن تتيح الأوضاع الهادئة نسبيا على الشريط الحدودي الوصول إلى مزارعهم وحصادها قبل أن ينقضي موسم الحصاد.

وتواصل القوات المسلحة السعودية فرض منطقة عسكرية محظورة بعمق عشرة كيلومترات داخل محافظة الحرث بجازان جنوب غربي السعودية منذ شهرين من الآن. وجاء فرض هذه المنطقة العسكرية في حينها لحماية المدنيين من العناصر المسلحة التي قد تستغل تجمعاتهم لمهاجمة قوات الجيش وتنفيذ عمليات مضادة.

ويوجد في جازان نحو 30 ألف مزرعة تنتج ما نسبته 95 في المائة من إنتاج السعودية من الذرة الرفيعة. وتغطي هذه المزارع مساحة 214 ألف هكتار، وتشكل المزارع في جازان ما نسبته 12 في المائة من مساحة المزارع في السعودية.