الخط العربي يفقد شعبيته بعد أن فرضت «الكيبورد» نفسها

السعودي ناصر الميمون يأسف على ضعف الخطوط لدى جيل اليوم وإقفال معهد متخصص فيها

ناصر الميمون خلال مشاركته في معرض الخط العربي الثاني (تصوير: سعد العنزي)
TT

بقلم من القصب لا يتجاوز الشبر والنصف، وقنينة صغيرة من الحبر الأسود، بدأت مجموعة من الخطاطين في الرياض في سطر فنون متنوعة من اللوحات تحمل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وبعض الأشعار والحكم.

ويتنافس مجموعة من الخطاطين السعوديين في إبراز مواهبهم في فنون الخط العربي، والذي واجه في السنوات الأخيرة بعض الجفاء من محبيه، بعد أن زاحمتهم وسائل التقنية الحديثة، واستعمالات الحاسب الآلي.

وعلى الرغم من نسيان البعض هواية الخط العربي والاكتفاء بفنون الطابعات الحديثة التي تستخدم مع الكومبيوتر، فإنه لا يزال هناك مجموعة من السعوديين الكبار الذين لا تزال الهواية عالقة في أذهانهم، ويحتفظون بلوحات إبداعية لديهم، لا لشيء إلا حبا في هذا الفن الجميل الذي بات يواجه كثيرا من الجفاء، وبخاصة من الجهات التعليمية المسؤولة.

وهنا يستعرض ناصر الميمون، أحد أشهر خطاطي العاصمة السعودية الرياض، أشكال وأنواع الخطوط التي يشارك بها الهواة، وأدواتهم التي يستخدمونها في هذه الهواية، والتي عرضوها في معرض نظمته وزارة الثقافة والإعلام السعودية الأسبوع الماضي.

ويقول الميمون إن الخطاطين لا يستخدمون الأدوات التي تباع في المكتبات ومحلات القرطاسية، وإنما لديهم أدواتهم الخاصة وأهمها «أقلام القصب» التي تؤخذ من بعض الأشجار بمقدار الشبر والنصف، وتقطع رأسها بـ4 أجزاء بشكل مائل، وهي مجوفة من الداخل.

ويعزو الميمون استخدام القصب في الكتابة إلى ليونته ومرونته، وبخاصة في زوايا الحروف والزوايا المتعددة، إلى جانب استخدام نوع من القصب يطلق عليه «الجاوي» وهو غير مجوف وقوي ومتماسك، ويستخدم عادة في كتابة الآيات الشريفة والأذكار، ويتميز بتماسكه وقوته ويمكن أن يكتب بقلم واحد من هذا النوع المصحف الشريف كاملا.

ويفصل ناصر الميمون في حديثه عن هواة الخط العربي، أن من متطلبات أدواتهم بالإضافة إلى «أقلام القصب»، هناك «المقط» وهي سكين صغيرة حادة يقطع بها القلم وتبرى بها الأطراف وتشق، وهي تأتي من بلاد فارس وتركيا وبعض بلاد الشام. ويضيف أنهم قالوا في الأمثال «إذا قال القلم قط.. فبشر الكاتب بحسن الخط»، ومعنى ذلك أن جمال وإجادة الخط يكمن في «قط رأس القلم»، لأنه يسهل على الكاتب حركة وانسياب الحبر داخل الحروف، لذلك كان «القط» سرا من الأسرار بين الخطاطين فيما بينهم، وبخاصة خطاطي الدولة العباسية فهم أول من بدأوا في استخدام أقلام القصب في كتابة الخط وإجادته.

بالإضافة إلى ذلك، فإن من الأدوات التي تكون ملازمة للخطاط «الحبر» وهو مادة طحينية سوداء تخرج من «المقرصة أو التاوه» التي توضع عليها الطحين للخبز، ويخلط فيما بعد بمادة الصمغ القديم، ثم يوضع عليه قليل من الماء، وهذا النوع يأتي أيضا من تركيا وبلاد الشام، وهو الذي يفضله الخطاطون لخفة الحركة فيه، ويوجد منه حاليا ما يصنع في الصين.

كما أن هناك نوعين من الورق، هما «المصقول» وهو ورق ناعم، وورق «معبد أو مقهر»، وهو ورق يدهن بخليط من زلال البيض مع قطعة من الشب الأبيض.

ويكشف الخطاط الميمون عن حقيقة مهمة للهواة، ألا وهي أنهم يختارون الكلمات التي يخطونها في اللوحات بعناية تامة، لكي تؤثر كثيرا في جمال الخط المستخدم، إضافة إلى أن استخدام الخط من خلال الكومبيوتر لا يجيده باحترافية غير الخطاطين؛ لأنهم يملكون حسا جماليا في الخط أكثر من غيرهم.

ويبدو أن الخطاطين أكثر من غيرهم في معرفة اللوحات المخطوطة، حيث يبين الميمون أنه من خلال الأحرف يمكن معرفة كاتب الخط إن كان «رجلا» أو «امرأة»، مشيرا إلى أن المرأة تكون الأحرف لديها فيها نوع من الاهتزاز، بخلاف الرجل الذي غالبا ما تكون الأحرف لديه متماسكة.

كما أن غالبية الورق المستخدم في اللوحات يكون على الورق البردي وبعضه على الجلود المدبوغة والبعض الآخر على الورق المعبد أو على قماش الديباج.

ويعكف الخطاط الميمون، الذي حاز المركز الثاني دوليا في معرض «باكستان للخط العربي 2007»، حاليا على إعداد كتاب يكون مرجعا للهواة في خطوط «الثلث والنسخ والفارسي» بحيث يكون هناك شرح واف لأنواع الخطوط المذكورة وطريقة كتابتها. وتأسف الميمون، في الوقت نفسه، على إغلاق معهد الخط العربي التابع لوزارة التربية والتعليم قبل أكثر من 15 عاما، بعد أن ساهم هذا المعهد في تخريج أجيال من الخطاطين السعوديين، وأن هناك محاولات جادة لإقناع المسؤولين في الوزارة بإعادة فتح المعهد مرة أخرى.

ويحذّر الخطاط الميمون، الذي يعمل خطاطا في وزارة الثقافة والإعلام، من التردي الواضح في الخط لدى كثير من الطلاب في الأعوام الأخيرة، وأن ذلك عائد إلى عدم إعداد معلم الخط جيدا، وكذلك عدم وجود معاهد ومراكز متخصصة في تعليم الخط العربي.

ويأمل ناصر الميمون في أن تقوم «الجمعية السعودية للخط العربي» التي تم تأسيسها قبل عام، وتضم 13 عضوا، خاصة أن أفكارا طرحت من قبل هذه الجمعية، بتنظيم دورات وورش عمل للناشئة، ومعارض متجولة، إلى جانب فكرة لإقامة متحف خاص لجميع الأعمال الخطية، والمقتنيات الجيدة.

وكانت وزارة الثقافة والإعلام قد نظمت الأسبوع الماضي المعرض الثاني للخط العربي، وحاز المركز الأول في اللوحات المشاركة الخطاط ناصر الميمون عن لوحة «الحق يعلو ولا يعلى عليه» بخط الثلث «الجلي».

وللخط العربي 7 أنواع رئيسية منها: الكوفي، والثلث، والنسخ، والتعليق الفارسي، والديواني، والرقعة، والجلي الديواني، فيما تنقسم هذه الخطوط الـ7 إلى 14 فرعا منها؛ الإجازة، والريحاني، والمحقق، والرقاع، والشكستة، وغيرها من الخطوط.